ارشيف من :آراء وتحليلات

لماذا اختير السنيورة لهذه المهمة غير النبيلة؟

لماذا اختير السنيورة لهذه المهمة غير النبيلة؟
كتب ابراهيم صالح
لم يكن مفاجئاً ان لا يجد القيمون على حملة الرئيس فؤاد السنيورة الانتخابية سوى عبارة واحدة يكتبونها تحت صورته المرفوعة، وهي "رفيق.. رفيق الحريري".
فليس في سجل هذا الرجل اي علامة فارقة يدلون بها عليه سوى انه كان من رجال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. وحسب.
وبالفعل يكاد تاريخ هذا الشخص يخلو من عمل ذي أثر، او دور له قيمة كبرى تحسب له، اللهم الا انه منذ البداية رجل "اللاموقف".
يقول انه اعتنق الفكر القومي عبر انتسابه الى "حركة القوميين العرب" في صيدا نهاية عقد الستينيات، ولكن الذي يعرفه وكل الذين كانوا على علاقة بهذه الحركة التي اتسع نطاقها في ظل ازدهار الفكر القومي، انه لم يلبث فيها الا قليلاً وبتأثير من صديق الحريري، اذ غادرها فصلاً بفعل شبهة حامت حوله، وهي شبهة العلاقة بمخابرات دولة أجنبية معادية إبان انتسابه الى الجامعة الاميركية في بيروت، حيث درس علوم المحاسبة والإدارة.
وميزة أخرى تدرج في سجله الشخصي ايضاً، هي انه برع في علم الأرقام والحسابات، حيث صار بفعل ذلك رجلاً بلا روح، مجردا من الأحاسيس، يرى الناس  كلهم مجرد أرقام، وينظر اليهم من خلال ذلك. وعليه لم يكن عجيباً ان يتولى حصراً خلال حكومات الرئيس الحريري من دون انقطاع وزارة المال أصالة او وكالة، فليس من أجدر منه بمهمة التلاعب بالأرقام، وتحمل مسؤولية وإخفاق السياسات المالية التي كانت محصلتها ان صار الاقتصاد اللبناني ينوء تحت ثقل حمل ما يقارب (40) مليار دولار دينا.. حتى ان الرئيس الحريري نفسه كان يعتزم اقصاءه من الواجهة نهائياً في أواخر أيامه على حد ما سمعه النائب والوزير السابق محسن دلول من فم الرئيس نفسه قبل فترة قصيرة من استشهاده.
ولكن رياح الأمور سارت على خلاف ذلك لاحقاً، فعندما دار البحث عن "شخصية" موقتة تودع بين يديها رئاسة الوزراء فترة معينة ريثما تنضج ظروف تسلم النائب الحريري هذه المهمة، لم يجد الباحثون أفضل من السنيورة نفسه! ولأنه على استعداد ان يكون البدل عن الضائع لحين من الدهر، ولأنه شخص "اللاموقف" والشخص "الملتبس"،
 ولأنه أثبت خلال الأعوام الأربعة المنصرمة انه شخص "المهمات القذرة"، الذي بإمكانه "المناكفة" وإتقان لعبة "الكيدية"، والذي يفاخر بأنه لم يهتز له جفن عندما نزل مليون ونصف مليون لبناني مرتين خلال أسبوعين، مطالبين بمغادرته السرايا الحكومية، ولأنه أثبت بالبرهان القاطع انه الرجل القادر على تنفيذ كل إملاءات الخارج،
ولأنه أثبت بالدليل الساطع انه الذي بإمكانه ومن دون ان يرف له جفن دفع البلاد برمتها الى شفا الانفجار الأمني، واتخاذ القرارات التي يدرك سلفاً انها تفضي ولا ريب الى ما لا تُحمد عقباه، مثل القرارين اللذين اتخذتهما حكومته البتراء في 5 ايار مايو عام 2008،
ولأنه صار رمز الشحن المذهبي والطائفي،
لأجل كل ذلك اختير السنيورة ليكون رمز التصادم في انتخابات صيدا.
فهو الذي بإمكانه ان يتحمل مسؤولية ايقاع الصدام في مدينته، والعمل على تغيير وإزالة صيغة التوازن التاريخية، وقطع أواصر علاقاتها بمحيطها السياسي الموجود فيها منذ اكثر من 40 عاماً.
وهو الذي بمقدوره ان يتحمل تبعة فصم علاقة المدينة بمحيطها، حتى لو اقتضى الامر انهاء معادلة اجتماعية واقتصادية وسياسية عمرها اكثر من مطلع القرن المنصرم، وتحديدا منذ ان صارت هذه المدينة عاصمة الجنوب برمته.
ولأسباب اخرى اكثر سوءا، اختير السنيورة ليكون واحداً من المكلفين بمهمة اقصاء كل الشخصيات السنية التي لم تسر في ركاب الشر المستطير والفتنة العمياء، وبقيت تقبض بصلابة على التزامها الوطني والقومي والاجتماعي، وتواجه أعتى حملات التهويل و"التخوين" عليها.
.. واختير ايضاً ليكمل مهمة اقفال كل القوى والبيوتات السنية التاريخية، لكي يخلو لفريق واحد ولزعيم واحد، وجه الزعامة المطلقة والوحيدة على مستوى الوطن كله. وإذا ما أراد بيت ما ان يحافظ على استمراريته وحضوره في الميدان السياسي، فما عليه الا اعلان الطاعة ودخول قريطم كواحد من الداخلين اليها والراضين بالحصص التي توزعها. والمثال على ذلك حي جلي في بيروت وطرابلس وعكار.
ولسبب آخر لا يمكن لأحد ان يتجاهله، اختير السنيورة ليكون رأس الحربة في الواجهة الشرسة في مدينته التي هجرها منذ زمن وقطع صلته بها، وهي انه تبين لمعدي "مشروع" الهيمنة السياسية عن صيدا وقرارها، انه ما من احد بإمكانه ان يواجه دور آل سعد وقيادتهم الراسخة والثابتة من معاناة فقراء المدينة ومحروميها، الا شخص بحجم السنيورة، يتمتع بـ"مواصفات" السنيورة و"صفاته" آنفة الذكر، وبقدراته على خوض غمار الفتنة والكيدية، وتحطيم كل الذين لا يسيرون بركابه وينهجون نهجه.
وبمعنى آخر، فإن السنيورة ينفذ قراراً جلياً بتغيير معالم الخريطة السياسية للطائفة السنية في كل لبنان، وإخراجها من جلدها ومن انتمائها التاريخي المعروف.
وليس غريباً على هذا الرجل ان يؤدي هذا الدور غير المشرف، وهو الذي حاول طوال حقبة ما قبل أحداث 7 أيار والقرارين اللذين كانا السبب في حدوثها، ان يثبت لمن يعنيهم الأمر انه قادر على تغيير الخريطة السياسية للبنان برمته وطي صفحة مشرفة من تاريخه المقاوم وفتح صفحة اخرى تجعل هذا البلد رقماً في سلسلة دول "الاعتدال العربي"، او الدول التي تحوز رضا واشنطن ومباركة الغرب.
والسؤال المطروح: هل يحقق السنيورة في صيدا ما عجز عن تحقيقه في بيروت؟
ان صيدا صاحبة تاريخ أصيل في الالتزام بالقضايا القومية والاجتماعية الكبرى، ومن كان يحمل على منكبيه هذا الالتزام يصعب عليه ان يتخلى عنه، وبالتالي يقترع لغير من يأبى هذا الالتزام، لا بل ويستخف به.
الانتقاد/ العدد 1346 ـ 15 أيار/ مايو 2009
2009-05-15