ارشيف من :آراء وتحليلات

مجرد كلمة: طريق الحرية

مجرد كلمة: طريق الحرية
كتب أمير قانصوه
بجوار نهر الليطاني وعند الجسر الذي يربط بين بلدتي قاقعية الجسر وفرون، يمكن للذكريات أن تتدفق غزيرة أكثر من النهر، ولا يمكن لشيء أن يمحو من قلوب الناس هنا، ما حفلت به ذاكرتهم خلال الأعوام الماضية.
هنا فقط عند جسر القاقعية، سقط الكثير من الشهداء العابرين بنيران القنص الصهيوني من موقعي علمان والشومرية، فضلاً عن الكمائن التي كان ينصبها العملاء عند هذا الطريق وتنتهي باعتقال المواطنين أو قتلهم. وهنا أيضاً ذاق العدو طعم الهزائم المتكررة على يد المقاومة، ابتداءً من العمليات النوعية التي شهدتها مواقعه الى الكمائن المتقدمة للمجاهدين التي انتهت الى تحرير هذا الطريق من العدو قبل دحره بالكامل عن المنطقة.
وفي 12 تموز/ يوليو 2006، بعد أقل من ساعة على عملية الوعد الصادق، كان جسر القاقعية يُستهدف بأولى الغارات التي قطعت جنوبي النهر عن شماله، في رد عدواني سريع يهدف الى منع المقاومة من نقل الأسيرين الى شمالي النهر. وبعد عامين وفي التوقيت نفسه، نحن في المكان نفسه، نتنزه ومن حولنا على طول مجرى النهر الآلاف من الوافدين الى هذه المنطقة، ليستمتعوا بخضرتها ومائها، وقبل كل شيء بما تحقق في الانتصار التاريخي في آب/ أغسطس 2006، وبما تحقق قبله في التحرير عام 2000.. كل وجوه الناس هنا تتطلع الى بعد أيام قليلة، حيث تحقق المقاومة ما وعدت به: حرية الأسرى والمعتقلين وعودة أجساد الشهداء الى تراب الوطن.
واليوم، فإن العابر من النبطية الى قضاء بنت جبيل، يمكنه أن يسلك طريقاً فسيحاً تزين جدرانه الحجارة الملونة والصلبة، والتي أجادت الهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان في إعادة تأهيله إكراماً للجنوب المقاوم، ليغدو هذا الطريق لائقاً بتسميته "طريق الحرية".
أكثر من يشعر بانتصارات المقاومة هم الناس هنا في الجنوب، الذين ذاقوا الأمرين من نار العدوان الصهيوني طيلة عشرات السنوات. والانتصارات الصادقة وحدها تستطيع أن تحوّل الذكريات الأليمة الى لحظات فرح، وكفيلة أيضاً بجعل أهل المقاومة مستعدين لبذل أرواحهم لحماية إنجازاتها العظيمة.
ذكريات التصقت بالناس هنا الى حد التماهي، بخلاف النهر الذي يذهب سريعاً ليغرق في البحر، في انتحار متواصل لم تعمل الدولة على وضع حد له، ولو بسد صغير يروي ظمأ هذه الأرض التي ارتوت بالدماء الذكية، فأنبتت حقولها حرية لا يمكن أن تذبل.
الانتقاد/ العدد1281 ـ 15 تموز، يوليو 2008
2008-07-15