ارشيف من :آراء وتحليلات

الإفراج عن الضباط الأربعة: المعنى والدلالات

الإفراج عن الضباط الأربعة: المعنى والدلالات
كتب المحرر السياسي
ماذا يعني الإفراج عن الضباط الأربعة، وبقرارٍ من المحكمة ذات الطابع الدولي في لاهاي، وفي هذا التوقيت بالذات؟

من نافل القول، إن هؤلاء الضباط، وبحكم مواقعهم ومناصبهم، كانوا يشكلون المنظومة الأمنية التي تظلل لبنان، لما كان يشكلون رمزياً العنوان الأمني لمرحلة سياسية انطلقت مع التسليم الدولي والعربي وحتى من غالبية اللبنانيين بالإدارة السورية لتطبيق اتفاق الطائف.

ومن نافل القول أيضاً، إنه ومنذ صدور القرار 1559 دخل لبنان في مناخات التحضير لانقلاب داخلي فيه يمهد لأخذه نحو الخيارات الاميركية، وخيارات عرب التسوية.

وبناءً عليه، فإن نجاح هذا الانقلاب كان يقتضي توجيه أربع ضربات أساسية: الأولى للوجود السوري وهذه نجحت، والثانية الى المقاومة بعمودها الفقري حزب الله وهذه فشلت، والثالثة للسلاح الفلسطيني في سياق التمهيد لتوطين الفلسطينيين في لبنان، وهذا الهدف لم ينجز حتى الآن، والرابعة الى المنظومة الأمنية في سياق الإمساك بالمواقع والمفاصل الأمنية للنظام اللبناني، وبالتكامل مع عملية التحضير للإمساك بالمفاصل السياسية لهذا النظام، وصولاً الى وضع اليد بالكامل على لبنان.

في هذا الإطار، يبدو إخلاء سبيل الضباط شاهد إدانة على الانقلابيين مخططين ومنفذين، وشاهداً إضافياً على فشل هذا الانقلاب، وإن استطاع هؤلاء أن يحدثوا خرقاً هنا، وخرقاً هناك.

ولا نغالي، إذا قلنا هنا، وبالمعنى السياسي للكلمة، إن إخلاء سبيل الضباط ما كان ليكون لولا الفشل والإخفاق الكبيران لمشروع الفريق الأميركي في لبنان، والذي شكل خسارة الكيان الإسرائيلي لحرب تموز، وانتصار المقاومة فيها، المسمار الأكبر في نعش هذا الفريق، ليأتي من بعدها  تطورات أحداث السابع من أيار في العام الفائت المعيدة للتوازن العام في السلطة عبر فرض حق المشاركة والقضاء على نزعة الاستئثار التي هي الوجه الآخر، أو خط الدفاع الأخير للانقلابيين لفرض نجاح انقلابهم.

ومن ثم، فإن الإفراج عن الضباط الأربعة يجب أن يشكل فرصة كبيرة للإفراج عن القضاء اللبناني من ربقة وأسر التسييس والسياسيين، والممر اللازم والضروري يتألف من طريقين أساسيين: الأول، أن يعمد القضاة الذين أساؤوا للقضاء، ورضوا لأنفسهم أن يخضعوا ضمائرهم للعبة السياسية، وللعبة الحقد الأعمى والتشفي والعصبية، الى تقديم استقالاتهم فوراً، حرصاً منهم، إذا كان لديهم حرص، على شرفهم الخاص أولاً، وشرفهم المهني ثانياً، وشرف مؤسسة القضاء ثالثاً.

والثاني، العمل سريعاً على اصلاح مؤسسة القضاء من خلال تحويلها الى مؤسسة مستقلة بالكامل عن الخضوع للمؤسسات ودوائر اللعبة السياسية في لبنان، وهنا، ربما تأتي مسؤولية المجلس النيابي، كما هي مسؤولية القضاة النزيهين في المرحلة المقبلة.

أما المعنى الآخر لعملية اطلاق سراح الضباط الأربعة فيتمثل في ما يحمله من شهادة على الانهيار الأخلاقي الكامل لطبقة، ولفريق من السياسيين اللبنانيين.
هؤلاء الذين احترفوا الكذب، وفنون التضليل، وفبركة الأراجيف، وأخطر من هذا كله، أن هذا الفريق لم يكتف باستضعاف جمهوره، بل هو وجه إهانة قاسية له، عندما عمل على استغفاله، واستغفال وعيه، وتحويله الى مجرد قطيع، وبالتالي حان الوقت لهذا الجمهور لكي يقول كلمته، فينتفض من أجل كرامته الشخصية والمعنوية، وأن يحاكم من وثق بهم فخانوا ثقته، واستثمروها لمصالحهم الضيقة، ولمآرب خارجية، حان الوقت لهذا الجزء من اللبنانيين أن يقول كلمته في هؤلاء، والمناسبة الأهم قادمة وهي صناديق الاقتراع، وإلا فليتحمل هذا الجزء من اللبنانيين المسؤولية عما يمكن أن يفعل به صنف كهذا من القادة، إذا جاز أن نسميهم قادة.

ويبقى أن نقول، لقد حان الوقت لتوجيه أصابع الاتهام في مقتل الرئيس رفيق الحريري الى حيث كان يجب أن توجه منذ البداية، والجميع يعرفون عن أية جهة نتحدث.
 أ/ص
الانتقاد/ العدد 1344 ـ 2 أيار/ مايو 2009
2009-05-02