ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: لقاء القمة بين ابن سينا وأبي الخير

نقطة حبر: لقاء القمة بين ابن سينا وأبي الخير
كتب حسن نعيم
إذا كانت شخصية الفيلسوف ابن سينا وآثاره الفكرية والفلسفية وقدراته الذهنية  غير خافية على الكثير من المثقفين والمهتمين المسلمين والعرب، فإن جاره في عنوان هذه المقالة لم يحظ بنفس المستوى والحظ من الشهرة والذيوع والانتشار، وذلك ربما يعود إلى الاختلاف بين طبيعة واهتمامات كل من هاتين الشخصيتين الكبيرتين.
فابن سينا كان مالئ عصره وشاغل ناسه بفكره المتوقد، وذهنه المستنير وعلمه الغزير. أما أبو سعيد أبو الخير فهو عارف كبير عاش في القرن الهجري الرابع، وكتب الشعر وأنشد الرباعيات العرفانية زارعاً فسائلها الأولى في أرض الثقافة الإسلامية، هذه الفسائل التي أتت أكلها بعد قرون من الزمن.
أما قصة اللقاء الذي حصل بين أبي سعيد أبي الخير وابن سينا فهي كانت في حينها بمثابة قمة علمية بين اتجاهين معرفيين يجسدهما كلا الرجلين: الأول يجسده الشيخ أبو الخير وهو الاتجاه العرفاني، والثاني هو الاتجاه الفلسفي الذي يجسده الشيخ الرئيس ابن سينا.  
 أهمية اللقاء النسبية أنه جاء بعد مكاتبات طويلة بينهما، فقد زار ابن سينا  أبا سعيد وقد اختلى كل منهما بالآخر على مدى ثلاثة أيام، وقد سئل ابن سينا بعد اللقاء: كيف وجدت الشيخ؟ فأجاب: إنه يرى كل ما أعلم. كما سئل الشيخ كيف وجدت أبا علي؟ فقال إنه يعلم كل ما نرى. وورد أن ابن سينا قد أصبح بعد ذلك من مريدي الشيخ أبي سعيد وتأثر به الى درجة كبيرة بحيث انعكس ذلك على كتاباته، فراح يتحدث في كتابه "الإشارات والتنبيهات" وغيره عن كرامات الأولياء وشرف حالات المتصوفة، وبيان مراتبهم، وكيفية سلوك الطريقة والحقيقة. وهناك أحاديث حول قصة اللقاء بين الشيخين أبي سعيد وابن سينا غير أن ما يهمنا هنا هو أن حالة الاختلاف في زاوية الرؤية بين أهل الفكر والعرفاء لا تستدعي وجود عدم انسجام بين أهل العرفان والشهود وأهل الفلسفة والتعقل.
الانتقاد/ العدد 1346 ـ 15 أيار/ مايو 2009
2009-05-15