ارشيف من :آراء وتحليلات

لائحة التضامن الطرابلسية في حالة اهتزاز: المطلوب إنجاح ميقاتي مجرداً من أوراق قوته

لائحة التضامن الطرابلسية في حالة اهتزاز: المطلوب إنجاح ميقاتي مجرداً من أوراق قوته
كتب ابراهيم صالح
منذ ايام قليلة كتب احد الصحافيين الموالين جداً لآل الحريري، مقالاً في صحيفة بارزة في جنوحها نحو فريق الموالاة، يدعو فيه صراحة الى التصويت بكثافة وعلانية لمرشح من خارج لائحة "التضامن الطرابلسية" هو النائب مصباح الاحدب.
لم يكن الامر مستغرباً فهذه اللائحة كانت منذ انطلاقتها اسماً على غير مسمى، فهي لائحة هجينة، ركبت كما هو معلوم على عجل من ثلاث قوى طرابلسية، هي تيار الرئيس نجيب ميقاتي، تيار "المستقبل" وتيار الوزير محمد الصفدي. وكان المقصود بهذه "الخلطة العجيبة"، هدفان اساسيان، الاول الحيلولة دون حدوث معركة انتخابية بين هذه القوى المؤتلفة، من شأنها لو حصلت ان تخلط الاوراق، وتعيد رسم المعادلات في عاصمة الشمال، ومن شأنها ايضاً ان تسمح لمرشحين آخرين في مقدمهم الرئيس عمر كرامي، بالنجاح بسهولة ويسر.
الثاني، انفاذاً لنصيحة سعودية صارت معروفة، تنهض على فكرة لمّ شمل الساحة السنية، واستيعاب القوى والشخصيات الخارجة عن فلك آل الحريري، وإرضائها مع استثناء قوى وشخصيات اساسية هي الرئيس كرامي، والنائب والوزير السابق عبد الرحيم مراد، والنائب اسامة سعد اضافة الى القوى الاسلامية التي تشكل "جبهة العمل الاسلامي" برئاسة الداعية فتحي يكن عمودها الفقري الى شخصيات اخرى مثل النائب السابق وجيه البعريني، والنائب السابق جهاد الصمد.
وبناءً على هذا التوجه، كان مطلوباً من تيار "المستقبل" التضحية ببعض المحسوبين عليه في طرابلس في مقابل الحيلولة دون تأليف ميقاتي لائحة وحده.
وصار معلوماً ان عملية تأليف هذه اللائحة، او بمعنى آخر عملية استرضاء ميقاتي كانت مخاضاً عسيراً.
فإذا كان الوزير الصفدي قبل وارتضى بأقل الاثمان كونه كان تعرض في السابق لعملية تأديب وتدجين قويّة ادت الى فرط كتلته النيابية والى احكام الحصار السياسي حوله وتهديد مصالحه الاقتصادية، فإن الواضح ان ميقاتي، أبدى "مقاومة" أعنف وأشد، فطالب اولاً بحصة تصل الى اربعة نواب (بينهم النائب السابق جان عبيد)، موزعين على دائرتي طرابلس والضنية ـ المنية، ثم اضطر الى التنازل فقبل اخيراً بمرشح واحد يسميه احمد كرامي.
وبرغم ان هذا الرجل يعتبر واحدا مما صار يعرف برموز "الوصاية السورية"، وكان في دورة انتخابات عام 2005 من اركان لائحة المعارضة، فإن "طباخي" اللائحة الائتلافية، اختاروه دون سواه لاعتبارات عدة ابرزها:
ان الرجل يمكن ان يحدث انقساماً في قاعدة الزعامة الكرامية في طرابلس، فهو ابن عم الرئيس كرامي.
ان الرجل نقطة الضعف او الخاصرة الرخوة فهو لا حول له ولا قوة، ولن يكون لسقوطه المحتمل اي دوي او صدى.
على هذا الاساس، صار احمد كرامي، منذ البداية في ذهن المراقبين، شخصاً بدلاً عن ضائع و"مرشحاً" للسقوط والمقايضة به.
لذا صار الشخص، مرمى التصويب الابرز عند الطامعين بخرق لائحة "التضامن الطرابلسية"، وفي مقدم هؤلاء النائب الاحدب. فالمعروف ان هذا النائب قد "جن جنونه" عند استبعاده عن اللائحة برغم كل ما قدمه من "خدمات" جلى لفريق الموالاة، وبرغم كل "تطرفه" المعروف وقبوله بمهمات قذرة لم يكن يقبل بها سواه، كونه اعتاد على كسر الكثير من الحرمات الاخلاقية والانسانية.
وعليه، فقد سلك هذا النائب ثلاثة مسالك ليرضى عنه جمهور تيار "المستقبل" وهي:
اظهار نفسه بمظهر الضحية والمقصي قسراً عن اللائحة برغم كل ما قدمه خدمة لتيار "المستقبل" وتبنياً لرؤاه.
التصويب اليومي على الخاصرة الرخوة في اللائحة وهو النائب السابق احمد كرامي واعتباره رمزاً من رموز "الوصاية السورية".
الاعلان صراحة عن ان جمهور "المستقبل" سيصوت له بكثافة.
وهكذا خلال الايام القليلة الماضية، تعرضت لائحة "التضامن الطرابلسية" لهزات وارتدادات عدة، اظهرت ضعف تماسكها، واظهرت ايضاً ان "قطبها" الثاني ميقاتي قد وضع في وضع صعب جداً، فثمة بوادر ومؤشرات تثبت بأن المرشح المحسوب عليه في اللائحة معرض للسقوط، لأن "العهد" الذي أعطاه اياه تيار "المستقبل" ليس جدياً اطلاقاً.
وبرغم ان القيمين على اللائحة بذلوا جهوداً سياسية واعلامية ضخمة خلال الايام القليلة الماضية لإظهار تماسكها، ولدحض المعلومات السارية عن ان احمد كرامي أتي به الى متن اللائحة "لفض الاشكال"، فإن ذلك لم يبدد بعد كل المناخات التي تشير الى ان المقصود فعلاً هو تمهيد الاجواء لضمان نجاح النائب الاحدب مكان كرامي، انفاذاً لتوجه ضمني لدى تيار "المستقبل"، يقضي بضمان نجاح ميقاتي وحده، لغايتين، الاولى استيعابه سياسياً، وثانياً لقطع الطريق على طموحاته المعلنة، بأن يكون حالة طرابلسية وسنية سياسية لها حيثيتها يمكن ان تعبر مجدداً الى رئاسة الحكومة، كمرشح "توافقي" في المرحلة المقبلة.
وتجدر الاشارة، الى ان هذه "الضربة" السياسية المرجحة لميقاتي من خلال قرار ضمني بإسقاط مرشحه الوحيد في اللائحة، ليست الاولى من نوعها، فالمعلوم ان الرجل تلقى الضربة نفسها بُعيد انتخابات عام 2005. فمن المعلوم ان ميقاتي ولي عشية هذه الانتخابات رئاسة حكومة انتقالية بعد استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي، مهمتها الاشراف على الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك العام.
وفي مقابل عدم ترشحه للانتخابات في الشمال، وُعد ميقاتي بأن يكون هو الرئيس المقبل لأول حكومة تؤلف بعد هذه الانتخابات لاعتبارات عدة ابرزها ان الرجل ظهر يومها بمظهر التوافقي الذي يمكن ان يرضي كل القوى.
ولكن ولأن تيار "المستقبل"، وقوى 14 شباط والقوى الداعمة لها كانت تستبطن مخططاً آخر عنوانه تغيير هوية لبنان وشخصيته، فإن الشباطيين
أخلّوا بالوعد المضروب له وأزاحوه ليسلموا "المهمة" غير النبيلة للرئيس فؤاد السنيورة.
ومع ان ميقاتي انكفأ لبعض الوقت معبراً همساً عن مدى المرارة التي يشعر بها من جراء"الغدر" به والحنث بالوعود التي اعطيت له، فإنه اختار ان يتبنى خطاباً "مرناً" تارة و"توافقياً" تارة اخرى، وحيادياً في اغلب الاحيان من دون ان يوقف حراكه في الساحة الطرابلسية ويجذر حضوره السياسي عبر جمعية اجتماعية ومساعدات وخدمات مالية يقدمها، ما سبب الكثير من الاشكالات مع تيار "المستقبل" الذي كان بالمرصاد لكل شخصية سنية تفكر بالخروج عن طوعه، وتشكل منافساً محتملاً له.
لذا، فإن في الاوساط الطرابلسية من يتحدث عن ان اسقاط كرامي من اللائحة المهتزة، يحقق هدفين في وقت واحد، يمهد الطريق لاحتمال نجاح الاحدب، ويفسح المجال امام عودة ميقاتي الى الندوة البرلمانية، ولكنه مجرداً تماماً من اي اوراق قوة، تبيح له اشهار طموحاته التي تتعدى كما هو معروف، حدود كرسي في مجلس النواب المقبل.
اما عن امكانية حصول "تشطيب" يفضي الى اسقاط عضو اللائحة عن المقعد الماروني (مرشح الكتائب) سامر سعادة الذي أتي به من البترون لفض الاشتباك الذي حصل بين الكتائب و"القوات اللبنانية" ليكون ذلك لمصلحة النائب السابق جان عبيد، فإن فرصه تبددت في الايام القليلة الماضية، لأن المطلوب بالنسبة لتيار "المستقبل" دعم الكتائب دون سواه في الشارع المسيحي.
الانتقاد/ العدد1347 ـ 22 أيار/ مايو 2009
2009-05-22