ارشيف من :آراء وتحليلات

معالم السياسة الأميركية في المنطقة ومآزقها

معالم السياسة الأميركية في المنطقة ومآزقها

كتب مصطفى الحاج علي
يتفق المراقبون والمحللون السياسيون على أن المنطقة تمر في مرحلة انتقالية: هناك انتقال من إدارة أميركية الى أخرى، وهناك انتقال من حكومة إسرائيلية الى أخرى يمينية متطرفة، كما أن كلاً من لبنان وإيران أمامهما استحقاقان انتخابيان يفترض أن يعبرا بكل منهما الى مرحلة مختلفة.
سياسياً لا تبدو الأمور مختلفة، وكلها ناتجة عن الفشل الأميركي في مواجهة محور المقاومة والممانعة الذي استطاع بفعل صموده وثباته وهزيمته للعدوان الأميركي ـ الإسرائيلي المتحالف موضوعياً مع عرب التسوية، أن يحجز لنفسه موقعاً ودوراً متقدماً.
لم تكن تداعيات هذه الهزائم قليلة لا على الولايات المتحدة ولا على الكيان الإسرائيلي ولا على عرب أميركا.
ـ الولايات المتحدة وجدت نفسها أمام مأزق استراتيجي مترابط الحلقات، عزز منه واقع الأزمة الاقتصادية والمالية البنيوية داخل الولايات المتحدة بكل تداعياتها الاجتماعية.
هذا المأزق فرض على واشنطن إعادة نظر في سياساتها الخارجية، الظاهر منها حتى الآن  التالي:
إجراء تعديل في طريقة مقاربة الملفات، يتمثل في جانب منه باعتماد الحوار والتفاوض بديلاً لأسلوب القوة في معالجتها، ويتمثل في جانب آخر باعتماد النظرة الشاملة والمترابطة الناهضة على إعادة ترتيب في الأولويات ولو بالعرض. وفي هذا الإطار يتقدم ملف ترتيب عملية الانسحاب من العراق، والملف الأفغاني ـ الباكستاني على ما عداه.
وإذا كانت التسوية تحجز لها دوراً في السياسة الخارجية الأميركية، فكعامل مساعد ومحفز أو كحصيلة لمعالجة الملفات الآنفة.
ـ إعادة تموضع الكيان الإسرائيلي في دائرة مأزق الوجود، بعدما كان قد اعتبر نفسه أنه تجاوز هذه الدائرة لمصلحة المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني، القاضية بتطبيع هذا الوجود بكل مستلزماته الأمنية والسياسية والاقتصادية مع دول المنطقة.
ومع فوز اليمين الإسرائيلي جرى تثبيت أولويات أساسية: الملف النووي الإيراني والخطر الإيراني في المنطقة له الأولوية المطلقة على كل ما عداه، لا سيما التسوية. وهنا يكمن التمايز الأول بين واشنطن وتل أبيب.
ـ عرب أميركا يرون أنفسهم في مأزق متعدد الجوانب:
تراجع في الموقع والوظيفة والدور لمصلحة مواقع اقليمية أخرى: إيران وتركيا وسوريا.
ـ أولويات أميركية مختلفة واندفاع أميركي للتفاوض مع إيران وسوريا.
ـ كيان إسرائيلي لا يرغب بالتسوية التي يبقى استمرارها حية الضمان الأخير للشرعية السياسية لهذه الأنظمة، لا سيما في ظل تقدم شرعية ومشروعية المقاومة سياسياً وشعبياً.
باختصار، إن عرب أميركا قلقون من أميركا والكيان الإسرائيلي، ومن تنامي موقع ودور وتأثير إيران وسوريا في المنطقة، إضافة الى عودة العامل التركي أيضاً.
في هذا الإطار فإن مأزق السياسة الأميركية في المنطقة يمكن صياغته بالسؤال التالي: كيف يمكن التوفيق بين أولويات واشنطن والأولويات الإسرائيلية والقلق المتنامي لدى حلفاء أميركا من العرب؟
كل المؤشرات والمواقف الدولية عموماً والأميركية تحديداً، تقول إن واشنطن راغبة في إطلاق عجلة التسوية، خصوصاً على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلا أن هذه الرغبة تصطدم بالتناقض القائم بين السقف العربي ـ الرسمي لحلفاء واشنطن والسقف الإسرائيلي.
حاجة عرب أميركا الى التسوية أكبر بكثير من حاجة الإسرائيلي والأميركي، خصوصاً في المرحلة المقبلة. ولا شك في أنهم في الموقع الأضعف، لذلك سيكون هؤلاء الأكثر عرضة للضغوط ولتقديم التنازلات تحت عناوين شتى: الأميركي سيطالبهم بذريعة إعانته على الإسرائيلي لتشجيعه على الانخراط في التسوية، وبذريعة الحاجة للتصدي لإيران وسوريا وحزب الله وحماس في المنطقة، وهؤلاء جاهزون بطبعهم لمثل هذه الوظيفة وهذا الدور.
وأما المخرج للتمايز في الأولويات بين واشنطن وتل أبيب، فيعمل على تسويقه عبر مخرج السقف الزمني للمفاوضات بين واشنطن وإيران، وواشنطن وسوريا، وعبر التلويح باستمرار خيار العقوبات حاضراً على الطاولة أو تحتها.
خلاصة القول هنا: إن جلّ ما يطمح اليه عرب أميركا هو الحفاظ على التسوية حية ولو شكلاً، هذه التسوية التي يدرك هؤلاء العرب أنها ميتة سريرياً، وباتت تنتظر الإعلان عن وفاتها. وما زاد من مأزقهم هو مجيء حكومة إسرائيلية تأتي التسوية في آخر همومها، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الى ضغوط قوية من قبل خيار المقاومة والممانعة. ان موت التسوية سيعني سياسياً أمرين أساسيين: الأول فقدان الشرعية، والثاني اندفاع خيار المقاومة الى النهاية لملء الفراغ، الأمر الذي سيكون له تداعياته الاستراتيجية على مجمل صورة المنطقة.
ما الحل إذاً؟ الحل يكمن بتحريك شكلي ومن دون أي أفق واضح، وتقديم بعض المعنويات من خلال بعض الزيارات ذات الطابع الرسمي، كزيارة أوباما المقبلة الى النظام المصري.
إن أولوية واشنطن اليوم هي الخروج من مآزقها واحتواء خسائرها، وبالتالي فإن أولوياتها هي التفاوض مع إيران وسوريا لا مجرد الحوار، نظراً للتداخل الاستراتيجي والجيواستراتيجي بين مصالح هذه الأطراف، وأماكن نفوذها وتأثيرها، والباقي مجرد تفصيل ومن لوازم عدة الشغل.. وهنا مكمن قلق كل أدوات أميركا، بما فيهم الكيان الإسرائيلي.
الانتقاد/ العدد 1346 ـ 15 أيار/ مايو 2009

2009-05-15