ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: المقاومة كقيمة أخلاقية

على العهد: المقاومة كقيمة أخلاقية
كتب إبراهيم الموسوي
غداً تبدأ "عملية الرضوان" لتبادل الأسرى وأجساد الشهداء بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، لتبدأ معها مرحلة جديدة بزخمها وألقها وإنجازاتها. هي المقاومة تصنع هذه النقلات النوعية، نصراً بعد نصر، وإنجازاً بعد إنجاز، تحرر الأرض والإنسان، وتعطي الحياة البشرية قيمتها الأخلاقية التي تستحق.
هذه المقاومة تثبت من جديد وبالملموس أنها ما قطعت وعداً إلا ووفت به، ولا اتخذت عهداً وميثاقاً إلا وكانت مثال الصدق في حفظه والوفاء له.
غداً تفترش أجساد الشهداء الطاهرة مساحة الوطن، كل الوطن، فتتحدث المقاومة تيهاً وعزاً بلسان التضحية أنها أهل لكل ثقة ومحل لكل أمل. هي بشارة من بشارات الخير التي أودعها الله في ظهراني هذه الأمة، لتتم بها كل معاني العزة والكرامة والنصر.
غداً تضاء القناديل وتنجاب عتمة الليالي الكالحات، ويكون للوطن شهداؤه، وللقضية أبناؤها، يتوزعون على كل الطوائف والمناطق والتيارات والأحزاب، ليتكشف الوجه الحقيقي للبنان، الوجه المقاوم الذي لم يرتض بغير درب الجهاد والتحرر سبيلاً إلى الرفعة والعزة والسيادة والاستقلال.
غداً سترتفع البيارق عالية على طول الطريق الطويل الممتد من الناقورة إلى كل نواحي الوطن وحنايا القلب، من ميس الجبل حيث علي الوزواز، إلى الطريق الجديدة حيث دلال المغربي، وصولاً إلى شمال يحيى سكاف، ومنه إلى اليمين واليسار والوسط، غداً يصل عميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار ليقول بإرادته التي لم تبدلها الأيام إن في هذه الأمة من لم يمل الانتظار، ولم يحترف إلا الانتصار.
غداً يصل سمير إلى كل بيت في لبنان، والعالمين العربي والإسلامي، ليهدي سيرة حياة وجهاد وحب للمقاومة، والتزاماً بنهجها وعشقاً لتراب الوطن، غداً يصل الينا رجال الله، أناس جُبل معدنهم في مصهر الرجولة والعز والكرامة، رجال قدّت إرادتهم من صوّان لبنان لا بد لهم أن يكونوا الصون والعون للبنان واللبنانيين.
هذه هي الصورة الحقيقية، صورة التوحد الممزوج بعطاء الدم الذي يعطي لبنان وحدته الوطنية ومناعته الذاتية وسيادته الحقيقية.
لطالما تغنت اسرائيل بحرصها على الاسرائيليين واستعدادها لبذل ما تستطيع لاسترجاعهم أحياءً أو أمواتاً، متفاخرة بإيلائها الإنسان قيمة معنوية رفيعة، لكن حزب الله استطاع خلال عملية الأسيرين في تموز 2006 وما تبعها أن يمزق حجاب الأسطورة، في هذا المضمار أيضاً. استطاعت المقاومة أن تظهر مدى التزامها بوعدها احتراماً لقيمة الإنسان والحرص على حياته وكرامته، حياً أو ميتاً.
في الإحصاءات المتداولة أنه وقبل عدوان عناقيد الغضب في نيسان 1996 كان عدد القتلى اللبنانيين مقابل جنود العدو عشرة إلى واحد، بعد العدوان ومع إبرام تفاهم نيسان الذي كرّس الاعتراف الدولي الواقعي بالمقاومة استطاع حزب الله أن يسوي الحساب، لتصبح المعادلة واحداً مقابل واحد، وفي عدوان تموز 2006 استطاعت المقاومة أن تلحق خسائر جسيمة بجنود العدو أكثر بكثير مما استطاع أن يلحقه برجال المقاومة، هو المسار البياني التصاعدي لخط المقاومة وإنجازاتها، وهو مسار التقهقر والتراجع والخسارة لخط سير قتال العدو الاسرائيلي.
لم يكن العدو في حال من الضياع والتخبط والهوان والألم كما هو الآن. لم تكن اسرائيل أشد انقساماً في تاريخها مما هي عليه اليوم، وبالمقابل لم يستطع أحد أن يقدم انجازاً هائلاً يستطيع أن يخدم قضية الوحدة الوطنية، وأن يوحد بعطاء الدم جغرافيا الوطن وطوائفه وتياراته كمثل ما فعلته المقاومة. ها هو لبنان جنوباً ووسطاً وشمالاً وجبلاً وبقاعاً، ها هو لبنان بمسلميه سنة وشيعة ودروزاً، وبمسيحييه، يحتفي بعودة الأبطال أمثولة للنصر ما بعدها أمثولة، وعبرة للدرس والفحص إذا كان من مجال لدرس الآيات الساطعة والبراهين الواضحة.
مبروك للبنان واللبنانيين، مبروك للعرب، مبروك للمسلمين، مبروك للشرفاء والأحرار على امتداد رقعة العالم، والى لقاء آخر مع نصرٍ جديد.
الانتقاد/ العدد1281 ـ 15 تموز، يوليو 2008
2008-07-15