ارشيف من :أخبار عالمية
دافوس يتصنع الحياة على ضفاف البحر الميت
كتب عقيل الشيخ حسين
"تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الشرق الأوسط ـ استراتيجيات نابعة من الداخل". ذلكم هو العنوان الذي انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي ـ دافوس، تحت لوائه، هذا العام، على الجانب الأردني من البحر الميت، بحضور 1500 من القادة والرؤساء والوزراء ورجال وسيدات الأعمال وحملة جائزة نوبل من 80 بلداً. وبحضور الكلام المكرور عن النهوض والتنمية والاستثمار والفرص الواجب اقتناصها والإبداع والآمال العريضة، إلى آخر السلسلة. وبحضور الاستعراض التقليدي للمشكلات المزمنة من الديون والبيئة وأزمة الغذاء والماء والطاقة، وخصوصاً الطاقة البديلة.
بحضور كل ذلك وبغياب بيضة قبان المؤتمر: لا بحث في تداعيات الأزمة الاقتصادية على الشرق الأوسط، ولا وجود لاستراتيجيات نابعة من الداخل ولا من الخارج، بالمعنى الفعلي للاستراتيجات، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الخلفيات والأهداف المضمرة والتمنيات قابلة للاندراج في خانة الاستراتيجيات.
الحديث عن الاستراتيجيات يفترض استشراف المستقبل. لكن أحداً لم ينبس ـ في المؤتمر الذي يحتشد فيه كبار الخبراء والمخططين والمقررين الاقتصاديين ـ عن فشل هؤلاء، في توقع الأزمة المالية التي تعصف بالعالم. فهم حتى لقائهم الأخير قبل عام كانوا يكررون مقولاتهم المعروفة عن الاستثمار والازدهار في ظل توجيهات المؤسسات المالية العالمية وإملاءات بنوك الأسرة الدولية ورعاتها من مديري الشركات العابرة للقارات والتي تحولت إلى شركات عاثرة.
كل ما في الأمر، وفي ظل تجاهل الأزمة الاقتصادية وأسبابها المتمثلة في إلغاء القواعد وفتح الأبواب على مصاريعها أمام زحف الرأسمالية المتوحشة والمعولمة، استمر في التدفق سيل المصطلحات والمفاهيم المسؤولة عن إنتاج الأزمة. واستمر تألق أصحاب الأيادي التي صنعت الأزمة، ما يعني أن الاستراتيجيات القديمة، الخفية والمعلنة، ظلت سيدة الساحة. مع بعض المستجدات من نوع كثرة الكلام عن تبادل الخبرة والمعرفة والتعويل على الابتكارات والإبداعات العلمية كأداة فاعلة لتحقيق النمو المستقبلي... كما ولو أن موت النمو ليس من نتائج إبداعات التكنولوجيا غير الملائمة لمتطلبات الحياة. أليس تسريح 50 مليون موظف خلال بضعة اشهر واحدة من بركات طرد الانسان من الساحة المحتلة من قبل تكنولوجيا بطّاشة مستندة إلى علم من سلالة العلم القاروني؟
وبعيداً عن هذه الفلسفة، لا يعني الحديث عن تبادل الخبرة والمعرفة وهلمجراً غير شيء واحد هو المسار الوحيد الاتجاه لانتقال المعرفة العلمية من المركز إلى الأطراف بشكل حصري. إذ ما هي المعرفة العلمية التي يقدمها هذا البلد النامي أو ذاك للبلدان المسماة متقدمة؟ اللهم إلا إذا اعتبرنا هجرة الأدمغة العاطلة من العمل في مجتمعاتنا إسهاماً جليلاً من قبل هذه المجتمعات في دفع عجلة العلم إلى الأمام، لمصلحة الجهات المحتكرة لثمرات العلم! كل ما في الأمر أن تبادل المعرفة هو تغطية سمجة لبيع أجزاء قشرية من المعرفة العلمية غير القابلة للنمو بأثمان فاحشة لتعويم صناديق الشركات الغربية المفلسة من دريهمات الشعوب المغلوبة على أمرها، بعد ذهاب الوسطاء والمقاولين وشركائهم الرسميين بريع العمولات.
مأثرة مستجدة لدافوس البحر الميت: عقد قمة على هامش المؤتمر لما يسمى بمجموعة الدول الإحدى عشرة المتميزة بكونها ذات دخل منخفض. دول من أقاصي الشرق والغرب، بينها دول عربية، توقع اتفاقاً إطارياً للتعاون في التجارة والاقتصاد والثقافة: دول عربية لا أطر مماثلة فيما بينها تشطح نحو كوستاريكا وسيريلانكا، مع الاحترام وحفظ الألقاب. أما التعاون فتغطية سمجة، في جملة التغطيات، لاستجداء المساعدات والمنح والقروض من بلدان غنية تسرع الخطى نحو الفقر بقدر ما باتت لا تهتم إلا بضخ الترليونات في بالوعة البنوك والمؤسسات المفلسة من خلال ما تجنيه من ضرائب وما تبتزه من أصحاب الأموال البلهاء.
وإذا كان هنالك من استراتيجية حقيقية اعتمدها دافوس البحر الميت فإنها استراتيجية الانتظار: انتظار الثمار التي يفترض أن تنمو على أشجار قمة العشرين التي لم تغرس بعد والتي لا يبدو أنها ستغرس. وفي ظلال الانتظار تستمر الأزمة وتستمر تداعياتها السلبية على الشرق الأوسط.
لكن المنتدى الاقتصادي لم يكن اقتصادياً كله. كان فيه متسع كبير للسياسة. ولأنه ينعقد في الأردن، فقد سلطت الأضواء على خطاب الملك عبد الله الثاني في افتتاح جلسات المنتدى. وأبرز ما جاء في ذلك الخطاب حديثه عن "المنطقة" كما ولو أنها كل متجانس ذات مصالح واحدة. وفي هذا الإطار، لفت جلالته إلى وجود تحديات كبيرة لكنه أكد أنها لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة بمنطقتنا وتحديد مستقبلها. لكنه اعترف بوجود نزاع في المنطقة وأسماه النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، فقط لا غير. ودعا إلى حل على أساس المبادرة العربية وحل الدولتين الذي يستجيب لمصالح الجميع.
وبالطبع سمعت أصوات لافتة منها صوت مسؤول بحراني بارز دعا، بعد كل الآمال المعقودة على أميركا، إلى عدم تدخل الأميركيين في البحث عن حل للمشكلة، مطالباً بحل على طريقة السادات يوم سافر إلى "إسرائيل" وفرض عليها الحل الذي يريده! ومنها صوت رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور صائب عريقات، الذي لفت إلى أن الخطر الذي يتهدد المنطقة لا يأتي من إيران، بل من دولة الاحتلال "إسرائيل". زهرة نبتت في حقل تكتسحه الأشواك.
"تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الشرق الأوسط ـ استراتيجيات نابعة من الداخل". ذلكم هو العنوان الذي انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي ـ دافوس، تحت لوائه، هذا العام، على الجانب الأردني من البحر الميت، بحضور 1500 من القادة والرؤساء والوزراء ورجال وسيدات الأعمال وحملة جائزة نوبل من 80 بلداً. وبحضور الكلام المكرور عن النهوض والتنمية والاستثمار والفرص الواجب اقتناصها والإبداع والآمال العريضة، إلى آخر السلسلة. وبحضور الاستعراض التقليدي للمشكلات المزمنة من الديون والبيئة وأزمة الغذاء والماء والطاقة، وخصوصاً الطاقة البديلة.
بحضور كل ذلك وبغياب بيضة قبان المؤتمر: لا بحث في تداعيات الأزمة الاقتصادية على الشرق الأوسط، ولا وجود لاستراتيجيات نابعة من الداخل ولا من الخارج، بالمعنى الفعلي للاستراتيجات، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الخلفيات والأهداف المضمرة والتمنيات قابلة للاندراج في خانة الاستراتيجيات.
الحديث عن الاستراتيجيات يفترض استشراف المستقبل. لكن أحداً لم ينبس ـ في المؤتمر الذي يحتشد فيه كبار الخبراء والمخططين والمقررين الاقتصاديين ـ عن فشل هؤلاء، في توقع الأزمة المالية التي تعصف بالعالم. فهم حتى لقائهم الأخير قبل عام كانوا يكررون مقولاتهم المعروفة عن الاستثمار والازدهار في ظل توجيهات المؤسسات المالية العالمية وإملاءات بنوك الأسرة الدولية ورعاتها من مديري الشركات العابرة للقارات والتي تحولت إلى شركات عاثرة.
كل ما في الأمر، وفي ظل تجاهل الأزمة الاقتصادية وأسبابها المتمثلة في إلغاء القواعد وفتح الأبواب على مصاريعها أمام زحف الرأسمالية المتوحشة والمعولمة، استمر في التدفق سيل المصطلحات والمفاهيم المسؤولة عن إنتاج الأزمة. واستمر تألق أصحاب الأيادي التي صنعت الأزمة، ما يعني أن الاستراتيجيات القديمة، الخفية والمعلنة، ظلت سيدة الساحة. مع بعض المستجدات من نوع كثرة الكلام عن تبادل الخبرة والمعرفة والتعويل على الابتكارات والإبداعات العلمية كأداة فاعلة لتحقيق النمو المستقبلي... كما ولو أن موت النمو ليس من نتائج إبداعات التكنولوجيا غير الملائمة لمتطلبات الحياة. أليس تسريح 50 مليون موظف خلال بضعة اشهر واحدة من بركات طرد الانسان من الساحة المحتلة من قبل تكنولوجيا بطّاشة مستندة إلى علم من سلالة العلم القاروني؟
وبعيداً عن هذه الفلسفة، لا يعني الحديث عن تبادل الخبرة والمعرفة وهلمجراً غير شيء واحد هو المسار الوحيد الاتجاه لانتقال المعرفة العلمية من المركز إلى الأطراف بشكل حصري. إذ ما هي المعرفة العلمية التي يقدمها هذا البلد النامي أو ذاك للبلدان المسماة متقدمة؟ اللهم إلا إذا اعتبرنا هجرة الأدمغة العاطلة من العمل في مجتمعاتنا إسهاماً جليلاً من قبل هذه المجتمعات في دفع عجلة العلم إلى الأمام، لمصلحة الجهات المحتكرة لثمرات العلم! كل ما في الأمر أن تبادل المعرفة هو تغطية سمجة لبيع أجزاء قشرية من المعرفة العلمية غير القابلة للنمو بأثمان فاحشة لتعويم صناديق الشركات الغربية المفلسة من دريهمات الشعوب المغلوبة على أمرها، بعد ذهاب الوسطاء والمقاولين وشركائهم الرسميين بريع العمولات.
مأثرة مستجدة لدافوس البحر الميت: عقد قمة على هامش المؤتمر لما يسمى بمجموعة الدول الإحدى عشرة المتميزة بكونها ذات دخل منخفض. دول من أقاصي الشرق والغرب، بينها دول عربية، توقع اتفاقاً إطارياً للتعاون في التجارة والاقتصاد والثقافة: دول عربية لا أطر مماثلة فيما بينها تشطح نحو كوستاريكا وسيريلانكا، مع الاحترام وحفظ الألقاب. أما التعاون فتغطية سمجة، في جملة التغطيات، لاستجداء المساعدات والمنح والقروض من بلدان غنية تسرع الخطى نحو الفقر بقدر ما باتت لا تهتم إلا بضخ الترليونات في بالوعة البنوك والمؤسسات المفلسة من خلال ما تجنيه من ضرائب وما تبتزه من أصحاب الأموال البلهاء.
وإذا كان هنالك من استراتيجية حقيقية اعتمدها دافوس البحر الميت فإنها استراتيجية الانتظار: انتظار الثمار التي يفترض أن تنمو على أشجار قمة العشرين التي لم تغرس بعد والتي لا يبدو أنها ستغرس. وفي ظلال الانتظار تستمر الأزمة وتستمر تداعياتها السلبية على الشرق الأوسط.
لكن المنتدى الاقتصادي لم يكن اقتصادياً كله. كان فيه متسع كبير للسياسة. ولأنه ينعقد في الأردن، فقد سلطت الأضواء على خطاب الملك عبد الله الثاني في افتتاح جلسات المنتدى. وأبرز ما جاء في ذلك الخطاب حديثه عن "المنطقة" كما ولو أنها كل متجانس ذات مصالح واحدة. وفي هذا الإطار، لفت جلالته إلى وجود تحديات كبيرة لكنه أكد أنها لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة بمنطقتنا وتحديد مستقبلها. لكنه اعترف بوجود نزاع في المنطقة وأسماه النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، فقط لا غير. ودعا إلى حل على أساس المبادرة العربية وحل الدولتين الذي يستجيب لمصالح الجميع.
وبالطبع سمعت أصوات لافتة منها صوت مسؤول بحراني بارز دعا، بعد كل الآمال المعقودة على أميركا، إلى عدم تدخل الأميركيين في البحث عن حل للمشكلة، مطالباً بحل على طريقة السادات يوم سافر إلى "إسرائيل" وفرض عليها الحل الذي يريده! ومنها صوت رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور صائب عريقات، الذي لفت إلى أن الخطر الذي يتهدد المنطقة لا يأتي من إيران، بل من دولة الاحتلال "إسرائيل". زهرة نبتت في حقل تكتسحه الأشواك.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018