ارشيف من :آراء وتحليلات
واشنطن ليست العاصمة الوحيدة التي تعمل للحيلولة دون فوز المعارضة: ما هي أشكال التدخلات الخارجية في مسار الانتخابات النياب

كتب ابراهيم صالح
لم يكن الكلام الذي أطلقته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كينتون في زيارتها الاخيرة للبنان عن دعم بلادها لما سمته الاصوات المعتدلة في مجلس النواب، المظهر الاول للتدخل الخارجي في مسار الانتخابات النيابية الموعودة، بغية التأثير المسبق على نتائجها على نحو يحول دون الفوز الحتمي لقوى المعارضة فيها والحصول على اكثرية مقاعد المجلس النيابي المقبل.
فلم يعد خافياً ان مسؤولين اميركيين كباراً اطلقوا في السابق مواقف صريحة حول عزمهم اعادة النظر بعلاقتهم بلبنان خصوصاً على المستوى الاقتصادي والمالي وبمساعدتهم له اذا ما قُدر وفازت قوى المعارضة بالاكثرية.
والواضح ان هذا الكلام، استندت اليه رموز قوى 14 شباط، لتطلق لاحقاً تصريحات تحذر فيها بجلاء من ان ثمة مخاطر على اقتصاد لبنان وماليته، اذا ما حصدت المعارضة الاكثرية النيابية. وبالطبع ترافق ذلك كله مع معلومات شاعت في الاوساط السياسية في بيروت عن تحركات ولقاءات مكثفة تجريها السفيرة الاميركية في لبنان ميشيل سيسون غايتها امران، الاول: ازالة التعارضات والتناقضات العاصفة بالفريق الشباطي بسبب الخلافات حول تشكيل لوائحه وحول الحصص والاحجام في هذه اللوائح. والثاني: الضغط على مواقع وجهات بعينها بغية عدم التعاون مع قوى المعارضة انتخابياً.
ولقد صار واضحاً ان سيسون نفسها أدلت اكثر من مرة بمواقف صريحة بشأن الانتخابات النيابية تنطوي على تهديد وتحذير مبطن فحواه بأن موقف بلادها من العلاقة بلبنان والحكومة سيتحدد مستقبلاً من خلال نتائج الانتخابات النيابية.
وعلى الرغم انه كان لافتاً ان الوزيرة كلينتون لم تلتق خلال زيارتها بيروت اركانا من قوى 14 شباط كما اعتادت سابقتها كوندوليزا رايس، الا ان ثمة معلومات مؤكدة تقول انها كانت صريحة خلال لقائها برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في ابداء رغبتها بضرورة ان لا تفوز المعارضة بالاكثرية في انتخابات السابع من حزيران المقبل.
والواضح ان واشنطن ليست العاصمة الوحيدة التي تحاول التأثير على مسار الانتخابات في لبنان والحيلولة دون فوز المعارضة، فقد صار معلوماً ان الزيارة القصيرة التي قام بها وزير الاعلام والثقافة السعودي عبد العزيز خوجة مؤخراً، لم تكن "زيارة شخصية" وخاصة كما أشاعت بعض وسائل الاعلام، فلهذا الرجل الذي كان سفيراً لبلاده في لبنان طوال أكثر من ثلاثة أعوام، ولعب دوراً مفضوحاً ابان الازمة السياسية التي عاشها لبنان بعد حرب تموز 2006، حلّ في العاصمة اللبنانية للقيام بمهمة محددة تتصل مباشرة بالانتخابات النيابية وبالمسار المفضي اليها.
وكانت مصادر الجماعة الاسلامية جلية في كشفها لاحقاً ان الديبلوماسي السعودي المخضرم طلب الاجتماع الى ممثلين عنها، بغية التداول معهم في سبل حل "الازمة" القائمة بين هذا التنظيم وتيار "المستقبل" حول حمل لوائح التيار لعدد من مرشحي الجماعة في اكثر من دائرة انتخابية واحدة.
وذكرت المصادر اياها لاحقاً ان قيادة الجماعة لم تتجاوب مع الدعوة الى الاجتماع بعدما احست ان الرجل لا يحمل معه اية عروض جديدة تضمن حداً للتعارض القائم بينها وبين تيار الحريري.
وحسب المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر فإن خواجة زار لبنان من اجل غاية وحيدة، وهي حل الإشكالات العاصفة في الفريق الشباطي حول تأليف اللوائح، لكنه لم يوفق كل التوفيق، وعاد من حيث اتى متشائماً.
وإذا كان الحديث عن صناديق مالية ضخمة وضعتها عواصم وجهات خارجية في متناول يد قوى 14 شباط، بغية التأثير على سير المعركة عبر صرف الأموال، والاتيان بمغتربين مضموني الولاء، قد باتت حديثاً عادياً في الوسط السياسي، فإن المعلوم ان التدخلات الخارجية بشأن تحديد مسار الانتخابات النيابية سلفاً وتحقيق غلبة فريق بعينه على فريق آخر، تتركز عبر "خطة" يعتقد واضعوها انها ستكون أكثر فاعلية وتأثيراً وتنهض على الأسس والقواعد الآتية:
1- العمل على التأثير على ما يعرف باسم الكتلة العائمة، أي الكتلة التي لا انتماء سياسيا واضحا وسابقا لها، يكشف سلفاً عن نوعية اقتراعها، ولكنها تخضع للتأثيرات السياسية والإعلامية الضاغطة. ويكون هذا التأثير عبر وضع هذه الكتلة في مناخات سلبية ومتشائمة من خلال الزعم بأن وضع البلاد الاقتصادي والمالي والأمني لن يكون بوضع السليم والمعافى إذا ما فازت المعارضة.
والواضح ان واشنطن هي التي تكفلت بأداء هذا الدور من الآن حتى موعد توجه الناخبين الى صناديق الاقتراع.
2- العمل على "تشويه" سمعة المعارضة وبالتحديد الطرف الأساسي فيها المتمثل بـ"حزب الله"، لذا لم يكن غريباً على الإطلاق ان "يفجر" النظام المصري القضية التي صارت تعرف باسم "خلية حزب الله" ويضخم وقائعها، ويفتح ابواب مواجهة سياسية واعلامية مفتعلة وغير مبررة مع الحزب، فهي كانت وفق الكثير من المعلومات والتحليلات مقصودة في التوقيت، وفي سيرها ومسارها، للتأثير على وضع الساحة الداخلية اللبنانية وعلى وضع المعارضة في الانتخابات النيابية الوشيكة.
3- "ابتكار" افكار ومعادلات سياسية غايتها التأثير أيضاً على نتائج الانتخابات كمثل فكرة "الكتلة الوسطية" التي اتضح لاحقاً بأنها من صنع خيال سياسي غير محلي وبالتحديد اوروبي وعربي بقصد الحيلولة دون اكتساح تيار احد أركان المعارضة الأساسيين النائب ميشال عون للمقاعد النيابية في العديد من الدوائر ذات الأغلبية المسيحية، لا سيما بعد ان اتضح ان الفريق الشباطي يرفض هذه الكتلة في دوائره المحسومة.
وعندما حالت الظروف الواقعية دون ان تأخذ هذه الفكرة طريقها الى التنفيذ، بعد ان بدأ القاء الضوء على فكرة جديدة تكاد تكون متصلة بالاولى، وهي فكرة الكتلة النيابية التي ستولد من رحم فريق المعارضة والموالاة بعد الانتخابات وتكون "بيضة القبان" بالتعاون مع رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق كانت الفكرة "المعادلة" السياسية التي أشارت إليها بعض وسائل الاعلام اللبناني عن امكانية قيام كتلة تضم كتلة الرئيس نبيه بري وكتلة النائب وليد جنبلاط وبعض المستقلين الذين يمكن ان "يخرقوا" في دوائرهم. ولقد اتضح لاحقاً ان "بذرة" هذه الفكرة أتت من عواصم غربية، بغية ترويجها لاحقاً خصوصاً اذا فازت المعارضة.
4- تتوقع اوساط في المعارضة بأن التدخلات الخارجية وتحديداً الاميركية في مجرى الانتخابات النيابية لن تتوقف عند حدود ما حصل اخيراً، وكانت ذروتها بزيارة الوزيرة كلينتون لبيروت واطلاقها ذلك الكلام الذي يبدو جلياً انه يعبر عن رغبة أميركية مضمرة، بل ثمة توقعات بأن تبرز من الآن وحتى يوم الانتخابات اشكال متعددة من التدخلات المنطوية على تهديدات تارة وعلى إغراءات تارة أخرى، والاهداف الاقصى هي الحيلولة دون تحقيق ما صار شبه محتم وهو فوز المعارضة بالأكثرية النيابية.
وفي المقابل فإن المعارضة تبدو مطمئنة إلى امرين أساسيين، الاول: ان الفوز المبين في الانتخابات مضمون ومن الصعوبة الحيلولة دونه. والثاني: ان التجربة اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك ان الدول والعواصم تتعامل عادة مع الوقائع الموجودة على الارض.
الانتقاد/ العدد 1344 ـ 2 أيار/ مايو 2009
لم يكن الكلام الذي أطلقته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كينتون في زيارتها الاخيرة للبنان عن دعم بلادها لما سمته الاصوات المعتدلة في مجلس النواب، المظهر الاول للتدخل الخارجي في مسار الانتخابات النيابية الموعودة، بغية التأثير المسبق على نتائجها على نحو يحول دون الفوز الحتمي لقوى المعارضة فيها والحصول على اكثرية مقاعد المجلس النيابي المقبل.
فلم يعد خافياً ان مسؤولين اميركيين كباراً اطلقوا في السابق مواقف صريحة حول عزمهم اعادة النظر بعلاقتهم بلبنان خصوصاً على المستوى الاقتصادي والمالي وبمساعدتهم له اذا ما قُدر وفازت قوى المعارضة بالاكثرية.
والواضح ان هذا الكلام، استندت اليه رموز قوى 14 شباط، لتطلق لاحقاً تصريحات تحذر فيها بجلاء من ان ثمة مخاطر على اقتصاد لبنان وماليته، اذا ما حصدت المعارضة الاكثرية النيابية. وبالطبع ترافق ذلك كله مع معلومات شاعت في الاوساط السياسية في بيروت عن تحركات ولقاءات مكثفة تجريها السفيرة الاميركية في لبنان ميشيل سيسون غايتها امران، الاول: ازالة التعارضات والتناقضات العاصفة بالفريق الشباطي بسبب الخلافات حول تشكيل لوائحه وحول الحصص والاحجام في هذه اللوائح. والثاني: الضغط على مواقع وجهات بعينها بغية عدم التعاون مع قوى المعارضة انتخابياً.
ولقد صار واضحاً ان سيسون نفسها أدلت اكثر من مرة بمواقف صريحة بشأن الانتخابات النيابية تنطوي على تهديد وتحذير مبطن فحواه بأن موقف بلادها من العلاقة بلبنان والحكومة سيتحدد مستقبلاً من خلال نتائج الانتخابات النيابية.
وعلى الرغم انه كان لافتاً ان الوزيرة كلينتون لم تلتق خلال زيارتها بيروت اركانا من قوى 14 شباط كما اعتادت سابقتها كوندوليزا رايس، الا ان ثمة معلومات مؤكدة تقول انها كانت صريحة خلال لقائها برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في ابداء رغبتها بضرورة ان لا تفوز المعارضة بالاكثرية في انتخابات السابع من حزيران المقبل.
والواضح ان واشنطن ليست العاصمة الوحيدة التي تحاول التأثير على مسار الانتخابات في لبنان والحيلولة دون فوز المعارضة، فقد صار معلوماً ان الزيارة القصيرة التي قام بها وزير الاعلام والثقافة السعودي عبد العزيز خوجة مؤخراً، لم تكن "زيارة شخصية" وخاصة كما أشاعت بعض وسائل الاعلام، فلهذا الرجل الذي كان سفيراً لبلاده في لبنان طوال أكثر من ثلاثة أعوام، ولعب دوراً مفضوحاً ابان الازمة السياسية التي عاشها لبنان بعد حرب تموز 2006، حلّ في العاصمة اللبنانية للقيام بمهمة محددة تتصل مباشرة بالانتخابات النيابية وبالمسار المفضي اليها.
وكانت مصادر الجماعة الاسلامية جلية في كشفها لاحقاً ان الديبلوماسي السعودي المخضرم طلب الاجتماع الى ممثلين عنها، بغية التداول معهم في سبل حل "الازمة" القائمة بين هذا التنظيم وتيار "المستقبل" حول حمل لوائح التيار لعدد من مرشحي الجماعة في اكثر من دائرة انتخابية واحدة.
وذكرت المصادر اياها لاحقاً ان قيادة الجماعة لم تتجاوب مع الدعوة الى الاجتماع بعدما احست ان الرجل لا يحمل معه اية عروض جديدة تضمن حداً للتعارض القائم بينها وبين تيار الحريري.
وحسب المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر فإن خواجة زار لبنان من اجل غاية وحيدة، وهي حل الإشكالات العاصفة في الفريق الشباطي حول تأليف اللوائح، لكنه لم يوفق كل التوفيق، وعاد من حيث اتى متشائماً.
وإذا كان الحديث عن صناديق مالية ضخمة وضعتها عواصم وجهات خارجية في متناول يد قوى 14 شباط، بغية التأثير على سير المعركة عبر صرف الأموال، والاتيان بمغتربين مضموني الولاء، قد باتت حديثاً عادياً في الوسط السياسي، فإن المعلوم ان التدخلات الخارجية بشأن تحديد مسار الانتخابات النيابية سلفاً وتحقيق غلبة فريق بعينه على فريق آخر، تتركز عبر "خطة" يعتقد واضعوها انها ستكون أكثر فاعلية وتأثيراً وتنهض على الأسس والقواعد الآتية:
1- العمل على التأثير على ما يعرف باسم الكتلة العائمة، أي الكتلة التي لا انتماء سياسيا واضحا وسابقا لها، يكشف سلفاً عن نوعية اقتراعها، ولكنها تخضع للتأثيرات السياسية والإعلامية الضاغطة. ويكون هذا التأثير عبر وضع هذه الكتلة في مناخات سلبية ومتشائمة من خلال الزعم بأن وضع البلاد الاقتصادي والمالي والأمني لن يكون بوضع السليم والمعافى إذا ما فازت المعارضة.
والواضح ان واشنطن هي التي تكفلت بأداء هذا الدور من الآن حتى موعد توجه الناخبين الى صناديق الاقتراع.
2- العمل على "تشويه" سمعة المعارضة وبالتحديد الطرف الأساسي فيها المتمثل بـ"حزب الله"، لذا لم يكن غريباً على الإطلاق ان "يفجر" النظام المصري القضية التي صارت تعرف باسم "خلية حزب الله" ويضخم وقائعها، ويفتح ابواب مواجهة سياسية واعلامية مفتعلة وغير مبررة مع الحزب، فهي كانت وفق الكثير من المعلومات والتحليلات مقصودة في التوقيت، وفي سيرها ومسارها، للتأثير على وضع الساحة الداخلية اللبنانية وعلى وضع المعارضة في الانتخابات النيابية الوشيكة.
3- "ابتكار" افكار ومعادلات سياسية غايتها التأثير أيضاً على نتائج الانتخابات كمثل فكرة "الكتلة الوسطية" التي اتضح لاحقاً بأنها من صنع خيال سياسي غير محلي وبالتحديد اوروبي وعربي بقصد الحيلولة دون اكتساح تيار احد أركان المعارضة الأساسيين النائب ميشال عون للمقاعد النيابية في العديد من الدوائر ذات الأغلبية المسيحية، لا سيما بعد ان اتضح ان الفريق الشباطي يرفض هذه الكتلة في دوائره المحسومة.
وعندما حالت الظروف الواقعية دون ان تأخذ هذه الفكرة طريقها الى التنفيذ، بعد ان بدأ القاء الضوء على فكرة جديدة تكاد تكون متصلة بالاولى، وهي فكرة الكتلة النيابية التي ستولد من رحم فريق المعارضة والموالاة بعد الانتخابات وتكون "بيضة القبان" بالتعاون مع رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق كانت الفكرة "المعادلة" السياسية التي أشارت إليها بعض وسائل الاعلام اللبناني عن امكانية قيام كتلة تضم كتلة الرئيس نبيه بري وكتلة النائب وليد جنبلاط وبعض المستقلين الذين يمكن ان "يخرقوا" في دوائرهم. ولقد اتضح لاحقاً ان "بذرة" هذه الفكرة أتت من عواصم غربية، بغية ترويجها لاحقاً خصوصاً اذا فازت المعارضة.
4- تتوقع اوساط في المعارضة بأن التدخلات الخارجية وتحديداً الاميركية في مجرى الانتخابات النيابية لن تتوقف عند حدود ما حصل اخيراً، وكانت ذروتها بزيارة الوزيرة كلينتون لبيروت واطلاقها ذلك الكلام الذي يبدو جلياً انه يعبر عن رغبة أميركية مضمرة، بل ثمة توقعات بأن تبرز من الآن وحتى يوم الانتخابات اشكال متعددة من التدخلات المنطوية على تهديدات تارة وعلى إغراءات تارة أخرى، والاهداف الاقصى هي الحيلولة دون تحقيق ما صار شبه محتم وهو فوز المعارضة بالأكثرية النيابية.
وفي المقابل فإن المعارضة تبدو مطمئنة إلى امرين أساسيين، الاول: ان الفوز المبين في الانتخابات مضمون ومن الصعوبة الحيلولة دونه. والثاني: ان التجربة اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك ان الدول والعواصم تتعامل عادة مع الوقائع الموجودة على الارض.
الانتقاد/ العدد 1344 ـ 2 أيار/ مايو 2009