ارشيف من :أخبار عالمية

من القفقاس إلى البلقان.. الحرب في الأفق!

من القفقاس إلى البلقان.. الحرب في الأفق!
كتب عقيل الشيخ حسين
من القفقاس إلى البلقان.. الحرب في الأفق!
هددت روسيا بالويل والثبور فيما لو أقدم إقليم كوسوفو المدفوع من الغربيين على إعلان الاستقلال من جانب واحد عن صربيا.. وظن البعض أن الرد سيكون عسكرياً ومباشراً.
لكن جملة عوامل أسهمت في انصرافه بعد إعلان ذلك الاستقلال نحو وجهة أخرى.
من تلك العوامل تأرجح صربيا بين رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإدراكها أهمية العلاقة مع الشقيق السلافي الأكبر الذي يزداد رغبة يوما بعد يوم، في استرجاع نفوذه في الفضاء السوفياتي السابق، وفي العودة قوة كبرى إلى المسرح الدولي. ومنها تطلع روسيا إلى أن تقوم صربيا بتبني الخيار الثاني، وهو الأمر الذي أحرز تقدماً مهماً مع اتفاق الجانبين مؤخراً، بين اتفاقات مهمة أخرى على إلغاء تأشيرات الدخول لرعايا كل من البلدين إلى البلد الآخر. ومنها أخيراً، وهذا أمر منطقي، رهان روسيا على تحقيق طموحها بسهولة أكبر في ظل الإخفاقات التي أوهنت المشاريع الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان.
الوجهة الأخرى متعددة الوجوه. تمتد من الرهان على عجز النظام الجديد في كوسوفو عن تحقيق ذاته داخلياً وخارجياً، وعن الاستفادة من قلق بلدان البلقان التي تضم أقليات عرقية إزاء خطوة كوسوفو الاستقلالية، وعن التلويح باستقلال مقابل لصرب كوسوفو، وصولاً إلى التهديد بعمل حربي ضد القواعد العسكرية الأميركية في كوسوفو وربما في رومانيا. ويأتي هذا التهديد على خلفية التوتر المتصاعد بين الجانبين الروسي والأميركي حول الدرع الصاروخية التي تسعى واشنطن إلى إقامتها في أوروبا الشرقية، بزعم حماية الغرب من الصواريخ الإيرانية، وهو الزعم الذي لم يقبله الروس الذين رأوا في المشروع عملاً عدائياً موجهاً ضدهم، وردوا عليه بسلسلة إجراءات أعادت تحريك الحديث عن العودة إلى الحرب الباردة.
وإذا كانت زيارة كوندوليسا رايس الأخيرة إلى بلغاريا تخفي محاولة أميركية لضم هذا البلد إلى مشروع الدرع، إلى جانب تشيكيا بدلاً من بولندا التي تبدي مزيداً من التردد المثير لأعصاب البنتاغون، فإن ذلك يعني، أياً كان موقف بلغاريا، أن المشكلة قائمة في أوروبا الشرقية والبلقان مع أبرز معطياتها المتمثلة بالتهديد الروسي بضرب القواعد الأميركية.
والمشكلة قائمة أيضاً في القفقاس وأوكرانيا، وقد دفع بها استقلال كوسوفو نحو المزيد من التفاقم. فالبلدان توليهما روسيا اهتماماً يفوق اهتمامها بالبلقان، لأنهما كانا إضافة إلى الأهمية الخاصة لكل منهما، جزءاً من الاتحاد السوفياتي الذي تطمح روسيا إلى وراثته بالكامل. والبلدان يعانيان منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، من أزمات حكم وقلاقل داخلية متلاحقة ومثيرة للخوف في ظل طموحات الجار الروسي المتربص. والأهم من ذلك أن للبلدين تداخلات سياسية وسكانية مع روسيا ناشئة عن الانتماء المشترك السابق للفضاء السوفياتي. فالمناطق الشرقية الشمالية من أوكرانيا هي امتداد لروسيا من الناحية الثقافية، وسكانها يعلنون أنهم أكثر قرباً إلى موسكو منهم إلى كييف. إضافة إلى هراوة الغاز الروسي المسلطة على أوكرانيا، ومن ورائها على كامل أوروبا الغربية في صراعها المصيري مع البرد القارس.
أما في القفقاس الخاصرة الروسية الرخوة جنوباً، وحيث يحتدم شد الحبال حول خطوط أنابيب نفط قزوين، فالوضع بات أقرب إلى الاستقرار في الشيشان لمصلحة روسيا، والستاتيكو المتشنج قائم بين أرمينيا حليفة روسيا وآذربيجان حليفة أميركا، مع ميل في الميزان لمصلحة الأولى على الثانية. تبقى جورجيا التي تقلب ظهر المجن لروسيا، وتجد أن أولى أولوياتها وسبيل خلاصها، شأنها في ذلك شأن أوكرانيا، في الانضمام إلى الحلف الأطلسي. لكن هذا الحلم يثير حنق روسيا إلى أبعد الحدود، ويدفع الأطلسيين إلى التروي والحذر وسط إحساس قوي بالخذلان من قبل جورجيا وأوكرانيا، وخصوصاً من قبل جورجيا التي بات عليها أيضاً أن تدفع ثمن استقلال كوسوفو. إذ ما إن لاحت ملامح ذلك الاستقلال في الأفق حتى لاحت معه ملامح استقلال مماثل في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهما مقاطعتان قفقاسيتان كان جوزيف ستالين (وهو جورجي) قد ضمهما على كره منهما إلى جورجيا السوفياتية، قبل أن تنفصلا عنه عملياً بعد حرب أهلية أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي.
وكانت روسيا يلتسين قد شكلت قوة سلام من 3000 رجل وأرسلتها إلى المقاطعتين اللتين ازدادتا رغبة في الاستقلال الناجز مع التصلب الذي عادت إليه روسيا بوتين التي منحت أكثرية سكانهما الجنسية الروسية، نكاية بجورجيا ساكاشفيلي التي وضعت كل بيوضها في سلّة الغرب.
إذن منذ استقلال كوسوفو أعلنت المقاطعتان رغبتهما بالحصول على استقلال معترف به، ومنحتهما روسيا أفضليات تجارية مهمة، ولا يمر يوم دون وقوع مناوشات بينهما وبين جورجيا التي تصر على اعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من ترابها الوطني، وتتهم روسيا بأنها أصل البلاء. ومع توقيع تشيكيا على معاهدة الدرع الصاروخية قبل أيام، تفاقم الوضع على الحدود بين جورجيا والمقاطعتين "الانفصاليتين".
حشد جيوش ومناورات عسكرية على جانبي الحدود ومناورات أطلسية في البحر الأسود قابلها رفع عديد قوات حفظ السلام الروسية ومناورات عسكرية روسية شاركت فيها القوات البرية والجوية والبحرية على حدود جورجيا وفي بحري قزوين والأسود، مع هدف معلن هو التدخل العسكري المحتمل بهدف حفظ السلام في مناطق قد تشهد نزاعاً مسلحاً. وفي هذه الأجواء خف وزير الخارجية الألماني (بلاده تترأس مجموعة بان كيمون من أجل جورجيا التي تضم كبريات البلدان الغربية)، خف إلى المنطقة حاملاً مبادرة سلام تبدو حظوظها بالنجاح ضئيلة جداً.. اللهم إلا إذا كان نجاحها رهناً بلجوء الغربيين، على جري عادتهم عندما تضيق أمامهم السبل، إلى إلقاء جورجيا في بحر الخذلان! 
الانتقاد/ العدد1283 ـ 22 تموز/ يوليو 2008
2008-07-22