ارشيف من :آراء وتحليلات

موسم الحج الى واشنطن: ما وراء الحماسة الأميركية للتسوية

موسم الحج الى واشنطن: ما وراء الحماسة الأميركية للتسوية
كتب المحرر السياسي
تتحول واشنطن الى محور لقاءات رئيسية شملت حتى الآن الملك الأردني كمندوب عربي ـ رسمي، ورئيس مجلس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، ومن المتوقع أن يزور واشنطن في المدى المنظور كل من الرئيس المصري حسني مبارك، ورئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، هذا في الوقت الذي تتوالى فيه الزيارات الاميركية الى دمشق، والتي سيصلها قريباً ممثل أوباما ميتشل المكلف بمتابعة ملف التسوية.
دمشق نفسها أيضاً كانت محطة لزيارة مهمة لرئيس تركيا عبد الله غل، وفي خضم هذا المناخ استؤنفت في القاهرة المباحثات الفلسطينية ـ الفلسطينية على وقع الخلاف حول إعادة تكليف سلام فياض برئاسة الحكومة الجديدة بعد إعادة تشكيلها.
وثمة إشارة ضرورية هنا لاتصالها بالموضوع وتتمثل بالموقف الأخير الذي صدر عن مجلس الأمن والمتصل بالتسوية، إضافة الى التحضير الروسي لعقد مؤتمر دولي في موسكو للغرض نفسه.
إن القاسم المشترك الرئيسي بين مجمل هذه التحركات، وعنوانها المظلل لها هو استئناف المفاوضات، خصوصاً على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والمسار السوري ـ الإسرائيلي، والمسار اللبناني ـ الإسرائيلي أيضاً، وإن بدرجة اهتمام أقل.
وإذا صحّت المعطيات التي تتحدث عن أن أوباما سيطلق أثناء زيارته المرتقبة الى مصر معالم خطته للتسوية، وضمناً اليها مواقف حاسمة، خصوصاً من مسألة تبني فكرة الدولتين، والانسحاب الى حدود العام 1967، في مقابل غض النظر عن مسألة حق العودة، وتشريع الباب أمام الكيان الإسرائيلي لتطبيع وجوده وعلاقاته مع 57 دولة عربية وإسلامية، فإن مجمل الحراك الآنف يندرج في سياق تهيئة المناخ التسووي في المنطقة على نطاق اقليمي، وربما يمهد الطريق أمامها على أكثر من صعيد.
في هذا الإطار، تبدو التسوية هي المفتاح لقراءة الأمور، كما أنها تبدو الخيار الوحيد المتاخ أمام الجميع في ظل  تعذر الخيارات الأخرى لا سيما خيارات الحروب، وفي ظل الخوف المريع في أن يؤدي أي تأخير في انعاش المسار التسووي في المنطقة الى انهيارات أشمل للواقع الرسمي، العربي الملحق بأميركا، وبالتالي بالمصالح الاميركية.
يضاف الى ذلك، أن دفع التسوية في المنطقة هو جزء من نظرة أميركية أشمل تتصل بتحضير المسرح الخاص بالمفاوضات مع إيران، وإذا كان التقدير أن المواعيد المضروبة لانطلاق عجلة التسوية هي في تموز أو آب المقبلين، في حين أن الموعد المعلن لانطلاق التفاوض في تشرين الأول، فإن هذه المواعيد لا تبدو مجرد مصادفة، بقدر ما هي مواعيد مدروسة، حيث يراد من التسوية أن تعزز الموقع التفاوضي لواشنطن في مواجهة ايران.
لا يقف الأمر عند حدود التكتيك التفاوضي، بل يمتد ليشمل في الوقت نفسه احتواء وتفكيك حلقات محور المقاومة والممانعة في المنطقة. الدور المناط بالنظام المصري مزدوج الأداة، استغلال لعبة التفاوض الفلسطيني ـ الفلسطيني لمصلحة السلطة، وفي الحد الأدنى يستهدف ايجاد حل يكفل اعادة انتاج سلطة، لكن بشرط رئيسي هو أن يكون القبول بالتسوية ومستلزماتها ومندرجاتها البند الأول على طاولتها، والثاني، محاولة النيل من صورة حزب الله والمقاومة اقليمياً لحرمانه من مداه الشعبي الحيوي.
وهناك الدور المناط بالفريق اللبناني الموسوم باسم الرابع عشر من آذار، والذي لا يتورع ولن يتورع عن استخدام كل المحرضات في الانتخابات وبعدها للنيل من المقاومة ومحاصرتها داخلياً بالمؤامرات والافخاخ التي لا تنتهي.
وهناك سوريا، التي تبقى المستهدف الرئيسي أوروبياً وأميركياً وحتى من قبل عرب اميركا، حيث المطلوب جذب دمشق بعيداً عن إيران من خلال تقديم كل الاغراءات المناسبة لها، وفتح خيارات أخرى ملائمة.
في هذا الإطار، لا تبدو تركيا بعيدة عن هذا التوجه العام. صحيح أن اسطنبول تبحث عن موقع ودور يلائم بين متطلبات حاجاتها الاقتصادية والسياسية وموقعها الجيوبوليتيكي في المنطقة، خصوصاً في ظل استمرار انسداد أفق احتمالات دخولها الى الاتحاد الأوروبي، وصحيح أيضاً، أن تركيا تجد في لحظة انهيار النظام العربي ـ الاقليمي، وانزياح مراكز الثقل فيه الى خارجه خصوصاً باتجاه ايران وسوريا في مواجهة الكيان الاسرائيلي، فرصة سانحة لملء الفراغ وانتزاع موقع ودور، وهذا ما يجعل من دمشق ممراً طبيعياً باعتباره نقطة العقدة الرئيسية عربياً، الا أن لتركيا وجهاً آخر يجب أن لا ننساه ويتمثل بكونها عضوا في الحلف الأطلسي، وحليفة تاريخية للولايات المتحدة، كما تربطها بالكيان الاسرائيلي علاقات جيدة، والأمر عينه ينطبق على علاقاتها بعرب واشنطن، في هذا الإطار، تبدو تركيا هي الأقرب والأقدر بالمعنى الجيوبوليتيكي للكلمة على أن تشكل محور جذب لدمشق بعيداً عن طهران، ولمصلحة خيار التسوية في المنطقة، وبما يقلب التوازنات فيها.
خلاصة الأمر، أن كل ما يجري يبدو أن المستهدف الرئيسي فيه هو إيران، إلا أن ما يجري أيضاً لا يعدو مجرد محاولات ورهانات لن يكتب لها النجاح لافتقادها للشروط المطلوبة على أكثر من صعيد، وبالتالي، فإن محاولة عزل إيران سياسياً أو تصويرها وكأنها البقية الباقية التي تعترض على التسوية في المنطقة لن يكتب لها النجاح، لأن خيار المقاومة بات متجذراً فيها أكثر مما يدرك كثيرون، وبالتالي  المنطقة ومن ضمنها لبنان مقبلان على تجاذب سياسي حاد في المرحلة المقبلة عنوانه: الاستسلام أو المقاومة، وهذا هو العنوان الأساسي لصراع الخيارات في الانتخابات النيابية المقبلة.
وما موقف سماحة الأمين العام لحزب الله الأخير الذي وصف فيه ما حدث في السابع من أيار بالحدث المجيد، وحتى لا ينسى أحد الخامس من أيار، هو رسالة انذار واضحة بهذا الاتجاه، حتى لا يتشجع المغامرون مرة أخرى ويتعلموا من دروس الأمس القريب فلا يذهبوا الى الآخر.
الانتقاد/ العدد1347 ـ 22 أيار/ مايو 2009
2009-05-22