ارشيف من :أخبار لبنانية
صلوخ لـ"الخليج": لبنان غير معني بمبدأ الارض مقابل السلام

رأى وزير الخارجية والمغتربين اللبناني فوزي صلوخ أن الأزمة بين حزب الله ومصر تتم عبر المعالجة الهادئة والحكيمة، بعيداً عن الإعلام وتسجيل النقاط السياسية، وأن هناك آليات دبلوماسية وقانونية يمكن اعتمادها، وهي كفيلة بحل الموضوع. وإذ قال إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستكمل عملها تمنى أن تصل إلى الحقيقة، وإنها سوف تكمل عملها، متمنياً أن تصل إلى الحقيقة المجردة والمثبتة بعيداً عن أية شائبة، لأن هذا في الحقيقة خلاص للبنان وراحة للأنفس. وعن رأيه في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء لبنان، قال الوزير اللبناني إن لبنان لا يمكن إلا أن يكون عامل تقارب وحوار وليس عامل مواجهة وضغط. وما يصح على الولايات المتحدة يصح أيضاً على أية دولة تريد أن تضع لها سياسة تجاه لبنان. هذه المواقف وغيرها للوزير صلوخ جاءت في حوار مع "الخليج" في مكتبه في مبنى وزارة الخارجية والمغتربين، استهله بتوجيه التحية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وشعباً، لافتاً إلى متانة العلاقات بين لبنان والإمارات، مشيداً بما قدمته وما زالت تقدمه هذه الدولة الشقيقة إلى لبنان من مساعدات وخصوصا خلال العدوان “الاسرائيلي” عام 2006 شاكرا لاحتضانها اللبنانيين لا سيما خلال هذه الحرب، وهنا وقائع الحوار:
ــ التقرير الأخير لأمين عام الأمم المتحدة سلط الضوء على الأزمة الناشبة بين مصر وحزب الله، ومن الواضح أن بان كي مون اقترب من وجهة نظر القاهرة، فما رأيكم في هذا الموضوع، خصوصاً أن لبنان لم يتخذ موقفاً رسمياً من الاتهامات المصرية للحزب؟
هذا النوع من الملفات يعالج عادة بهدوء وحكمة وروية وبعيداً عن التناول الإعلامي، وهناك آليات قضائية ودبلوماسية كفيلة بحله. نحن جميعاً في لبنان حريصون كل الحرص على أمن الشقيقة مصر وعلى سيادتها واستقرارها، وهذا الموضوع ليس قابلاً للمساومة والتأويل. العدوان “الاسرائيلي” المجرم على قطاع غزة وما سبقه من ممارسات وحشية “اسرائيلية” وضع العالم العربي بدوله وشعوبه في وضع متقدم من الحنق والغضب والرغبة في التعبير عن هذا الغضب تجاه ما يحصل، ولكن مهما يكن الأمر ينبغي علينا دائماً الحفاظ على تضامننا العربي ورص صفوفنا لأن المشاحنات التي نراها لاتفيد القضية التي نتفق عليها وهي نصرة الشعب الفلسطيني. لذلك نحن نعتبر أن المعالجة الهادئة والحكيمة هي المعالجة التي تحصل بعيداً عن الإعلام وعن تسجيل النقاط السياسية، وهناك آليات دبلوماسية وقانونية يمكن اعتمادها وهي كفيلة بحل الموضوع.
أما تقرير أمين عام الأمم المتحدة فقد ذكر هذه القضية انطلاقاً مما يعتبره جديراً بالذكر من الأحداث التي حصلت خلال الفترة التي يتطرق إليها التقرير، لكن المعالجة الحقيقية هي كما قلت مع الأشقاء في مصر، وبهدوء وروية وضمن الاحترام الكامل لسيادة مصر واستقرارها الذي نحرص عليه، وبعيداً عن تسجيل النقاط السياسية.
ــ بعد التحاق السفير اللبناني في دمشق بعمله ما الخطوات في مجالات اهتمام السفارة على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، وهل ثمة تعارض بين عملها ووظيفة المجلس الأعلى السوري- اللبناني؟
طبيعي أن تقوم السفارة في دمشق كأي سفارة بكل ما من شأنه تطوير وتعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين، وهذا يشمل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وخدمة أبناء الجالية اللبنانية. أما عن المجلس الأعلى فهو مجلس مكون من الرئيسين ومسؤولين كبار في البلدين وله أمانة عامة يمكن النظر في صلاحياتها في حال بينت الممارسة وجود تعارض مع وجود السفارتين، وهذا يتطلب اتفاقاً بين الطرفين اللبناني والسوري. الآن بدأت السفارتان عملهما، وحين يظهر للبلدين وجوب القيام بأي اجراء لناحية صلاحيات الأمانة العامة، فلن يتأخرا.
مأزق الاحتلال
ــ هل تتوقعون أن يواجه لبنان متاعب وتهديدات بعد وصول المتشددين إلى سدة الحكم في “اسرائيل” وما طبيعة هذه التهديدات وهل ستنعكس سلباً على القرار 1701 والمساعي للانسحاب من شبعا وكفرشوبا؟
نحن دائماً معتادون على توقع الأسوأ من “اسرائيل”، لاسيما أن المجموعة الحاكمة حاليا فيها لديها أرضية سياسية وتوجهات متشددة إلى حد العنصرية البغيضة. كما أنه، من جهة أخرى، المجموعة الحاكمة الحالية جاءت إلى الحكم بعد سلسلة من الهزائم لاقتها الحكومة السابقة، وبالتالي فإن القادمين إلى الحكم قد يعمدون نظرياً إلى ايهام ناخبيهم بأنهم القادرون على جلب الأمن والهيبة ل”اسرائيل”، وهذا قد يدعوهم إلى القيام بمغامرت طائشة. أقول هذا من باب التحليل النظري، أما عملياً فهناك عقبات عديدة أمام هكذا توجه طائش في “اسرائيل”، أهمها أن امكانات النجاح في أية عملية لاسترجاع الهيبة ضعيفة جداً تأسيساً على التجارب السابقة، كما أن الادارة الأمريكية الحالية قد لا ترغب في أن تقوم “اسرائيل” بإجهاض توجهاتها الجديدة في المنطقة، وهذا الموقف الأمريكي قد يكبح الجموح “الاسرائيلي”.
أعتقد انه، ورغم كل ما يقال، فإن التركيبة الحاكمة في “اسرائيل” واقعة في مأزق لأنها أتت بشعارات عالية غير قابلة للتحقيق، لذلك فإنها قد تضطر للتخلي عنها ما سيضعها في مواجهة مع قواعدها.
وبالنسبة لنا في لبنان نتابع بدقة كل هذه التطورات ونحن ملتزمون القرار ،1701 وندعو لإلزام “اسرائيل” به بما في ذلك الانسحاب الفوري من الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
عهد أوباما
ــ بعد وصول باراك اوباما إلى البيت الأبيض، هل من تبدل في السياسة الأمريكية حيال لبنان كما حصل لدى وصول نيكولا ساركوزي إلى قصر الأليزيه؟
الرئيس أوباما أدخل مفاهيم جديدة بشكل جذري على سياسات الولايات المتحدة في العالم بأسره ومن مختلف المواضيع، واعتقد ان هذه التغييرات ليست بسيطة، وستكون لها تأثيرات واضحة. أما في لبنان فما يهمنا من الولايات المتحدة انطلاقاً من العلاقة القديمة والصداقة المستمرة بين البلدين أن تدعم الولايات المتحدة لبنان بكل قضاياه، ابتداء من سيادته واستقراره وأمنه ووحدة ابنائه ووفاقهم وصولاً إلى الفهم العميق لخصوصية لبنان وفرادته كمجتمع سياسي، وكذلك تفهم موقع لبنان الحقيقي والراسخ في منطقته، بحيث لا يمكن استثمار لبنان في اية سياسة شرق أوسطية لأن لبنان لايمكن الا ان يكون عامل تقارب وحوار وليس عامل مواجهة وضغط. وما يصح على الولايات المتحدة يصح أيضاً على أية دولة تريد أن تضع لها سياسة تجاه لبنان، لكننا نقول هذا عن الولايات المتحدة لأن سياستها أيام الادارة السابقة كانت متوترة مع العديد من الفرقاء في المنطقة وادخلت سياستها اللبنانية في هذا المنظار ما جعلها تفرط في الدخول في بعض التفاصيل، ولا اعتقد انها كانت مصيبة في أحيان كثيرة.
اليوم نحن مع إدارة جديدة يسرنا انها مازالت ملتزمة سيادة لبنان وأمنه واستقراره، وهذا يدعونا لأن نطالبها بثقة أكبر بأن تضغط على “اسرائيل” كي تتوقف عن انتهاك سيادتنا وتعريض أمننا واستقرارنا للخطر، لاسيما أن الادارة الجديدة تتخذ خطوات أولية باتجاه تغليب الحوار مع من كانت تخاصمهم وهذا يفترض انها سوف تكون أقل التصاقاً بالموقف “الاسرائيلي” من قضايا المنطقة.
ــ اذا حازت المعارضة الأكثرية في المجلس النيابي واستطاعت أن تأتي بمرشحها إلى رئاسة الحكومة، هل تتوقعون تعاونا دوليا معها أم أن العلاقة المتوترة ستظل قائمة مع الدول الغربية والعربية المناهضة لسوريا وإيران؟
أولاً من حيث المبدأ نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية والحكومة الناشئة عنها هي ملك اللبنانيين وليس لأحد أن يحكم عليها سلباً أم ايجاباً سوى الناخب اللبناني. الحكومة اللبنانية مهما كانت ستكون حكومة لبنان التي تلتزم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والتزامات الدولة اللبنانية. التباينات السياسية بين الافرقاء اللبنانيين لا تتناول أموراً جوهرية بحيث يعاد النظر بعلاقة لبنان الدولية أو بدور لبنان كدولة متفاعلة مع هذا العالم ورائدة في المنظومة الدولية. هذا من حيث المبدأ اما في التفاصيل، وبما أن السؤال هو حول المعارضة فقد سمعت العديد من قياداتها تقول انه مهما كانت نتائج الانتخابات فالحل هو في حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الاطراف، لاسيما أن التوقعات لنتائج الانتخابات لاتنبىء بفوز كاسح لأي من الأطراف. اعتقد أن مرحلة ما بعد الانتخابات يجب ان تكون كما قبلها مرحلة تعاون بين الجميع لما فيه مصلحة لبنان ومرحلة الاستفادة من الاجواء الاقليمية الهادئة في حال استمرت ودرء أخطارها في حال عادت وانتكست وهذا يتطلب تعاون الجميع.
أمريكا وسوريا وإيران
ــ أي انعكاس ترونه للحوار الأمريكي ـ السوري، وحالة الاسترخاء بين دمشق والرياض على لبنان وفي أي اتجاه؟
لبنان يستفيد ويدعو إلى تعميم حالة الحوار والهدوء بين العرب انفسهم وبينهم وبين الدول الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. لدينا مجتمع سياسي حيوي يتأثر بالاجواء المحيطة سلباً وايجاباً، لذلك نحن في طليعة المستفيدين من اجواء التهدئة في المنطقة.
لا يخفى أن بعض الجهات الدبلوماسية تشير إلى وجود سعي أمريكي لاحتواء سوريا وفك ارتباطها بايران لقاء حوافز وضمانات، فإلى أي حد قد ينجح مسعى كهذا؟
اعتقد ان العلاقة الوطيدة بين سوريا وايران قديمة ومستمرة منذ عشرات السنين وهي علاقة مبنية على تلاق في المصالح وفي المواقف ولاسيما في ضوء التهديد الذي تمثله “اسرائيل” على الاثنين معاً. اعتقد ان المنطقة لم تعد تحتمل معالجات جزئية وتسكينية أو سياسات استيعابية. المنطقة بحاجة إلى حلول شاملة بحيث لا تعود هناك حاجة لمحاور ثنائية بل ينخرط الجميع في نظام إقليمي يراعي مصالح الشعوب ويعطي كل ذي حق حقه بعيداً عن العزل والاستيعاب، وكلها سياسات عقيمة لم تنجح في الماضي ولا أرى لها أملاً في المستقبل. اليوم هناك بدايات لتوجهات جديدة في المنطقة ينبغي استكمالها وتطويرها وهذ ما نأمل فيه.
ــ قام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان منذ انتخابه بزيارات مكثفة شملت دولاً مهمة، هل لكم ان تضعونا في اجوائها وما الفوائد منها؟
تعرفون ان انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان جاء بعد أزمة سياسية عصفت بالبلاد وبعد مرحلة مضطربة نالت من صورة الدولة ومن هيبة المؤسسات، لذلك كان لابد للرئيس ان يبادر فور انتخابه إلى القيام بهذه الزيارات تحقيقا لثلاثة أهداف، أولاً هدف رمزي وهو تكريس صورة الدولة من جديد ابتداء برأس الدولة، أي رئيس الجمهورية، وهذا مؤشر أساسي لعودة لبنان من خلال رئيسه إلى خارطة الحدث الدولي، والهدف الثاني هو متابعة علاقات لبنان الخارجية بكل مافيها من مصالح للبنان ينبغي صيانتها والسهر على تحقيقها من خلال الزخم الذي تحدثه الزيارات الرئاسية، والهدف الثالث هو التواصل مع المنتشرين والمغتربين الذين يوليهم الرئيس اهمية كبرى، وكل هذه الاهداف يتابعها الرئيس من موقعه التوافقي الحريص على وحدة لبنان وتوافق ابنائه.
إطلاق الضباط
ــ بعد إطلاق الضباط الاربعة على اثر احتجاز طويل ما مصير المحكمة الدولية؟ هل سيصيبها التعثر والارباك، أم أن ما حصل هو شهادة على حيادها، خصوصاً ان ثمة من يقول ان المحكمة تتأثر بالقيمين عليها، فلو لم يكن ديتليف ميليس على رأس لجنة التحقيق لما أودع الضباط في السجن طوال هذه المدة.
بالنسبة للمحكمة الخاصة بلبنان فان اللبنانيين جميعاً حريصون على قيامها بعملها الحرفي والنزيه توصلا لجلاء الحقيقة ومحاكمة المجرمين، وهذا ليس أمراً خلافياً بين اللبنانيين. هناك بلا شك بعض الأمور والظواهر التي تركت تساؤلات لدى اللبنانيين وحتى لدى بعض الدوائر الأجنبية، منها مثلاً التوقيف الطويل الأمد للضباط الأربعة مع تأخر صدور القرار الاتهامي. وقد شرح البعض بعض المعطيات القانونية، ولكن الأمر كان مثار تساؤلات لايمكن نكرانها، لأنه بقدر الحرص على جلاء الحقيقة هناك أيضاً حرص على عدم إيقاع الظلم بأحد وهذا احد أوجه الحرص على الحقيقة. اليوم صدر قرار دولي بالإفراج عن الضباط الاربعة وهذا الأمر أسدل ستاراً طويلاً ترافق كما قلت مع تساؤلات لدى العديد من المتابعين. وسوف تكمل المحكمة عملها ولايسعنا إلا أن ندعو لها بالتوفيق بأن تكون على قدر الآمال المعقودة عليها بالوصول إلى الحقيقة المجردة والمثبتة بعيداً عن أية شائبة لأنه في الحقيقة خلاص للبنان وراحة للانفس.
لا مفاوضات
ــ كان لبنان يقول دائماً إنه آخر من يوقع معاهدة سلام مع “اسرائيل” فإذا انسحبت “اسرائيل” من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وتحرر الجزء اللبناني من بلدة الغجر فهل يوقع لبنان مثل هذه المعاهدة ويدعو المقاومة إلى تسليم سلاحها أم أن الأمر مرتبط برزمة مطالب وضمانات؟
هناك مبادئ واصول وقرارات دولية تحكم وضعية الاراضي اللبنانية المحتلة وهي تختلف في حالة لبنان عن بقية الاراضي العربية المحتلة، نحن في لبنان غير معنيين بمبدأ الارض مقابل السلام، كما أن أراضينا المحتلة غير خاضعة للقرار 242 بل للقرارين 425 و1701 اللذين ينصان على انسحاب فوري وغير مشروط للقوات “الاسرائيلية” المحتلة من كامل الاراضي اللبنانية. أما موضوع السلام العادل والشامل فالموقف اللبناني مرتبط بالموقف العربي المتمثل بالمرجعيات المعروفة التي نصت عليها مبادرة السلام العربية وهذا رهن بعملية السلام ومآلها. بالنسبة لنا في لبنان نطالب ونصر على انسحاب “اسرائيل” من أراضينا من دون قيد او شرط من خلال قيام “اسرائيل” بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة دونما حاجة إلى أية مفاوضات.
ــ أخيراً، هل انتم ممن يتخوفون من عدم اجراء الانتخابات النيابية الشهر المقبل، وبالتالي هل تتوقعون أن يحدث مايمنع حصولها؟
التحضيرات جارية على قدم وساق لإجراء الانتخابات يوم السابع من حزيران المقبل، وهذا موعد لا رجوع عنه وجميع الفرقاء السياسيين يتحضرون لهذا الاستحقاق الديمقراطي، وبالتالي فإن كل حديث عن عدم اجراء الانتخابات لا أساس منطقياً له.