ارشيف من :أخبار عالمية
تبييض الجرائم الصهيونية
المحرر الاقليمي + "الخليج"
لم تُخلق الأمم المتحدة في الأصل من أجل حماية المظلومين، وإنما لخدمة مصالحَ الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. لكنها سرعان ما أصبحت ما بعد فترة استقلال الدول النامية أكثر استجابة لمصالح هذه البلدان على الأقل في الجمعية العامة. وبقي مجلس الأمن في أيدي البلدان الكبرى يعكس اتفاق مصالحها كما تضاربها.
وبعد انتهاء الحرب الباردة، بدأت الدول الكبرى، وبالذات الولايات المتحدة، هجمة لإضعاف الجمعية العامة التي هي في الأصل ضعيفة لأن قراراتها ليست ملزمة، سواء من خلال الارتداد على بعض قراراتها الكبرى مثل اعتبار الصهيونية عنصرية أو من خلال استيعاب البلدان النامية لمنعها من اتخاذ قرارات محرجة. وازدادت قبضة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة، وبالذات أمانتها العامة، خلال فترة جورج بوش الابن الذي لم يتوانَ عن استخدامها لإضفاء الشرعية على مغامراته الحربية والعدوانية.
الأمم المتحدة، الآن على ما يبدو، تستخدم من أجل تبييض الجرائم التي ترتكبها “إسرائيل”. ولعل خير مثال على ذلك اللجنة المشكلة برئاسة ريتشارد غولدستون لاستقصاء احتمال ارتكاب جرائم حرب في غزة. اللجنة تنطلق من فرضية التساوي بين الجلاد والضحية، فليست “إسرائيل” فقط متهمة بارتكاب جرائم حرب، وإنما الفلسطينيون أيضاً متهمون بذلك من خلال القول إنهم أطلقوا صواريخهم من دون تمييز على المستوطنات الصهيونية. الفرضية تضيّع أم الجرائم، أي الاحتلال نفسه الذي بحكم التعريف يعني الاستيلاء والاغتصاب والقتل، وتجعل المشكلة حرباً بين طرفين ارتكبا خلال اشتباكهما جرائم حرب.
إنها لا تبحث في الاحتلال أولاً، بحكم أنه مصدر الجرائم كلها، وهي لا تبحث العدوان الصهيوني وإنما تستقصيه كحالة حرب. فرضيتان تجعلان من نتائج التحقيق مميعة للحقيقة، لأنها قد تصل إلى أن الطرفين ارتكبا جرائم حرب حتى لو أن أحدهما ارتكب معظم الجرائم، لكن في النهاية من الناحية السياسية والقانون الإنساني “كلاهما مجرم”.
بكل بساطة تتحول الضحية إلى “مجرم” وتدان لأنها دافعت عن وجودها وعن حياتها. وتبرّأ “إسرائيل” بالتداعي من كونها معتدية، ويتكرس معها أيضاً مفهوم أن كل الصراع لا يتعدى أن يكون بين طرفين لا يعرفان فن حسن الجوار.
أي حال بلغته الازدواجية في الالتفاف على الحقائق، تجاه كيان عنصري يمارس إرهابه على مرأى من العالم كله، ومع ذلك يجد من يحاول تبييض صفحة سجله الإجرامي، على حساب ملايين الضحايا، شهداء وجرحى ومشردين، في محرقة فلسطين المستمرة منذ أكثر من ستة عقود إلى الآن؟
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018