ارشيف من :آراء وتحليلات

فاصلة: حين يصبح اللبناني ملكياً أكثر من الملك..

فاصلة: حين يصبح اللبناني ملكياً أكثر من الملك..
كتبت ليلى نقولا الرحباني
في ظل الوصاية السورية على لبنان كان هناك بعض من الساسة اللبنانيين الذين يدّعون الحرص على سوريا ومصالحها، فيقومون بأعمال ويطلقون تصريحات قد تكون سوريا لم تطلبها منهم، وقد تكون قيادتها لم تكن تريدها نافرة الى هذا الحد.. كانوا سوريين أكثر من السوري نفسه.
حين انسحب الجيش السوري من لبنان وعلى أبواب الانتخابات النيابية، قام البعض من السياسيين اللبنانيين بالمزايدة على المقاومة، وأعلنوا أنهم مقاومون أكثر منها، ومع السلاح أكثر منها.. لم تطلب المقاومة وقادتها هذا الحد من الذهاب بعيداً في التأييد.. لكنهم كانوا مقاومين أكثر من المقاومة نفسها.
حين اعتدت "اسرائيل" على لبنان في 2006 أصبح بعض اللبنانيين ينظّر للقوة الاسرائيلية التي ستهزم لبنان وتجتاحه.. وعندما انهزمت "اسرائيل" وأعلن فينوغراد هذا الامر صراحة، رفض هؤلاء مقولة الهزيمة الاسرائيلية أمام ضربات المقاومة اللبنانية، ورفضوا اعتبار الانتصار اللبناني انتصاراً فعلياً وحقيقياً، بل استمروا في التركيز على الخسائر الاقتصادية وأعداد الشهداء اللبنانيين.. لم يكن الاسرائيلي يحلم بهذه الدرجة من التأييد والدفاع عنه وعن "أخلاقياته".. لقد انبرى احد العمداء المتقاعدين في الجيش اللبناني من على إحدى شاشات التلفزة، يعلن انه لو أرادت "اسرائيل" اجتياح لبنان لفعلت، لكنها أبت بسبب روادعها الأخلاقية!! كانوا اسرائيليين أكثر من الاسرائيلي نفسه.
حين بدأ الاميركيون يعدّون العدة لتفتيت الشرق الاوسط، ويعلنون ولادة الشرق الاوسط الجديد على أنقاض بلداتنا ومدننا وقرانا، وعلى جثث أطفالنا وشهدائنا، دافع هؤلاء أنفسهم عن السياسة الاميركية وعن المشروع الاميركي، ورحبوا بالبوارج القادمة، معتبرين انها لا تنتهك السيادة اللبنانية! بل اعتبروا ان السلاح اللبناني المعد للدفاع عن الوطن هو الذي ينتهك السيادة، بينما البوارج الاميركية هي حافظة للسيادة والاستقرار والاستقلال!! كانوا أميركيين أكثر من الاميركي نفسه.
وحين خافت السعودية على مصالحها في لبنان، وحين قلقت من تقلص نفوذها ونفوذ حلفائها اللبنانيين، بدأوا يفكرون في كيفية الاستماع وإطاعة "النصائح" السعودية، ينفذون أوامر الملك والحاشية ولو على حسابهم وحساب حلفائهم، قبل ان تكون على حساب إخوتهم وشركائهم في الوطن.. لم يتوانَ هؤلاء عن اعتبار أنفسهم سعوديين أكثر من السعودي نفسه.
وتتبدل الأدوار، وبعض من هنا وبعض من هناك.. فنرى الآن المسيحي أكثر من المسيحيين أنفسهم، والمتشيع شيعي أكثر من الشيعة، والمقاوم أكثر من المقاومة، والفلسطيني أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وهكذا دواليك.
والآن وغداً وبعد غد.. عندما يتبدل ميزان القوى لمصلحة أحد الأطراف الاقليميين او الدوليين، سنجد دوماً بعضاً من اللبنانيين يتبرع للدفاع والمرافعة عن الأقوى، سنراه يزايد في الوطنية والسيادية، في وقت يُنزل فيه الهراوات على رؤوس اللبنانيين والمتظاهرين والمعتصمين لمصلحة سيده.. ونشهد أزيز الرصاص وعودة القناصة خدمة لهذه الدولة أو تلك.. وتنهمر الخطابات التخوينية النافرة وتعج بها الشاشات حتى تصبح للخيانة والعمالة فلسفة خاصة.
ماذا تغير؟ انه التاريخ يتجدد مع كل مرحلة فاصلة.. فمنذ حكم العثمانيون لغاية الآن، سنجد من اللبنانيين من سيكون عميلاً وتابعاً وذليلاً.. سنجد من يتبرع بأن يكون ملكياً أكثر من الملك.
الانتقاد/ العدد1283 ـ 22 تموز/ يوليو 2008
2008-07-22