ارشيف من :أخبار عالمية
محكمة دولية بلا صلاحية تريد اعتقال الرئيس السوداني!
كتب عقيل الشيخ حسين
سبق للمحكمة الجنائية الدولية، أن أصدرت مذكرات اعتقال بحق كل من أحمد هارون، وزير الدولة السوداني للشؤون الإنسانية، وعلي قشيب، زعيم ميليشيا الجنجاويد في دارفور التي تتلقى الدعم من الحكومة السودانية، مقابل حركات تمرد عديدة تتلقى الدعم من قبل الدول الغربية عبر البلدان المجاورة والمنظمات الإنسانية. لكن الحكومة السودانية رفضت الاستجابة لطلب المحكمة، فردت المحكمة بأن طلبت، عبر أحد قضاتها، المدعي العام لويس مورينو أوكامبو، إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بالذات، متهمة إياه بأنه العقل المدبر لعمليات إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وجاء في مذكرة التوقيف أن المحكمة تخشى من تعرض أكثر من 2،5 مليون لاجئ ونازح في دارفور للإبادة على أيدي القوات السودانية والميليشيات التابعة لها!
وقد أثار الطلب استياءً وغضباً شديدين داخل السودان حيث خرجت تظاهرات نددت بالمحكمة الجنائية وبالولايات المتحدة الأميركية. كما اجتمع البرلمان السوداني ووصف اتهامات المحكمة بالكذب، معتبراً أن طلب المدعي العام يعرّض مفاوضات السلام للخطر، في حين تم استدعاء السفراء المعتمدين في الخرطوم وأبلغوا بأن السودان سيرد سياسياً على أية خطوة قد يصار إلى اتخاذها في إطار هذا التطور الخطير. وفي السياق نفسه، أعلن نائب الرئيس السوداني، علي عثمان طه، أن صلاحيات المحكمة لا تشتمل على السودان، وأن ما يجري في دارفور لا يعود إلى خلافات عرقية، بل إلى مطامع خارجية تستهدف الموارد الطبيعية في الإقليم. كما توجهت الحكومة السودانية إلى الجامعة العربية وطالبتها بالقيام بواجبها في هذه القضية، وردت الجامعة بأن قررت عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب سيطير بعده الأمين العام عمرو موسى إلى الخرطوم وسط تصريحات أطلقها وشدد فيها على ضرورة احترام حصانة رؤساء الدول. ومن جهته، قال السفير طلعت حامد، الأمين العام المساعد للبرلمان العربي، بأن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس البشير مثيرة للدهشة والأسف، معرباً في الوقت نفسه عن دعم البرلمان العربي للسودان. أما وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، فقد حذر من خطورة التعامل غير المسؤول مع السودان لما يثيره ذلك من احتمالات زعزعة الاستقرار، وهو الموقف الذي جاء متطابقاً مع موقف كل من منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي، في حين اعتبر مسؤولون إيرانيون أن تصرف المحكمة على صلة بالمؤامرات التي تحاك ضد السودان.
وفي حين صدرت عن العديد من المسؤولين الغربيين تصريحات طالبت السودان باحترام قرار المحكمة، اكتفى الناطق باسم البيت الأبيض بالتصريح بأن الولايات المتحدة ستنظر في المشكلة، لكنه دعا جميع الأطراف إلى التزام الهدوء، وشدد على ضرورة أن يتوقف السودان عن أعمال العنف وأن يعمل على تسهيل مهمة الأمم المتحدة في دارفور. أما روسيا والصين فقد منعتا صدور قرار يدين السودان في مجلس الأمن، كما يبدو أنهما تعملان باتجاه اتخاذ قرار بتعليق الطلب الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية. وشددت الصين على أن ما يصدر عن المحكمة يجب أن يعود بالنفع على الاستقرار في دارفور وليس عكس ذلك. أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فقد اتصل بعمر البشير وأعرب عن قلقه العميق بشأن الانعكاسات السلبية لتحرك المحكمة على المفاوضات الجارية وعلى عمليات حفظ السلام في دارفور، وأعرب عن استعداده لاحتواء ذلك، داعياً الحكومة السودانية إلى التعاون الكامل مع الأمم المتحدة وتأمين الحماية لقوات السلام المشتركة الإفريقية ـ الدولية في دارفور. والمعروف أن هذه القوات التي تضم أكثر من عشرة آلاف رجل والتي يفترض أن تصل إلى 26 ألفاً، قد بدأت بالوصول إلى دارفور بعد صدور قرارات عن مجلس الأمن منها واحد تحت البند السابع، وأنها تجد صعوبة كبيرة في الانتشار والقيام بمهامها بسبب أعمال التعطيل الموازية لتعطيل المفاوضات من قبل جماعات المتمردين التي أبدت حبورها لقرار المحكمة الجنائية والتي تدفع باتجاه التصادم بين القوات الدولية والقوات الحكومية السودانية، في وقت يتعرض فيه السودان لجهود زعزعة داخلية وخارجية على أكثر من صعيد.
وتندرج خطوة المحكمة الجنائية الدولية في إطار هذه الجهود، لكن اللافت هو غرابة قرارها ومخالفته لقوانين المحكمة ذاتها. فالحقيقة أن هذه المحكمة التي شكلت عام 1998، وأصبحت فاعلة عام 2002، قد شكلت لتلافي وقوع مجازر وإبادات كتلك التي حدثت في رواندا والبوسنة، لكن صلاحياتها لا تطال البلدان غير الموقعة على ميثاقها، ومن هذه البلدان الولايات المتحدة وروسيا والصين وبلدان عديدة أخرى منها السودان. وكانت المحكمة قد شرعت بإجراء تحقيقات في عدد من البلدان الإفريقية وأقحمت السودان فيها برغم عدم امتلاكها صلاحية لذلك، ما يعني، بغض النظر عن صحة أو عدم صحة الاتهامات الموجهة للرئيس البشير وغيره من المسؤولين السودانيين، أن تصدي المحكمة لهذه المهمة مفتقر إلى الشرعية، ومرتبط بالتالي بالهجمة الغربية على السودان. ولكن ايضاً على الصين التي يمكن اعتبار السودان حليفتها الاقتصادية والسياسية الأولى في إفريقيا. إذ من المعروف أن العلاقات التجارية وثيقة جداً بين البلدين، حيث أن الصين تستورد معظم النفط السوداني وتزود السودان بمعظم احتياجاته في جميع المجالات، إضافة إلى التعاون الحثيث في أعمال التنقيب عن النفط والنحاس واليورانيوم في دارفور. وكذلك في مد شبكات خطوط الأنابيب نحو الموانئ السودانية تمهيداً لنقلها إلى الصين. والأكيد أن الغربيين الذين ينظرون بعين الارتياب إلى توسع العلاقات بين البلدين وإلى دخول الصين إلى إفريقيا من بابها السوداني الواسع من خلال المساعدات غير المشروطة والقروض ذات الفوائد المخفضة، حريصون على تعكير العلاقات بين البلدين بكل السبل الممكنة. وفي هذا المجال، وفي الوقت الذي تستعد فيه الصين لاستقبال الألعاب الأولمبية، استقال ستيفن سبيلبيرغ، المستشار الفني لاحتفالات افتتاح واختتام الألعاب الأولمبية، من منصبه بسبب الدعم الصيني للسودان، كما أن أعداداً من حملة نوبل للسلام وعارضات الأزياء والمغنين وأضرابهم يشنون حملات متصاعدة على الصين للسبب عينه.
الانتقاد/ العدد1282 ـ الجمعة 18 تموز/ يوليو 2008
سبق للمحكمة الجنائية الدولية، أن أصدرت مذكرات اعتقال بحق كل من أحمد هارون، وزير الدولة السوداني للشؤون الإنسانية، وعلي قشيب، زعيم ميليشيا الجنجاويد في دارفور التي تتلقى الدعم من الحكومة السودانية، مقابل حركات تمرد عديدة تتلقى الدعم من قبل الدول الغربية عبر البلدان المجاورة والمنظمات الإنسانية. لكن الحكومة السودانية رفضت الاستجابة لطلب المحكمة، فردت المحكمة بأن طلبت، عبر أحد قضاتها، المدعي العام لويس مورينو أوكامبو، إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بالذات، متهمة إياه بأنه العقل المدبر لعمليات إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وجاء في مذكرة التوقيف أن المحكمة تخشى من تعرض أكثر من 2،5 مليون لاجئ ونازح في دارفور للإبادة على أيدي القوات السودانية والميليشيات التابعة لها!
وقد أثار الطلب استياءً وغضباً شديدين داخل السودان حيث خرجت تظاهرات نددت بالمحكمة الجنائية وبالولايات المتحدة الأميركية. كما اجتمع البرلمان السوداني ووصف اتهامات المحكمة بالكذب، معتبراً أن طلب المدعي العام يعرّض مفاوضات السلام للخطر، في حين تم استدعاء السفراء المعتمدين في الخرطوم وأبلغوا بأن السودان سيرد سياسياً على أية خطوة قد يصار إلى اتخاذها في إطار هذا التطور الخطير. وفي السياق نفسه، أعلن نائب الرئيس السوداني، علي عثمان طه، أن صلاحيات المحكمة لا تشتمل على السودان، وأن ما يجري في دارفور لا يعود إلى خلافات عرقية، بل إلى مطامع خارجية تستهدف الموارد الطبيعية في الإقليم. كما توجهت الحكومة السودانية إلى الجامعة العربية وطالبتها بالقيام بواجبها في هذه القضية، وردت الجامعة بأن قررت عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب سيطير بعده الأمين العام عمرو موسى إلى الخرطوم وسط تصريحات أطلقها وشدد فيها على ضرورة احترام حصانة رؤساء الدول. ومن جهته، قال السفير طلعت حامد، الأمين العام المساعد للبرلمان العربي، بأن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس البشير مثيرة للدهشة والأسف، معرباً في الوقت نفسه عن دعم البرلمان العربي للسودان. أما وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، فقد حذر من خطورة التعامل غير المسؤول مع السودان لما يثيره ذلك من احتمالات زعزعة الاستقرار، وهو الموقف الذي جاء متطابقاً مع موقف كل من منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي، في حين اعتبر مسؤولون إيرانيون أن تصرف المحكمة على صلة بالمؤامرات التي تحاك ضد السودان.
وفي حين صدرت عن العديد من المسؤولين الغربيين تصريحات طالبت السودان باحترام قرار المحكمة، اكتفى الناطق باسم البيت الأبيض بالتصريح بأن الولايات المتحدة ستنظر في المشكلة، لكنه دعا جميع الأطراف إلى التزام الهدوء، وشدد على ضرورة أن يتوقف السودان عن أعمال العنف وأن يعمل على تسهيل مهمة الأمم المتحدة في دارفور. أما روسيا والصين فقد منعتا صدور قرار يدين السودان في مجلس الأمن، كما يبدو أنهما تعملان باتجاه اتخاذ قرار بتعليق الطلب الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية. وشددت الصين على أن ما يصدر عن المحكمة يجب أن يعود بالنفع على الاستقرار في دارفور وليس عكس ذلك. أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فقد اتصل بعمر البشير وأعرب عن قلقه العميق بشأن الانعكاسات السلبية لتحرك المحكمة على المفاوضات الجارية وعلى عمليات حفظ السلام في دارفور، وأعرب عن استعداده لاحتواء ذلك، داعياً الحكومة السودانية إلى التعاون الكامل مع الأمم المتحدة وتأمين الحماية لقوات السلام المشتركة الإفريقية ـ الدولية في دارفور. والمعروف أن هذه القوات التي تضم أكثر من عشرة آلاف رجل والتي يفترض أن تصل إلى 26 ألفاً، قد بدأت بالوصول إلى دارفور بعد صدور قرارات عن مجلس الأمن منها واحد تحت البند السابع، وأنها تجد صعوبة كبيرة في الانتشار والقيام بمهامها بسبب أعمال التعطيل الموازية لتعطيل المفاوضات من قبل جماعات المتمردين التي أبدت حبورها لقرار المحكمة الجنائية والتي تدفع باتجاه التصادم بين القوات الدولية والقوات الحكومية السودانية، في وقت يتعرض فيه السودان لجهود زعزعة داخلية وخارجية على أكثر من صعيد.
وتندرج خطوة المحكمة الجنائية الدولية في إطار هذه الجهود، لكن اللافت هو غرابة قرارها ومخالفته لقوانين المحكمة ذاتها. فالحقيقة أن هذه المحكمة التي شكلت عام 1998، وأصبحت فاعلة عام 2002، قد شكلت لتلافي وقوع مجازر وإبادات كتلك التي حدثت في رواندا والبوسنة، لكن صلاحياتها لا تطال البلدان غير الموقعة على ميثاقها، ومن هذه البلدان الولايات المتحدة وروسيا والصين وبلدان عديدة أخرى منها السودان. وكانت المحكمة قد شرعت بإجراء تحقيقات في عدد من البلدان الإفريقية وأقحمت السودان فيها برغم عدم امتلاكها صلاحية لذلك، ما يعني، بغض النظر عن صحة أو عدم صحة الاتهامات الموجهة للرئيس البشير وغيره من المسؤولين السودانيين، أن تصدي المحكمة لهذه المهمة مفتقر إلى الشرعية، ومرتبط بالتالي بالهجمة الغربية على السودان. ولكن ايضاً على الصين التي يمكن اعتبار السودان حليفتها الاقتصادية والسياسية الأولى في إفريقيا. إذ من المعروف أن العلاقات التجارية وثيقة جداً بين البلدين، حيث أن الصين تستورد معظم النفط السوداني وتزود السودان بمعظم احتياجاته في جميع المجالات، إضافة إلى التعاون الحثيث في أعمال التنقيب عن النفط والنحاس واليورانيوم في دارفور. وكذلك في مد شبكات خطوط الأنابيب نحو الموانئ السودانية تمهيداً لنقلها إلى الصين. والأكيد أن الغربيين الذين ينظرون بعين الارتياب إلى توسع العلاقات بين البلدين وإلى دخول الصين إلى إفريقيا من بابها السوداني الواسع من خلال المساعدات غير المشروطة والقروض ذات الفوائد المخفضة، حريصون على تعكير العلاقات بين البلدين بكل السبل الممكنة. وفي هذا المجال، وفي الوقت الذي تستعد فيه الصين لاستقبال الألعاب الأولمبية، استقال ستيفن سبيلبيرغ، المستشار الفني لاحتفالات افتتاح واختتام الألعاب الأولمبية، من منصبه بسبب الدعم الصيني للسودان، كما أن أعداداً من حملة نوبل للسلام وعارضات الأزياء والمغنين وأضرابهم يشنون حملات متصاعدة على الصين للسبب عينه.
الانتقاد/ العدد1282 ـ الجمعة 18 تموز/ يوليو 2008