ارشيف من :آراء وتحليلات
الضباط الأربعة أحرار: المشهد... الدلالات والتداعيات

كتب المحرر السياسي
هي لعبة أدوار تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى: فليس زلزال إطلاق سراح الضباط الأربعة في التاسع والعشرين من عام 2009، إلا صورة موازية لزلزال اعتقالهم في التاسع والعشرين من آب عام 2005، ومع فارق رئيسي أن زلزال الأمس ضرب هذه المرة أرض فريق الرابع عشر من آذار، موزعاً تردداته وتداعياته على أكثر من عنوان، محدثاً فيها تصدعات نوعية تضاف الى التصدعات الأساسية التي يعاني منها هذا الفريق، الذي بدا وكأنه لم يعد ينقصه إلا مثل الزلزال، وهو يتوجه الى محطة الاستحقاق الانتخابي، هذه المحطة التي طالما وصفها بالمصيرية والاستثنائية.
من المؤكد، أن قرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الحريري بإطلاق سراح الضباط الأربعة، وبقرينة البراءة المطلقة، لم يكن خبراً مفرحاً لفريق 14 شباط، بل وقع عليهم وقع الصاعقة، وهم بذلوا ما في وسعهم لتأخير صدور هذا القرار على الأقل الى ما بعد الانتخابات النيابية، فليس سهلاً على هذا الفريق أن يرى الأسس التي بنى عليها قضيته السياسية تنهار أمام عينيه، ذلك أن إدانة مرحلة كاملة والعمل على تقويضها في سياق استبدالها بمرحلة جديدة، قام على اتهام هؤلاء الضباط لا بصفتهم الشخصية فحسب، وإنما بما يمثلون من رمزية أمنية ـ سياسية في تلك المرحلة.
من المؤكد، أن التبرئة للضباط الأربعة لن تعني إعادة عقارب الساعة الى الوراء، ولن تعني تحديداً استرجاع تلك المرحلة بما هي، وإنما من المؤكد أيضاً، أن التبرئة هي إشارة على مرحلة جديدة تختلف عن المرحلة الحالية، فكما أراد فريق الرابع عشر من آذار تأسيس مرحلة جديدة على خلفية اتهام سوريا، واتهام الضباط الأربعة، وحتى اتهام المعارضة وبالاستناد الى حبل طويل من الأكاذيب والأضاليل وفبركة شهود الزور، وشراء ذمم قاضي التحقيق ديتليف ميليس وبيتر فيتزجيرالد وغيرهما، فإن براءة هؤلاء شكلت واقعة حسية ودليلا عيانيا ومؤشرا واضحا على انهيار مخطط كامل، لمصلحة التأسيس لمرحلة جديدة، هذه المرحلة التي أخذت ترتسم معالمها مع مسلسل إخفاقات فريق الرابع عشر من آذار التي بدأت مع مسلسل إخفاق المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة وبالتحالف الأكيد مع عرب اميركا بدءاً من العراق، وأفغانستان، ومروراً بالهزيمة النكراء للعدو الإسرائيلي في تموز من عام 2006، وصعود المقاومة الفلسطينية في غزة، وحدث السابع من أيار في العام السابق الذي شكل المدخل لإعادة رسم التوازن في السلطة، وانتخاب رئيس جديد والتأسيس لمرحلة سياسية مختلفة.
يمكن القول بالمعنى السياسي للكلمة، إن إطلاق سراح الضباط هو ثمرة لمسلسل انجازات المعارضة، وبالتالي ثمرة لمسلسل الإخفاق لفريق 14 آذار، والإخفاق الأميركي، ومجمل التحولات والتداعيات التي ترتبت عليه دولياً وإقليمياً.
لا شك أن درجة الفشل والإخفاق والإحباط تقاس بمقدار درجة الرهان والأهداف المتوخاة، وقياساً الى ما كان يريد فريق الرابع عشر من آذار تحقيقه من هذا الاتهام، وقياساً الى الصورة التي حفرها عميقاً في الوعي والوجدان الذي يخص جمهوره، فإن سقوط هذا الفريق سيكون مدوياً على مستوى المشروع، وعلى مستوى الصدقية لا سيما لدى جمهوره. وإذا كان صعباً الآن توقع نتائج وتداعيات سريعة داخل الوسط السني لاعتبارات تتعلق بقوة العصبية المذهبية، وقوة سطوة المال السياسي، داخل هذا الوسط، فإن التداعيات اللاحقة، خصوصاً بعد مرحلة الانتخابات ستكون أقوى وأفعل، حيث سيتحرر هذا الوسط من متطلبات الانتخابات القائمة على الاستنفار المذهبي والمناطقي.
نعم، سيكون ربما لسقوط الصورة ـ الأسطورة لفريق الرابع عشر من آذار، ولصدقيته في الشارع المسيحي وقعاً أقوى وأشد لا سيما داخل الكتلة الرمادية المترددة في أخذ خياراتها، والتي تنتظر آخر لحظة.
ـ لا أحد يستطيع نكران أن المحكمة الدولية قد كسبت جولة لمصلحتها في إطلاق سراح الضباط، وهي بذلك لم تفعل إلا ما يجب فعله، ولأنها لا تستطيع فعل العكس نظراً لفراغ ملف التحقيق مع هؤلاء الضباط من أي دليل يمكن أن يقود الى الاشتباه بهم أو اتهامهم، إلا أن هذا بدوره يجب أن لا يعني، ولا يمكن أن يعني براءة مطلقة لهذه المحكمة من لعبة التسييس، إذ لا أحد يستطيع ضمان ذلك، نظراً للمسار الذي ولدت به، وللقوى المؤثرة فيها. كما لا أحد يدري نوع الألغام المزروعة في داخلها، وبالتالي، فإن المطلوب التعاطي مع المحكمة خطوة خطوة، وقياس كل موقف أو حكم يصدر عنها بدقة وموضوعية، حتى النهاية.
وما يزيد من الخطورة في هذه المسألة هو السعي الجاد والكبير من قبل فريق الرابع عشر من آذار، ومن بعض الأطراف العربية المحسوبة عليه، الى تحويل قرار الإفراج الى حكم مطلق ببراءة المحكمة من التسييس.
إن انقسام المشهد الداخلي بين مرحبٍ وفرحٍ وآخر حزين ومحبط هو أمر طبيعي، لأن البراءة بالنسبة للطرف الأول شكلت علامة على انتصار منطقه وخياراته السياسية والوطنية، في حين شكلت بالنسبة للطرف الثاني علامة على سقوط وتهافت منطقه وقضيته، وليس سهلاً على جمهور أن يكتشف بعد ثلاث سنوات وثمانية أشهر أنه كان مخدوعاً، ومأخوذاً بالاتجاه الخاطئ.
إن ما قام به جنبلاط لم يكن إلا محاولة منه لشد عصب حليفه سعد الدين الحريري وفريق الرابع عشر من آذار، وهو موقف ارتأى جنبلاط أن اللحظة السياسية تحتاجه، ولا يمكن عده بالتالي مؤشراً على تراجعه عن محاولات اعادة تموضعه الأخيرة التي يبحث من خلالها عن منطقة وسط بين فريقي المعارضة والموالاة.
لقد كان الضباط الأربعة موفقين في إخراج مواقفهم التي تجاوزت لغة ومنطق الثأر والتشفي، وذهبت باتجاه التأكيد على تصويب البوصلة باتجاه المجرم الحقيقي في اغتيال الحريري، والحرص عليها، وان بدا لكل منهم برنامجه الخاص المستند الى وضعه الخاص وبيئته الخاصة.
ان حضور حزب الله اللافت في صورة الاستقبال حمل أكثر من دلالة ورسالة لمن يهمه الأمر، باعتباره المعني أكثر من غيره بما جرى ويجري على هذا الصعيد، لا سيما لجهة توفير الحاضنة السياسية، والحماية السياسية الضرورية لهؤلاء الضباط، وللقول بأنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء أي محاولة لزرع ألغام من نوع هذا اللغم أو غيره.
ان ملف القضاء قد فتح على الواسع، وهو ملف حساس، وإذا كان متعذراً الآن الوصول فيه الى نتائج نهائية، إلا أن المرحلة المقبلة لن تكون كذلك.
الانتقاد/ العدد 1345 ـ 8 أيار/ مايو 2009
هي لعبة أدوار تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى: فليس زلزال إطلاق سراح الضباط الأربعة في التاسع والعشرين من عام 2009، إلا صورة موازية لزلزال اعتقالهم في التاسع والعشرين من آب عام 2005، ومع فارق رئيسي أن زلزال الأمس ضرب هذه المرة أرض فريق الرابع عشر من آذار، موزعاً تردداته وتداعياته على أكثر من عنوان، محدثاً فيها تصدعات نوعية تضاف الى التصدعات الأساسية التي يعاني منها هذا الفريق، الذي بدا وكأنه لم يعد ينقصه إلا مثل الزلزال، وهو يتوجه الى محطة الاستحقاق الانتخابي، هذه المحطة التي طالما وصفها بالمصيرية والاستثنائية.
من المؤكد، أن قرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الحريري بإطلاق سراح الضباط الأربعة، وبقرينة البراءة المطلقة، لم يكن خبراً مفرحاً لفريق 14 شباط، بل وقع عليهم وقع الصاعقة، وهم بذلوا ما في وسعهم لتأخير صدور هذا القرار على الأقل الى ما بعد الانتخابات النيابية، فليس سهلاً على هذا الفريق أن يرى الأسس التي بنى عليها قضيته السياسية تنهار أمام عينيه، ذلك أن إدانة مرحلة كاملة والعمل على تقويضها في سياق استبدالها بمرحلة جديدة، قام على اتهام هؤلاء الضباط لا بصفتهم الشخصية فحسب، وإنما بما يمثلون من رمزية أمنية ـ سياسية في تلك المرحلة.
من المؤكد، أن التبرئة للضباط الأربعة لن تعني إعادة عقارب الساعة الى الوراء، ولن تعني تحديداً استرجاع تلك المرحلة بما هي، وإنما من المؤكد أيضاً، أن التبرئة هي إشارة على مرحلة جديدة تختلف عن المرحلة الحالية، فكما أراد فريق الرابع عشر من آذار تأسيس مرحلة جديدة على خلفية اتهام سوريا، واتهام الضباط الأربعة، وحتى اتهام المعارضة وبالاستناد الى حبل طويل من الأكاذيب والأضاليل وفبركة شهود الزور، وشراء ذمم قاضي التحقيق ديتليف ميليس وبيتر فيتزجيرالد وغيرهما، فإن براءة هؤلاء شكلت واقعة حسية ودليلا عيانيا ومؤشرا واضحا على انهيار مخطط كامل، لمصلحة التأسيس لمرحلة جديدة، هذه المرحلة التي أخذت ترتسم معالمها مع مسلسل إخفاقات فريق الرابع عشر من آذار التي بدأت مع مسلسل إخفاق المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة وبالتحالف الأكيد مع عرب اميركا بدءاً من العراق، وأفغانستان، ومروراً بالهزيمة النكراء للعدو الإسرائيلي في تموز من عام 2006، وصعود المقاومة الفلسطينية في غزة، وحدث السابع من أيار في العام السابق الذي شكل المدخل لإعادة رسم التوازن في السلطة، وانتخاب رئيس جديد والتأسيس لمرحلة سياسية مختلفة.
يمكن القول بالمعنى السياسي للكلمة، إن إطلاق سراح الضباط هو ثمرة لمسلسل انجازات المعارضة، وبالتالي ثمرة لمسلسل الإخفاق لفريق 14 آذار، والإخفاق الأميركي، ومجمل التحولات والتداعيات التي ترتبت عليه دولياً وإقليمياً.
لا شك أن درجة الفشل والإخفاق والإحباط تقاس بمقدار درجة الرهان والأهداف المتوخاة، وقياساً الى ما كان يريد فريق الرابع عشر من آذار تحقيقه من هذا الاتهام، وقياساً الى الصورة التي حفرها عميقاً في الوعي والوجدان الذي يخص جمهوره، فإن سقوط هذا الفريق سيكون مدوياً على مستوى المشروع، وعلى مستوى الصدقية لا سيما لدى جمهوره. وإذا كان صعباً الآن توقع نتائج وتداعيات سريعة داخل الوسط السني لاعتبارات تتعلق بقوة العصبية المذهبية، وقوة سطوة المال السياسي، داخل هذا الوسط، فإن التداعيات اللاحقة، خصوصاً بعد مرحلة الانتخابات ستكون أقوى وأفعل، حيث سيتحرر هذا الوسط من متطلبات الانتخابات القائمة على الاستنفار المذهبي والمناطقي.
نعم، سيكون ربما لسقوط الصورة ـ الأسطورة لفريق الرابع عشر من آذار، ولصدقيته في الشارع المسيحي وقعاً أقوى وأشد لا سيما داخل الكتلة الرمادية المترددة في أخذ خياراتها، والتي تنتظر آخر لحظة.
ـ لا أحد يستطيع نكران أن المحكمة الدولية قد كسبت جولة لمصلحتها في إطلاق سراح الضباط، وهي بذلك لم تفعل إلا ما يجب فعله، ولأنها لا تستطيع فعل العكس نظراً لفراغ ملف التحقيق مع هؤلاء الضباط من أي دليل يمكن أن يقود الى الاشتباه بهم أو اتهامهم، إلا أن هذا بدوره يجب أن لا يعني، ولا يمكن أن يعني براءة مطلقة لهذه المحكمة من لعبة التسييس، إذ لا أحد يستطيع ضمان ذلك، نظراً للمسار الذي ولدت به، وللقوى المؤثرة فيها. كما لا أحد يدري نوع الألغام المزروعة في داخلها، وبالتالي، فإن المطلوب التعاطي مع المحكمة خطوة خطوة، وقياس كل موقف أو حكم يصدر عنها بدقة وموضوعية، حتى النهاية.
وما يزيد من الخطورة في هذه المسألة هو السعي الجاد والكبير من قبل فريق الرابع عشر من آذار، ومن بعض الأطراف العربية المحسوبة عليه، الى تحويل قرار الإفراج الى حكم مطلق ببراءة المحكمة من التسييس.
إن انقسام المشهد الداخلي بين مرحبٍ وفرحٍ وآخر حزين ومحبط هو أمر طبيعي، لأن البراءة بالنسبة للطرف الأول شكلت علامة على انتصار منطقه وخياراته السياسية والوطنية، في حين شكلت بالنسبة للطرف الثاني علامة على سقوط وتهافت منطقه وقضيته، وليس سهلاً على جمهور أن يكتشف بعد ثلاث سنوات وثمانية أشهر أنه كان مخدوعاً، ومأخوذاً بالاتجاه الخاطئ.
إن ما قام به جنبلاط لم يكن إلا محاولة منه لشد عصب حليفه سعد الدين الحريري وفريق الرابع عشر من آذار، وهو موقف ارتأى جنبلاط أن اللحظة السياسية تحتاجه، ولا يمكن عده بالتالي مؤشراً على تراجعه عن محاولات اعادة تموضعه الأخيرة التي يبحث من خلالها عن منطقة وسط بين فريقي المعارضة والموالاة.
لقد كان الضباط الأربعة موفقين في إخراج مواقفهم التي تجاوزت لغة ومنطق الثأر والتشفي، وذهبت باتجاه التأكيد على تصويب البوصلة باتجاه المجرم الحقيقي في اغتيال الحريري، والحرص عليها، وان بدا لكل منهم برنامجه الخاص المستند الى وضعه الخاص وبيئته الخاصة.
ان حضور حزب الله اللافت في صورة الاستقبال حمل أكثر من دلالة ورسالة لمن يهمه الأمر، باعتباره المعني أكثر من غيره بما جرى ويجري على هذا الصعيد، لا سيما لجهة توفير الحاضنة السياسية، والحماية السياسية الضرورية لهؤلاء الضباط، وللقول بأنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء أي محاولة لزرع ألغام من نوع هذا اللغم أو غيره.
ان ملف القضاء قد فتح على الواسع، وهو ملف حساس، وإذا كان متعذراً الآن الوصول فيه الى نتائج نهائية، إلا أن المرحلة المقبلة لن تكون كذلك.
الانتقاد/ العدد 1345 ـ 8 أيار/ مايو 2009