ارشيف من :آراء وتحليلات
نتنياهو في واشنطن: أسئلة الزيارة ومرحلة ما بعدها

كتب مصطفى الحاج علي
ثلاثة أسئلة متداخلة تختصر زيارة نتنياهو الى واشنطن:
1 ـ كيف يمكن مطابقة الأولويات الأميركية مع الأولويات الإسرائيلية؟
2 ـ كيف يمكن نجدة عرب أميركا من الوضع المزري الذي هم عليه؟
3 ـ كيف يمكن مواجهة الملف النووي الإيراني، ومن ورائه كل محور المقاومة والممانعة في المنطقة؟
لم يعد سراً، أن الأولويات الاميركية هي غير الأولويات الإسرائيلية: الولايات المتحدة ترى أن هناك حاجة استراتيجية ملحة للتفاوض مع إيران، نظراً للموقع الجيواستراتيجي الحساس والمهم في خريطة أزمات وتحديات ومشاكل الولايات المتحدة على امتداد رقعة الشرق الأوسط، الكيان الإسرائيلي يرى في إيران تحدياً وجودياً، بل خطراً وجودياً ماثلاً وناجزاً، حيث نجحت في فرض حقيقتين لم يعد بمقدور أحد تجاوزهما: انزال القوة والقدرة الإسرائيليتين من حدود المطلق الى حدود النسبي، وإيجاد توازن نووي من خلال انجاز الطاقة النووية للأغراض السلمية، التي تعني بدورها كسر احتكار الكيان الإسرائيلي لهذا النوع من الطاقة، ولهذا النوع من التكنولوجيا. القراءة المباشرة لهاتين الحقيقتين ان المكانة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي الذي يعني بدوره تراجعاً في الوظيفة الاستراتيجية لهذا الكيان، من هنا، يبدو هذا الكيان مدفوعاً الى عمل عسكري يكفل اجراء تعديل في موازين القوى وبالاتجاه الذي يمكّنه من استرجاع مكانته ووظيفته الاستراتيجية السابقتين.
التباين هنا، ليس بسيطاً ولا شكلياً، وإنما تباين عميق بكل مكوّناته ودلالاته الاستراتيجية، لا سيما إذا ما أخذنا بالاعتبار الانزياح في مواقع الثقل الاقليمية باتجاه إيران وتركيا على حساب الثقل العربي ـ الرسمي، وحدها سوريا من دون باقي الأنظمة العربية، تشبك علاقات قوية مع هذين الموقعين بما يكفل لها الاحتفاظ بدور حيوي.
على صعيد آخر، من المعروف أن عرب اميركا هم أكثر من يعاني بفعل فشل المشروع الأميركي في المنطقة نظراً لكونهم الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة.
لا يملك هؤلاء العرب من خيارات إلا خيار التسوية باعتباره المدخل الوحيد لترميم شرعيتهم السياسية المنهارة. ان الحال المزرية لهؤلاء تزيد من قابليتهم لتقديم كل التنازلات المطلوبة لإنجاح التسوية، كما تزيد من استعدادهم لعمل كل ما يلزم في هذا الإطار، لا سيما على صعيد بذل الضغوط المطلوبة على الواقع الفلسطيني المستعصي حتى الآن بفعل مقاومة وصمود غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير.
هذا الواقع من شأنه أيضاً أن يجعله مكشوفاً أمام الضغوط والإملاءات الاميركية، وأمام شهوة الإسرائيلي للحصول على الحد الأقصى الممكن، مقابل تجاوبه مع متطلبات التسوية.
في هذا الإطار، يظهر الاميركي إلحاحاً وجدية في ما يتعلق بمسألة التسوية التي يعتبرها شرطاً ضرورياً في مواجهة إيران والتفاوض معها، مقابل برودة اسرائيلية، فالاميركي يرى فرصة متاحة يجب استغلالها لإنجاز تسوية نهائية، في حين ان الاسرائيلي يريد المراوحة ضمن الحد الأدنى، وفرض المزيد من الأمر الواقع. ان جسر الهوة بين الموقفين الاميركي والاسرائيلي قد يتم من خلال أحد الاحتمالات التالية:
أ ـ موافقة اسرائيلية على الانخراط في التسوية بدون التزام واضح وعلني بمبدأ حل الدولتين، والذهاب بالتالي الى طاولة التفاوض للتفاوض فقط، وبما يكفل تقطيع الوقت وصولاً الى استكشاف أفق الحوار والتفاوض الاميركي ـ الايراني، فإذا كانت حصيلته ايجابية قد يقدم الكيان على الانخراط بجدية أكبر يتم ضبطها على إيقاع درجة التنازلات العربية، وإذا كانت الحصيلة فشلاً سيعمد حينئذٍ الى استغلال ذلك للضغط باتجاه القيام بعمل عسكري بذريعة أن عامل الوقت بات داهماً، ولا يمكن السماح لإيران بالوصول الى انتاج سلاح نووي.
ب ـ دفع عرب اميركا والسلطة الفلسطينية الى الدفع مقدماً كل التنازلات المطلوبة والتي لا يستطيع الإسرائيلي رفضها، وبما يدفعه الى انجاز تسوية تشكل مدخلاً لتطبيع وجوده، ولإنشاء تحالف موضوعي في مواجهة محور إيراني سوري والمقاومة في فلسطين وفي لبنان.
الاحتمال الأول، يبدو مرجحاً أكثر نظراً لطبيعة الحكومة الاسرائيلية الحالية وتوازناتها الهشة، ونظراً لعدم توافر أية ضمانات مطلبية باحتمال انجاز التسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، لوجود عقبات موضوعية أمامها ليس من السهل تجاوزها أو كسرها.
من الواضح، أن كل ما تقدم يصب في محصلته النهائية في إطار معالجة السؤال الثالث.
لكن تبقى هنا ملاحظات لا بد منها، وهي:
أولاً: إن كل ما يجري تحضيره يستلزم استمرار الضغوط بل وتقويتها على مواقع المقاومة في فلسطين ولبنان، وهذا ما يفسر ابقاء غزة تحت الحصار المصري والعربي ـ الاميركي، كما يفسر منطوق ومفهوم الخطاب الانتخابي لفريق الرابع عشر من آذار، هذا الخطاب يتجاوز متطلبات التحميس الانتخابي الى محاكاة متطلبات المرحلة المقبلة. إن حصار المقاومة بالضغوط والإرباك يبقى هدفاً مطلوباً، سواء ذهبت المنطقة الى التسوية، أم إذا قرر الاسرائيلي شن حرب على إيران، وهذا ما يتطلب يقظة شاملة وجهوزية أشمل.
وفي هذا الإطار العميق تتموضع مواقف سماحة الأمين العام لحزب الله الأخيرة ببعدها الداخلي، وبعدها المتصل بالخطر الاسرائيلي.
ثانياً: إن دمشق بدورها مستهدفة لكن وفق مبدأ ديبلوماسية الحضن الدافئ، ومحاصرتها بلعبة الحوار، من دون أن يكون له أفق سياسي بالضرورة، وذلك لتحييد نفوذها عن حركة التسوية على المسار الفلسطيني من جهة، ولتحييدها عن أي حرب يمكن أن تشن ضد إيران.
ثالثاً: خلاصة ما تقدم تؤكد أن الأشهر المقبلة وتحديداً من الآن وحتى مطلع العام المقبل ستكون حاسمة في الاضاءة على وجهة الأمور على كافة المستويات، ولذا من المتوقع أن تكون مرحلة عامرة بالتجاذبات السياسية وغير السياسية في إطار صراع الخيارات القصوى مجدداً.
الانتقاد/ العدد1347 ـ 22 أيار/ مايو 2009
ثلاثة أسئلة متداخلة تختصر زيارة نتنياهو الى واشنطن:
1 ـ كيف يمكن مطابقة الأولويات الأميركية مع الأولويات الإسرائيلية؟
2 ـ كيف يمكن نجدة عرب أميركا من الوضع المزري الذي هم عليه؟
3 ـ كيف يمكن مواجهة الملف النووي الإيراني، ومن ورائه كل محور المقاومة والممانعة في المنطقة؟
لم يعد سراً، أن الأولويات الاميركية هي غير الأولويات الإسرائيلية: الولايات المتحدة ترى أن هناك حاجة استراتيجية ملحة للتفاوض مع إيران، نظراً للموقع الجيواستراتيجي الحساس والمهم في خريطة أزمات وتحديات ومشاكل الولايات المتحدة على امتداد رقعة الشرق الأوسط، الكيان الإسرائيلي يرى في إيران تحدياً وجودياً، بل خطراً وجودياً ماثلاً وناجزاً، حيث نجحت في فرض حقيقتين لم يعد بمقدور أحد تجاوزهما: انزال القوة والقدرة الإسرائيليتين من حدود المطلق الى حدود النسبي، وإيجاد توازن نووي من خلال انجاز الطاقة النووية للأغراض السلمية، التي تعني بدورها كسر احتكار الكيان الإسرائيلي لهذا النوع من الطاقة، ولهذا النوع من التكنولوجيا. القراءة المباشرة لهاتين الحقيقتين ان المكانة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي الذي يعني بدوره تراجعاً في الوظيفة الاستراتيجية لهذا الكيان، من هنا، يبدو هذا الكيان مدفوعاً الى عمل عسكري يكفل اجراء تعديل في موازين القوى وبالاتجاه الذي يمكّنه من استرجاع مكانته ووظيفته الاستراتيجية السابقتين.
التباين هنا، ليس بسيطاً ولا شكلياً، وإنما تباين عميق بكل مكوّناته ودلالاته الاستراتيجية، لا سيما إذا ما أخذنا بالاعتبار الانزياح في مواقع الثقل الاقليمية باتجاه إيران وتركيا على حساب الثقل العربي ـ الرسمي، وحدها سوريا من دون باقي الأنظمة العربية، تشبك علاقات قوية مع هذين الموقعين بما يكفل لها الاحتفاظ بدور حيوي.
على صعيد آخر، من المعروف أن عرب اميركا هم أكثر من يعاني بفعل فشل المشروع الأميركي في المنطقة نظراً لكونهم الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة.
لا يملك هؤلاء العرب من خيارات إلا خيار التسوية باعتباره المدخل الوحيد لترميم شرعيتهم السياسية المنهارة. ان الحال المزرية لهؤلاء تزيد من قابليتهم لتقديم كل التنازلات المطلوبة لإنجاح التسوية، كما تزيد من استعدادهم لعمل كل ما يلزم في هذا الإطار، لا سيما على صعيد بذل الضغوط المطلوبة على الواقع الفلسطيني المستعصي حتى الآن بفعل مقاومة وصمود غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير.
هذا الواقع من شأنه أيضاً أن يجعله مكشوفاً أمام الضغوط والإملاءات الاميركية، وأمام شهوة الإسرائيلي للحصول على الحد الأقصى الممكن، مقابل تجاوبه مع متطلبات التسوية.
في هذا الإطار، يظهر الاميركي إلحاحاً وجدية في ما يتعلق بمسألة التسوية التي يعتبرها شرطاً ضرورياً في مواجهة إيران والتفاوض معها، مقابل برودة اسرائيلية، فالاميركي يرى فرصة متاحة يجب استغلالها لإنجاز تسوية نهائية، في حين ان الاسرائيلي يريد المراوحة ضمن الحد الأدنى، وفرض المزيد من الأمر الواقع. ان جسر الهوة بين الموقفين الاميركي والاسرائيلي قد يتم من خلال أحد الاحتمالات التالية:
أ ـ موافقة اسرائيلية على الانخراط في التسوية بدون التزام واضح وعلني بمبدأ حل الدولتين، والذهاب بالتالي الى طاولة التفاوض للتفاوض فقط، وبما يكفل تقطيع الوقت وصولاً الى استكشاف أفق الحوار والتفاوض الاميركي ـ الايراني، فإذا كانت حصيلته ايجابية قد يقدم الكيان على الانخراط بجدية أكبر يتم ضبطها على إيقاع درجة التنازلات العربية، وإذا كانت الحصيلة فشلاً سيعمد حينئذٍ الى استغلال ذلك للضغط باتجاه القيام بعمل عسكري بذريعة أن عامل الوقت بات داهماً، ولا يمكن السماح لإيران بالوصول الى انتاج سلاح نووي.
ب ـ دفع عرب اميركا والسلطة الفلسطينية الى الدفع مقدماً كل التنازلات المطلوبة والتي لا يستطيع الإسرائيلي رفضها، وبما يدفعه الى انجاز تسوية تشكل مدخلاً لتطبيع وجوده، ولإنشاء تحالف موضوعي في مواجهة محور إيراني سوري والمقاومة في فلسطين وفي لبنان.
الاحتمال الأول، يبدو مرجحاً أكثر نظراً لطبيعة الحكومة الاسرائيلية الحالية وتوازناتها الهشة، ونظراً لعدم توافر أية ضمانات مطلبية باحتمال انجاز التسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، لوجود عقبات موضوعية أمامها ليس من السهل تجاوزها أو كسرها.
من الواضح، أن كل ما تقدم يصب في محصلته النهائية في إطار معالجة السؤال الثالث.
لكن تبقى هنا ملاحظات لا بد منها، وهي:
أولاً: إن كل ما يجري تحضيره يستلزم استمرار الضغوط بل وتقويتها على مواقع المقاومة في فلسطين ولبنان، وهذا ما يفسر ابقاء غزة تحت الحصار المصري والعربي ـ الاميركي، كما يفسر منطوق ومفهوم الخطاب الانتخابي لفريق الرابع عشر من آذار، هذا الخطاب يتجاوز متطلبات التحميس الانتخابي الى محاكاة متطلبات المرحلة المقبلة. إن حصار المقاومة بالضغوط والإرباك يبقى هدفاً مطلوباً، سواء ذهبت المنطقة الى التسوية، أم إذا قرر الاسرائيلي شن حرب على إيران، وهذا ما يتطلب يقظة شاملة وجهوزية أشمل.
وفي هذا الإطار العميق تتموضع مواقف سماحة الأمين العام لحزب الله الأخيرة ببعدها الداخلي، وبعدها المتصل بالخطر الاسرائيلي.
ثانياً: إن دمشق بدورها مستهدفة لكن وفق مبدأ ديبلوماسية الحضن الدافئ، ومحاصرتها بلعبة الحوار، من دون أن يكون له أفق سياسي بالضرورة، وذلك لتحييد نفوذها عن حركة التسوية على المسار الفلسطيني من جهة، ولتحييدها عن أي حرب يمكن أن تشن ضد إيران.
ثالثاً: خلاصة ما تقدم تؤكد أن الأشهر المقبلة وتحديداً من الآن وحتى مطلع العام المقبل ستكون حاسمة في الاضاءة على وجهة الأمور على كافة المستويات، ولذا من المتوقع أن تكون مرحلة عامرة بالتجاذبات السياسية وغير السياسية في إطار صراع الخيارات القصوى مجدداً.
الانتقاد/ العدد1347 ـ 22 أيار/ مايو 2009