ارشيف من :أخبار لبنانية

عندما أراد العدو شطب المقاومة من المعادلة: ميـدون الأسطورة.. والحجر الأول في زمن الانتصارات

عندما أراد العدو شطب المقاومة من المعادلة: ميـدون الأسطورة.. والحجر الأول في زمن الانتصارات
كتب أمير قانصوه

قبل 21 عاماً، وعند بوابة البقاع الجنوبية في قرية ميدون سجلت المقاومة الاسلامية أحد أكبر انتصاراتها الخالدة، في ساعات قليلة أسقط نفر قليل من المجاهدين أكبر عملية عسكرية تشنها ألوية النخبة في جيش العدو الصهيوني، كان الهدف منها قلب ميزان المواجهة، وشطب المقاومة من معادلة الصراع، لكن المجاهدين قاتلوا حتى الطلقة الأخيرة، وحتى آخر نقطة دم في عروقهم، وأسقطوا أولى محاولات العدو لتبدأ من ملحمة ميدون الخالدة التي سجلت في تاريخ العدو كأسطورة.. بداية زمن الهزائم لـ"إسرائيل". حدث ذلك في 4 أيار /مايو 1988.
هنا استعادة لحكاية لا تزال خالدة كالمقاومة التي سقيت شجرتها من شرايين الثوار:


عندما أراد العدو شطب المقاومة من المعادلة: ميـدون الأسطورة.. والحجر الأول في زمن الانتصارات انها ليلة القدر الاولى، و"ميدون" غافية في أمان تحرسها عيون فتية اتكأوا على خشب بنادقهم واتكلوا على الله.. خير ناصر ومعين.
لا صوت يقطع ليل القرية غير حفيف اوراق شجيرات الكرز، وعزف حناجر فتية يلهجون باسم الله، يسبحون بذكره في الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر، ويضربون موعدا للقاء معه، يريدونه قريباً قريباً، كضوء القمر المتسلل الى وجوههم من فوق جبل الشيخ الى فتحة صغيرة في خندقهم المغمور بتراب ميدون وافئدة أمهات افتقدت لأنس أحبتها.
وقبل ان ينتصف الليل كان العدو قد أعدّ العدة للثأر من المقاومة التي كبدته الكثير من جنوده خلال صولات وجولات مجاهديها من تومات نيحا الى جبل الريحان فعلي الطاهر وسفوح شبعا وغيرها من المواقع التي أرادها حصناً لجنوده وعملائه، فتحولت بأيدي المقاومين الشجعان الى مصيدة لهم.
كان ليل الرابع من أيار 1988.. ومع أول ساعاته بدأت دبابات لواء غولاني ومئات الجنود من نخبة العدو التقدم باتجاه ميدون من جهات ثلاث، ومعها اسراب من الطائرات الحربية والمروحية التي بدأت تمهد للاجتياح بقصف كل شيء في ميدون... انها "نزهة" ربيعية في "ليلة مقمرة" للثأر من المجاهدين الذين استهانوا بجبروت عدوهم فتهاوت تحت اقدامهم حصونه.
المجاهدون المؤمنون بربهم والذين لا تلومهم في الله لومة لائم، كانوا هناك، استعدوا جيداً، أخذ كل منهم موقعه بانتظار اللقاء، وفي قلب ميدون بين صخورها وبيوتها كانت الملحمة وجهاً لوجه، وذاق العدو طعم الخيبة وشاهد جنوده بأس قتال الابطال الذين لا يهربون بل يقتحمون الموت غير آبهين بناره التي تتساقط فوق ميدون من كل حدب وصوب، لم يتراجعوا، لم يهنوا، ولم يحزنوا..
وقبل ان ان يتبين الخيط الابيض من الاسود كان "غولاني" يحترق بنيران قلة قليلة من المقاومين عند تخوم ميدون ويختلط حديد دباباته بأشلاء جنوده، فيدفع بقوة جديدة تقع ايضاً في دائرة النار وتتحول المواجهة من صخرة الى صخرة ومن خندق الى خندق، حتى الرصاصة الاخيرة، الكل يقاتل ولم تسقط البندقية من يد مجاهد واحد منهم قبل أن يلاقي بالشهادة ربه.. الطائرات حولت كل المنازل الى ركام حتى لا يبقى من ميدون الا الأثر..
كان يوماً طويلاً، شمس ذلك اليوم كانت الشاهد الوحيد على ملحمة قل نظيرها، فكلما حاول العدو التقدم من جهة كان يلاقيه المقاومون بالنار وبعزيمة لا توصف، لم يكن يتوقعها العدو، حتى أن نار المقاومين وصلت الى شاؤول موفاز الذي كان يقود الهجوم وقتها فقتلت مرافقه.. قصف العدو بناره كل شيء: البيوت، الأشجار، الصخور، حتى حطام السيارات وبقايا البيوت أعادت الطائرات قصفها مرات ومرات، لتحاول من جديد الدخول إلى ميدون، لكن دون جدوى.. فالمقاومون كانوا يخرجون من دشمهم ويتصدون لتلك المحاولات بكل بسالة، وكلما سقط شهيد أو جريح تزداد عزيمتهم أكثر..
«لقد دارت المعارك بين حزب الله والمظلِّيين من منزل إلى منزل»، هكذا وصفت صحيفة «هآرتس الإسرائيلية ما جرى في ميدون» التي اعتبرتها الصحيفة «أكبر عملية يقوم بها جيش الدفاع منذ الحرب اللبنانية» (هآرتس، أيار 1988)..
في ساعات قليلة ثلة من شباب المقاومة الاسلامية خاضت في ميدون معركة الامة، ووواجهت اجتياحاً جند له العدو كل آلة حربه لاحتلال قرية صغيرة وتغيير خطوط المواجهة وقلب المعادلة التي كانت قد رجحت كفتها لمصلحة المقاومة..
ولكن بالارادة الصلبة للمجاهدين البواسل وقبل ان تغيب شمس ذلك النهار سجل العدو أول هزائمه في القتال المباشر مع المقاومين، وبالكاد استطاع أن يجمع قتلاه قبل أن يجر اذيال الهزيمة مدحورا، وبعد 12 عاماً وفي الشهر نفسه في أيار كان الانتصار الكبير والهزيمة الكبرى للعدو التي خط المجاهدون في تلك الارض أولى معالمها.
رواية العدو
عندما أراد العدو شطب المقاومة من المعادلة: ميـدون الأسطورة.. والحجر الأول في زمن الانتصارات العام الماضي واتصالاً بعملية الرضوان التي حررت خلالها المقاومة عميد الأسرى سمير القنطار وأسرى الوعد الصادق وأجساد الشهداء المقاومين، كشف العدو النقاب عن بعض الوقائع المتعلقة بمواجهة ميدون، حيث وصف عمير ربابورات في صحيفة معاريف الصهيونية(١٨ـ٧ـ٢٠٠٨) اقتحام ميدون بـ"أكبر عملية نفذها الجيش الاسرائيلي منذ اجتياحه الجنوب اللبناني" وما سمي "عملية سلامة الجليل". وشارك فيها من القوات: مظليون، دبابات، مدفعية، مروحيات حربية لسلاح الجو ووحدات أخرى. الهدف: قرية ميدون، على مسافة ثلاثة كيلومترات من موقع سجد في الطرف الشرقي من الحزام الأمني في الجنوب اللبناني".
وينقل الكاتب عن أحد الجنود الصهاينة الذين شاركوا في العدوان أن "العملية بدأت في ميدون بمسيرة راجلة لثمانية كيلومترات من منطقة حونا باتجاه ميدون. وكانت المقدمة، وفق الخطة، قصفا مدفعيا شديدا، قبل أن يبدأ المظليون باقتحام القرية. وتلقى قائد الكتيبة ٢٠٢ في المظليين المقدم غرشون اسحاق المسؤولية عن تنفيذ المهمة الأساسية: احتلال بيوت القرية بمساعدة من سرية الهندسة وسرية الغراب (وهي سرية متخصصة في إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات).
قاد سرية الهندسة روني الشيخ. وقاتل إلى جانبه النقيب غال هيرش الذي تولى بعده قيادة السرية. أما قائد سرية الغراب فهو يائير غولان.
يضيف:"يوم الأربعاء، الرابع من أيار، الساعة الرابعة والنصف فجراً. انتشر المظليون على مرمى حجر من قرية ميدون. وعلى رأس القوة: سرية من الكتيبة،٢٠٢ بقيادة تسيون مزراحي. وعلى مسافة أربعين متراً بعد ذلك استلقى على الأرض الوعرة قائد اللواء شاؤول موفاز، وضابط العمليات مئير كليفي، وقائد الكتيبة ٤٠٢ مدفعية تسبيكا فوكس. وكان الجميع بانتظار أنوار الصبح الأولى".
ويشير الكاتب الى أنه "قبل أن تنبلج الشمس بدأت الأمور في التشوش. إذ لاحظ موقع مراقبة لحزب الله المظليين وفتح عليهم النار. وأصيب قائد سرية مظليين تسيون مزراحي بجروح. وبعد ذلك مات متأثراً بجراحه. كما أن جندي الاتصال المرافق لموفاز شخصياً، ماركو برنشتاين، أصيب بطلقة قناص. واستذكر موفاز الواقعة هذا الأسبوع، وقال إن "الطلقة أصابت ماركو تحت الخوذة، ولقي مصرعه وهو على مسافة أمتار قليلة مني. بل ان دوي الطلقة أسقط جهاز الاتصال من يدي".
ويشير الى أنه "وجهت الى ميدون ما لا يقل عن ثلاثة آلاف قذيفة. وكان الهدف من ضربة النار الأولى تحييد أي مقاومة متوقعة من جانب رجال حزب الله ممن كانوا في القرية عند دخول المظليين إليها. وبموازاة ذلك بدأ حزب الله والسوريون المنتشرون في البقاع اللبناني في قصفنا بقذائف هاون ثقيلة، وقامت المروحيات الحربية الإسرائيلية بقصف وتدمير المدافع السورية من الجو. وكان متوقعاً بعد دقائق طويلة من القصف الجوي الإسرائيلي المكثف أن يكون الدخول إلى ميدون هيناً، وأن يحاول رجال حزب الله ممن بقوا على قيد الحياة ونجوا من القذائف الهرب. ولكن هذا لم يحدث. ويستذكر قادة شاركوا في تلك المعركة "أنهم حاربوا فعلاً حتى قطرة الدم الأخيرة وبشجاعة".
عندما أراد العدو شطب المقاومة من المعادلة: ميـدون الأسطورة.. والحجر الأول في زمن الانتصارات ويصف الكاتب نقلاً عن شهادات ضباط وجنود صهاينة شاركوا في العملية العدوانية "القتال بين المظليين ورجال حزب الله دار داخل قنوات القتال وفي الأزقة الضيقة وداخل البيوت، وعلى مسافة قصيرة لا تذكر أبداً. وقال أحد المقاتلين من الكتيبة ٢٠٢ إنهم "أطلقوا النار علينا من كل اتجاه من الرشاشات الثقيلة وبصواريخ آر بي جي. وقد أخطأ أحد هذه الصواريخ بسنتمترات قليلة قائد كتيبتنا، غرشون".
يضيف:"روى غرشون اسحاق هذا الأسبوع في حديث معه من الولايات المتحدة: تقريباً لم أنتبه للصاروخ الذي طار فوق رأسي. وخلال التحرك على رأس القوة من سرية ماي في الكتيبة، خرج أمامي مخرب فعلا من داخل حفرة. رأيت أنه يحمل قاذف أر بي جي بيده، فأطلقت نحوه بشكل غريزي طلقتين وارتميت على الأرض. فقط في وقت لاحق روى لي الجنود الذين كانوا معي أن الصاروخ الذي أطلقه طار فوق رأسي. وبعد ثوان من الصدام هاجمنا موقعاً لرجال حزب الله وألقينا بداخله قنبلة. وانتقلنا إثر ذلك إلى موقع آخر وألقينا فيه قنبلة، غير أن مخرباً كان في الموقع أمسك القنبلة وأعاد إلقاءها نحونا. لم يصب أي من رجالنا نتيجة انفجار هذه القنبلة بجوارنا، فألقينا قنبلة أخرى في الحفرة، ولكن هذه القنبلة أيضا أعيدت إلينا".
وبحسب الكاتب الصهيوني فانه "في نهاية تلك المعركة في ميدون خسر الجيش الإسرائيلي ثلاثة قتلى. فعلاوة على ماركو برنشتاين وتسيون مزراحي، لقي مصرعه من إطلاق قذائف الهاون من جانب حزب الله النقيب بوعز رابيد، الذي عمل محققا مع الأسرى في الخدمة الاحتياطية. وإضافة إلى ذلك وقعت في القوة الإسرائيلية ١٧ إصابة أخرى".

شهداء الملحمة البطولية في ميدون
زفت المقاومة الاسلامية ثمانية عشر شهيداً روت دماؤهم كل شبر من ميدون.. وتوزعت أجسادهم كواكب على امتداد البقاع من مشغرة الى النبي شيت وشعت والهرمل.. شهداء سجلوا بدمائهم الزاكية بداية عصر الانتصارات على اسرائيل.
ووصيتهم التي كتبوها بدمهم فوق صخور ميدون ما زالت خالدة حتى اليوم «سقطنا شهداء ولم نركع.. أنظروا دماءنا.. وتابعوا الطريق".

1. حيدر حسن الموسوي ــ النبي شيت ــ 1965.
2. أمير قاسم رزق ــ مشغرة ــ 1962.
3. حسين هادي مرتضى ــ تمنين التحتا ــ 1959.
4. حسان مهدي علاء الدين ــ زبود ــ 1968.
5. زيد جميل الموسوي ــ النبي شيت ــ 1971.
6. علي شحادة أمهز ــ نيحا ــ 1969.
7. علي مهدي الحاج حسن ــ الشواغير ــ 1969.
8. علي قاسم العنقوني ــ مشغرة ــ 1968.
9. علي حسين شمص ــ شعث ــ 1969.
10. عماد محمد قانصوه ــ الهرمل ــ 1970.
11. غالب رياض مظلوم ــ بريتال ــ 1970.
12. مالك علي الموسوي ــ النبي شيت ــ 1969.
13. محمد إسماعيل قمر ــ سحمر ــ 1965.
14. هشام قاسم حيدر أحمد ــ الكرك ــ 1969.
15. أحمد محمد عبد الله ــ سرعين الفوقا ــ 1964.
16. حسن علي شكر ــ النبي شيت ــ 1962.
17. عادل حسين الموسوي ــ النبي شيت ــ 1966.
18. حسين رشيد مشيك ــ مزرعة آل مشيك ــ 1952.

2009-05-04