ارشيف من :أخبار لبنانية

انتخابات بلا ديمقراطية: كتاب جديد عن الإرادة الشعبية المغيبة في العالم العربي

انتخابات بلا ديمقراطية: كتاب جديد عن الإرادة الشعبية المغيبة في العالم العربي

لندن ـ خاص "الانتقاد.نت"
صدر حديثا كتاب "إعادة التفكير بالدمقرطة العربية: انتخابات بلا ديموقراطية" (Rethinking Arab Democratization: Elections Without Democracy ) باللغة الانكليزية عن مطابع جامعة أكسفورد – بريطانيا - للمؤلف الدكتور العربي الصديقي المحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة.

يطرح الكتاب اشكالية الدمقرطة في العالم العربي بشكل عام من بوابة الحرص على الخصوصية العربية والإسلامية لدول المشرق العربي، ويفند ويفكك تفاصيل البرنامج الأمريكي لنشر الديمقراطية في الشرق الوسط عبر مشروعها "الشرق الأوسط الكبير"، من خلال فضح التناقضات الأمريكية لمشروع الدمقرطة، ففي حين تتحالف الادارة الأمريكية مع الأنظمة العربية الرسمية – والتي هي في مجملها أنظمة غير ديمقراطية – تتجاهل المعارضات الحقيقية التي أفرزت بطرق ديمقراطية (حماس وحزب الله مثالا)، كما تتجاهل الزخم السياسي والاجتماعي في العالم العربي، مشيرا إلى أن المشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية قائم على أساس هش يختزل العملية الديمقراطية في انتخابات دورية بمعايير تضمن الابقاء على حلفاء الولايات المتحدة، مؤكدا أن المشروع برمته يحمل بذور الفشل في داخله حيث لا ديمقراطية بلا معارضة حقيقية، ودون تمكين المجتمع والقوى المختلفة فيه من الإسهام عملية التغيير الديمقراطي.

يقع الكتاب في سبعة فصول تسبر أغوار نظرية التحول الديمقراطي العالم العربي. و يحاول الكاتب التعمق في نظرية الدمقرطة في سياقها العلمي، مبرزا الحجج التي تستند إليها النظريات الغربية للتحول الديمقراطي، والتي يصعب تطبيقها في المشرق العربي لأسباب موضوعية فرضتها التعقيدات والتقاطعات في مصالح الغرب مع الأنظمة العربية الرسمية.

انتخابات بلا ديمقراطية: كتاب جديد عن الإرادة الشعبية المغيبة في العالم العربيوقد خصص الكاتب جانبا من الكتاب للحديث عن الديمقراطية في لبنان، حيث توصل الى استنتاج أن لبنان هو بلد التعددية بلا منازع لكنه ليس بلد الديمقراطية كما هو متداول في أوساط عربية وإقليمية، مشيرا الى أن تناقضات النظام اللبناني المبني على أسس المحاصصة الطائفية ـ حتى في المؤسسة الرسمية ـ يحول دون التحول الديمقراطي الحقيقي. وأشار الكاتب الى الاقطاعية السياسية في لبنان موضحا أن القادة اللبنانيين يولدون من سلالة عائلية لها تاريخ كعائلات: الحريري والجميّل وجنبلاط وأرسلان وفرنجيّة وكرامي. هذا الأمر أفرز معادلة سياسية جديدة في لبنان من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على التحول الديمقراطي في لبنان. ولذلك ـ يضيف الكاتب ـ أن الناخب اللبناني أصبح غير مخيّر في رأيه الانتخابي نظرا لأنه محكوم بالولاءات لهذه الطائفة أو تلك أو للإقطاعيات السياسية التي تمثلها العائلات سالفة الذكر، هذا فضلا عن الطائفية المُمَأسسة.

وأوضح الصديقي أن الادارة الأمريكية استخدمت "التخويف" كسلاح لتسويق مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط. وأن حالتي حماس في الأراضي الفلسطينية وحزب الله في لبنان خير مثال على توظيف هذه السياسة. ففي لبنان وضعت اادارة الأمريكية نفسها في تحالف مع "قوى 14 أذار" في لبنان وهي الكتلة الحزبية التي يرأسها سعد الدين الحريري وتضم أحزاباً سنية ومسيحية وتناصب العداء لسوريا. فقد تجاوزت الولايات المتحدة في علاقاتها مع قوى 14 آذار الدستور اللبناني وتدخلت في الحياة السياسية اللبنانية بشكل لا يراعي التركيبة المعقدة للمجتمع اللبناني، كما لم تراعِ قواعد اللعبة الديمقراطية بشكل عام. ففي مقابلاته مع قادة حزب الله – نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله ومحمد رعد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب ـ وجد الكاتب أن الحزب وحلفائه السياسيين (قوى 14 آذار/ مارس التي تمثل الفريق الاخر) يرى أن الولايات المتحدة تريد ديمقراطية بمقاسات معينة تخدم مصالحها في لبنان والمنطقة. 

أما في الموضوع الفلسطيني فقد تعاملت الادارة الأمريكية بنفس الأسلوب مع "حماس" عقب فوزها في الانتخابات التشريعية على منافسها التقليدي "فتح" وحصدت الأغلبية من مقاعد البرلمان الفلسطيني وشكلت بعدها الحكومة الفلسطينية العاشرة. وطالبت الولايات المتحدة حماس بالالتزام بـ"شروط الرباعية الدولية" وهي الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير سابقا. غير أن حماس رفضت هذه الشروط ما أدى الى عزلها سياسيا وومقاطعتها ماليا بل وعملت الادارة الأمريكية على دعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سياسيا وماليا لمحاربة حماس وحكومتها عبر قيادات أمنية فلسطينية موالية لعباس. ولم تؤدّ هذه السياسية الى فشل مشروع الديمقراطية فقط، بل أدت صِدام فلسطيني فلسطيني دامٍ أدى الى انقسام فلسطيني جيوسياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية. ليس هذا فحسب بل امتد الانقسام وتعمق بشكل خطير يهدد النسيج الوطني الفلسطيني.

ويرى الصديقي أن أخطر ما في مشروع الديمقراطية الذي تتبناه الولايات المتحدة أنه فيه نوع من التعالي على العالم العربي بقِيَمه وإرثِه الثقافي والحضاري والتاريخي، الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة غير مؤهلة لقيادة مثل هكذا مشروع.

2009-05-13