ارشيف من :أخبار عالمية
باكستان وأفغانستان : هل ينجح المال الدولي في حسم المعركة لصالح أميركا ؟
كتب عقيل الشيخ حسين
يعتقد مراقبون كثر أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها مؤخراً بين طالبان باكستان والحكومة الباكستانية كان من شأنها أن تعود بالفائدة على هذا البلد المتخبط في مشكلات خانقة لا حصر لها. ولكن قوى الهيمنة هالها أن ترى الحليف الأول في الحرب على الإرهاب يقدم على خطوة تصالحية من الواضح أن تداعياتها قد تخرجه من تلك الحرب في وقت جعلت منه الاستراتيجية الأميركية الجديدة اللاعب الأول في تلك الحرب. ولهذا، ارتفعت الأصوات بالحديث عن استسلام الحكومة الباكستانية أمام المتشددين، ووصل الأمر بأوباما إلى حد التهديد بالتدخل العسكري المباشر في باكستان فيما لو لم يبادر الجيش الباكستاني إلى استئصال المتشددين. وفي هذه الأجواء عقدت قمة أوباما/زرداري/قرضاي، بهدف إزالة الخلافات القائمة بين النظامين الأفغاني والباكستاني من أجل توحيد الصفوف ضد ما يسمى بالإرهاب.
وبالطبع، أخبر أوباما الرجلين بأن التزام أميركا تجاه البلدين هو التزام ثابت وطويل الأمد ولا ينحصر في الناحية العسكرية وحدها، بل يتعداه إلى المساعدات والاقتصاد وبناء المدارس والمستشفيات وشق الطرق والخير العميم. وهكذا حصلت باكستان على وعود بقروض ومساعدات مالية تزيد على 11 مليار دولار. وما أن انفضت القمة الثلاثية حتى أعقبها مباشرة إطلاق ما أسماه بعض المراقبين بـ "الحرب الجديدة"، بمعنى أنها حرب من عيار حربي أفغانستان والعراق.
وهكذا، وفي الوقت الذي تتعرض فيه المناطق الشمالية الغربية من باكستان لقصف أميركي يومي تقوم به طائرات بطيارين وبغير طيارين بهدف تلافي وقوع خسائر بشرية في صفوف الأميركيين، علماً بأن هذا القصف يوقع أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين في صفوف الأفغان والباكستانيين، بدأ الهجوم الباكستاني الكبير على وادي سوات. قصف كثيف بالطيران وبالمدفعية الثقيلة وعمليات إنزال مجوقلة قام بها أكثر من 15 ألف جندي باكستاني ممتلئي البطون (أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين كان قد عزا فشل الجيش الباكستاني أمام رجال القبائل إلى تدني مستوى الوجبات الغذائية التي يحصل عليها الجنود الحكوميون). أما المنطقة المستهدفة، أي وادي سوات، فهي رقعة جغرافية ضيقة يكتظ فيها أكثر من مليون ونصف إنسان، والقصف الحكومي الكثيف والمركز لم يميز، باعتراف الجمعيات الإنسانية بين المتشددين والمدنيين. والنتيجة أعداد كبيرة من القتلى والجرحى. وأعداد كبيرة من الجرحى الذين ينزفون ويحتضرون ويتمنون أن ينهمر عليهم المزيد من قنابل الرحمة ليتخلصوا مما هم فيه. منع التجول، والطرق غير السالكة بسبب كثافة القوافل العسكرية عليها حالا دون خروج أعداد كبيرة من المدنيين من منطقة القتال، في وقت كان فيه أكثر المقاتلين قد تسللوا إلى خارج المنطقة. وما أن أعلنت هدنة قصيرة لتمكين المدنيين من المغادرة حتى خلت المنطقة من معظم سكانها الذين ظلوا على قيد الحياة، وانتقلوا إلى حياة البؤس والتشرد في المناطق المحيطة.
وهكذا، صار من الممكن صرف الانتباه عن المجازر اللاإنسانية التي نفذها الجيش الباكستاني بحق أبناء باكستان، لتركيزه على الناحية الإنسانية أي على المساعدات. وبدأت المنظمات والجمعيات الدولية تقدم أرقامها حول ما ينبغي إرساله من أغذية وأدوية وخيم وبطانيات ومياه صالحة للشرب. ومن لندن التي يزورها الرئيس زرداري انطلق الصوت لعقد مؤتمر للدول المانحة بهدف مساعدة باكستان في مواجهة مشكلة النازحين والمهجرين. وفي الوقت نفسه، طار الرئيس الأفغاني، حامد قرضاي إلى إسلام آباد للتباحث مع نظرائه الباكستانيين حول العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في محاولة للإيحاء بأن البلدين قد أزاحا عن كاهليهما ثقل الحرب ولم يعد أمامهما غير تقاسم الأموال والشروع بأعمال الإعمار وإعادة الإعمار.
ولفهم ما يجري في هذا المجال، لا بد من العودة إلى أوباما واستراتيجيته الجديدة حول أفغانستان وباكستان. فهو وإن كان قد واصل اعتماد سياسة بوش القائمة على ابتزاز الشارع الأميركي بالحديث اليومي عن الأخطار الوشيكة التي تهدد الأمن القومي الأميركي، يلاحظ أن هذه الذريعة قد فقدت فاعليتها بعد أن مرت سنوات طويلة، منذ 11 أيلول/سبتمبر، دون حدوث أي هجوم إرهابي من صنع القاعدة وطالبان. لذا كان لا بد له من بديل لتسويغ استمرار التدخل الأميركي في أفغانستان وباكستان. وهذا البديل هو البديل الإنساني الذي يسمح له بأن يطرح التدخل العسكري كوسيلة لخلق شروط الاستقرار الضروري لاضطلاع أميركا بمهامها الرسالية بوصفها ناشرة الحرية والديموقراطية والرخاء والوجبات الساخنة للمدنيين والعسكريين.
صحيح أن بعض الأموال قد وصلت إلى باكستان ووزع قسم منها بالروبيات المحلية. وصحيح أيضاً أن الجيش الباكستاني قد نفذ مهمته وتصرف بتقنية عالية في تدمير منطقة سوات وقتل أهلها وتشريدهم. لكن المقاتلين تسللوا إلى مناطق أخرى لينضموا إلى غيرهم من المقاتلين والمعارضين في البنجاب والسند وبلوشستان وكشمير وحتى في قلب العاصمة الباكستانية. لكن الأكثر صحة هو أن إخضاع وادي سوات بالهراوة العسكرية قد رفع من منسوب الاستياء والاهتزاز في سائر الأودية والجبال والقرى والمدن الباكستانية. وإذا كان زرداري وغيره مطمئنون إلى فكرة أن باكستان بعيدة عن التفكك، فإن اطمئنانه هذا شبيه باطمئنان بوش، يوم أعلن حربه على الإرهاب، بأن الشعوب ستستقبل جيوشه بباقات الزهور. وشبيه باطمئنان أوباما إلى فكرة أن حفنة من الدولارات توزع على أشباه الرجال يمكنها أن تمحق وجه التاريخ.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018