ارشيف من :ترجمات ودراسات

عن خلاف أوباما ونتنياهو: العقدة الإيرانية

عن خلاف أوباما ونتنياهو: العقدة الإيرانية

إعداد: علي شهاب
 
تفيض صفحات الجرائد بالأخبار والتحليلات عن لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والتباين في وجهات النظر بينهما على خلفية قضايا عديدة. الخبير الأمني والعسكري في إيران وحزب الله الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى دايفيد ماكوفسكي وضع تقريرا تحت عنوان "أوباما ونتنياهو، هل يتجهان نحو صِدام؟"، حاول من خلاله ملامسة حجم الاختلاف بين الرجلين.

إجمالي قضايا "التصادم"
يشير التاريخ كما تدل التصريحات العلنية الأخيرة، إلى احتمال حدوث تصادم بين أوباما ونتنياهو. تاريخياً كانت هناك بداية ضعيفة لاثنين من قادة الليكود الثلاثة الأخيرين في أولى جلساتهما مع رؤساء الولايات المتحدة في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ولكن تلك العلاقات لم تتحسن بصورة تامة. فعندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق شامير الرئيس الأميركي جورج بوش الأب للمرة الأولى في نيسان/ أبريل 1989، قال الرئيس الأميركي إن لديه مشكلة بشأن المستوطنات اليهودية. فأجاب شامير: المستوطنات هي موضوع إسرائيلي داخلي. مضيفاً: "لا تقلق، انها لن تشكل مشكلة".
وقد فسرّ بوش ذلك بأن شامير سوف لن يقوم بتوسيع المستوطنات، غير ان الرئيس الأميركي فوجئ بعد حين باستمرار عملية توسع المستوطنات. وقد بقيت العلاقة بينهما فاترة. وفي سياق مماثل، وبعد أول اجتماع عُقد في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال فترة ولايته السابقة عام 1996، قال كلينتون لمساعديه في اجتماع بينهما بعد أن غادر رئيس الوزراء الإسرائيلي ـ الذي كان واثقاً جداً من نفسه ـ الغرفة: "يعتقد أنه هو القوة العظمى". وفي الفترة التي تلت، أثبتت العلاقات بينهما أنها كانت صعبة للغاية.
وعلى المستوى الخطابي انخرطت الولايات المتحدة و"إسرائيل" في لعبة كرة طاولة كلامية. وهناك ثلاثة أمثلة تتبادر إلى الأذهان: أولاً رفْض نتنياهو القول خلال المفاوضات الائتلافية التي أدت إلى تشكيل حكومته، بأن المبادئ التوجيهية لسياسة حكومته ستقوم على أساس حل الدولتين مع الفلسطينيين. ومن جهة أخرى يقول مسؤولون أميركيون كبار بصورة علنية إن السبيل الوحيد للخروج من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو حل الدولتين.
ثانياً: إشارة وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان إلى مؤتمر أنابوليس للسلام الذي انعقد عام 2007، والذي سعى لتحديد معالم اتفاق ووضع الأساس لاستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بأنه باطل. بيد أن الرئيس أوباما قال في كلمة ألقاها في أنقرة إن مؤتمر أنابوليس هو الأساس للمضي قدماً.
ثالثاً: إعلان "إسرائيل" أن مقدرتها على التحرك قدماً بشأن القضية الفلسطينية تعتمد على تقدم الولايات المتحدة حول ملف إيران. وعندما أعلنت ذلك أجاب مسؤول أميركي بأن النجاح حول الموضوع الإيراني يتوقف على إحراز تقدم بشأن السلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين. وهكذا قام كل جانب بذكر شكل الارتباط الذي يؤيده.

حل الدولتين والارتباط
بالنسبة للمسؤولين الأميركيين والمراقبين، يشكل رفض نتنياهو قبول حل الدولتين سبباً للتوتر، لأنه يوحي بإعادة تكرار الماضي. فخارطة الطريق التي أعدتها "اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط"، والتي اعتُمدت من قبل الحكومة الإسرائيلية في 25 أيار/ مايو 2003 بأغلبية 12 صوتا مقابل 7 أصوات ـ برغم بعض التحفظات ـ تذكر في البداية أنها "خارطة طريق قائمة على الأداء من أجل التوصل إلى تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتهدف إلى الوصول لحل دائم مبني على تشكيل دولتين". وحتى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي صوت ضد خطة خارطة الطريق في ذلك الوقت، يقول إنها تلزم "إسرائيل" اليوم. إن عدم تكرار الماضي هو أمر بالغ الأهمية، لأن الولايات المتحدة تسعى للتأكد من أن شروط "اللجنة الرباعية" لا تزال سارية المفعول، بما فيها الشرط المتعلق بقبول حركة "حماس" للاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة.

 نتنياهو قد يقول لأوباما بصورة شخصية، بأنه يقبل بحل الدولتين إذا رافق ذلك فرض نفس القيود على السيادة الفلسطينية
وقد أشار كبار المسؤولين الإسرائيليين الى أن نتنياهو قد يقول لأوباما بصورة شخصية، بأنه يقبل بحل الدولتين إذا رافق ذلك فرض نفس القيود على السيادة الفلسطينية ـ مثل نزع السلاح ـ التي يؤيدها قادة حزبي العمل وكديما، لكنه لن يصرح بذلك علناً خوفاً من أن يخلق نظرة داخل "إسرائيل" عن ضعفه بعد مرور فترة وجيزة فقط على انتخابه. ومع ذلك قد يجد نتنياهو أنه من المفيد نزع فتيل هذه القضية من خلال تصريحه الآن عن تأييده حل الدولتين، حيث من الممكن حدوث تداعيات سياسية داخلية في حال إعطائه مثل هذا التصريح، فقط بعد تزايد النداءات الدولية في الأشهر المقبلة. وفي هذا الصدد من المحتمل أن يجد نتنياهو بعض الدعم في الولايات المتحدة للاعتقاد الذي يؤمن به، بأنه ينبغي أن يكون الهدف من إجراء المفاوضات هو الاعتراف من قبل جميع الأطراف بأن الدولة الفلسطينية ستكون وطنا للفلسطينيين، مثلها مثل "إسرائيل" التي هي وطن لليهود. وفي هذا الصدد ألقى نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن كلمة قبل أسبوعين فقط، ذكر فيها "إسرائيل" كـ"دولة يهودية آمنة".
ينبغي تجنب قيام مناقشة عامة حول مسألة الارتباط، أي فيما إذا كانت إيران هي المفتاح لحل القضية الفلسطينية أو العكس بالعكس. هناك حاجة لبحث موضوعي إيران والقضية الفلسطينية بصورة متوازية، دون إعطاء تأكيدات من قبل الإدارة الأميركية حول الصلة بين الاثنين. ويعترف كبار المسؤولين العرب بصورة غير علنية بأنه ليست هناك علاقة بين عدم قدرتهم على تأكيد صلة ـ بصورة قطعية ـ موضوع إيران و"إسرائيل": إن مخاوف العرب من إيران صادقة، ولا تعني أخذ مصلحة "إسرائيل". وحتى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أوضح ذلك هذا الاسبوع بصورة علنية بقوله: إن هذه مواضيع مختلفة. وعلاوة على ذلك ونظراً لقيام إيران بتهديد وجود "إسرائيل"، فإن القول بأن جهود الولايات المتحدة لممارسة ضغوط على إيران هي سياسة مشروطة، هو من الامور المثيرة للمشاكل. ويتنافى ذلك مع التزامات الرئيس أوباما العلنية والمتكررة تجاه أمن "إسرائيل".
ومن جانبها لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تضع جهود السلام في حالة انتظار أيضاً. فعلى العكس من ذلك، هي تحتاج إلى بحث القضية الفلسطينية في ضوء التحديات الديموغرافية التي تواجهها.

بناء الثقة
حتى إذا افتُرض قيام الزعيمين بالابتسام علناً والتعبير عن صداقتهما خلال المؤتمر الصحافي، فالسؤال هو: هل تسير العلاقة بين بيبي وأوباما باتجاه المتاعب؟ ليس بالضرورة، ولكن يتعين على الجانبين العمل بجد من أجل بناء الثقة. إن القلق الكامن الذي يشعر به الجانبان هو الخوف من أن يكون كل منهما غير ملتزم حقاً بمعالجة المواضيع المدرجة على رأس قائمة الأولويات بالنسبة الى الجانب الآخر. ويعتقد نتنياهو أن التاريخ قد دعاه ليكون في السلطة في هذا الوقت من أجل منع حدوث محرقة أخرى.
وقد قال ذلك في محادثة شخصية مع كبار مساعديه، وليس فقط إلى الجمهور. وبالتالي يريد نتنياهو أن يعرف ما الذي سيفعله أوباما إذا فشلت الجهود الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، وإذا واصلت طهران مسيرتها باتجاه الحصول على أسلحة نووية. من السهل الاعتقاد بأن نتنياهو سيضغط على أوباما لشن هجوم على إيران اذا  فشلت الجهود الدبلوماسية. وهناك العديد من الخيارات الأخرى، بدءاً من زيادة العقوبات وانتهاءً بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية. ومع ذلك، ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتحقيق أقصى قدر من النفوذ الذي بحوزتها قبل إجراء محادثات مع إيران، من المحتمل أن يكون نتنياهو قد غضب من قيام بعض كبار المسؤولين الأميركيين بصورة علنية ـ وليس في محادثات شخصية ـ بتحذير "إسرائيل" من مهاجمة إيران. وسيقلق مما ستستخلصه إيران من مثل هذه التصريحات العلنية من قبل إدارة أوباما.
وبالنسبة الى الرئيس الأميركي، سيرغب أوباما بالسماع من نتنياهو بصورة واضحة عن خططه تجاه الفلسطينيين، حول كيفية إمكان نجاح النهج الذي تتبعه "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين إذا لم تقم "إسرائيل" بكبح النشاط الاستيطاني. وسوف يقدر أوباما التصريح الأخير الذي أدلى به نتنياهو بأن التقدم الاقتصادي غير كاف، وأن مثل هذا التحسن يجب أن يرافقه تقدم سياسي. إن المضي قدماً في هذا الموضوع مهم لأوباما، حيث يعتبره مثيراً وحيويا ـ وإن كان لا يرتبط بحل نزاعات أخرى ـ في منطقة يسعى فيها إلى تحسين مكانة الولايات المتحدة. ولهذا الغرض من المرجح أن يخبر أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة حول قيام الدول العربية باتخاذ خطوات أولية تجاه "إسرائيل"، في الوقت الذي تقوم هي أيضاً باتخاذ خطوات إيجابية تجاه الفلسطينيين عن طريق وقف النشاط الاستيطاني.

الخاتمة
إذا لم تعالج أولويات الزعيمين بالكامل، فمن الممكن أن تحدث مشاكل في المستقبل المنظور. ونظراً للتحديات التي كانت قائمة في الماضي بين البلدين، ليس هناك بديل من قيام أوباما ونتنياهو بـ"إخلاء" الغرفة والبدء في مناقشة صريحة جداً حول النقاط الجوهرية. ويصر مساعدو نتنياهو على أن هذه الفترة لا تشابه حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وأنه على استعداد على أن يكون أكثر إقبالاً على معالجة القضايا الفلسطينية اذا ما اقتنع بأن إيران الممولة لـ"حماس" وحزب الله، لا تشكل تهديداً نووياً لـ"إسرائيل". ومع ذلك فإن عدم وضوح النيات لن يؤدي إلا إلى تغذية انعدام الثقة. وباختصار يحتاج نتنياهو الى أن يكون واضحاً حول الاتجاه الذي سيسير فيه بشأن القضية الفلسطينية، كما يحتاج أوباما الى أن "يكون على نفس المستوى" مع نتنياهو حول كيفية رؤيته لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران اذا فشلت الجهود الدبلوماسية. ليست هناك طريق مختصرة نحو بناء الثقة: يتعين على كل جانب أن يشاطر "خطه الأدنى". وهنا يكمن الأمل في قيام علاقات عمل مجدية دون الخروج عن المسار الصحيح.
الانتقاد/ العدد1347 ـ 22 أيار/ مايو 2009

2009-05-22