ارشيف من :أخبار لبنانية

حدث التبادل يعلو على حدثيته.. نعم إنه زمن الانتصارات

حدث التبادل يعلو على حدثيته.. نعم إنه زمن الانتصارات
كتب مصطفى الحاج علي

الحدث أكبر من أن تحاط أبعاده ودلالاته، إنه من نوع الأحداث العابرة معانيها وآثارها للزمان والمكان معاً، شأنه في ذلك شأن كل ما هو متعال في مثاليته وطهرانيته، انه من نوع الجمال الذي يصعقك دون أن يرديك، ولا تملك إلا أن تقف إزاءه إجلالاً، ناصفاً لما يوحي به للآن وللغد معاً. هذا هو حدث "عملية الرضوان" الذي لا يشبه إلا اسمه، واسم القائد الفذ الذي خطط وربما نفذ أيضاً عملية الأسر.
على كل حال، إن بعض وشوشات وحي هذا الحدث على قدر ما نحن مهيئون لأن نسمع تقول الكثير، ولعل أبلغها التالي:
ـ إنه رسالة في معنى كرامة الإنسان، إنه رسالة في الإنسان ولأجل الإنسان، صحيح أنه ليست المرة الأولى التي نتلقى فيها هكذا رسالة، إلا أنه ولا شك للمرة الأولى التي تحفر معاني هذه الرسالة فينا عميقاً لاعتبارات عديدة، ليس أقلها نوع انجاز التحرير نفسه، ومجيئه بعد عدوان تموز عام 2006، وما حققته فيه المقاومة من انتصار باهر على العدو الإسرائيلي، نعم، ليس قليلاً أن تعود للإنسان قيمته في أوطاننا التي عزّت فيها قيمة الإنسان، والذي تحول إلى مجرد قطيع يرعى من زبانية سلطة لا تجيد إلا حمل السياط، وتحويل مجتمعاته إلى سجون كبيرة.
ـ انه رسالة في معنى أن تخوض اختبار قوة باهراً مع عدو لا يفهم إلا لغة القوة، فتنتصر عليه، بالرغم من الفروقات الهائلة في موازين القوة، فروقات لا يجبرها إلا أوزان من نوعٍ آخر، لا تنتسب إلى عالم القوة المادية، وإنما إلى عالم الروح والعقل والإرادة، إلى عالم  الثبات والاخلاص والإيمان بل الإيقان، إلى عالم التصميم الواعي، والإرادة الذكية، ما يحيل المواجهة ليس فقط بين سلاح وسلاح، وإنما بين عقل وعقل، بين روح وروح، بين قيم وقيم، بين إرادة وإرادة، ولأن المقاومة انتصرت، فهذا يعني انها انتصرت ليس في اختبار قوة السلاح فحسب، وإنما في اختبار قوة أبهر، أي اختبار العقل والروح والقيم والإرادة.
ـ إنه شاهد وفعل انكسار في استراتيجية العدو، في جوهر هذه الاستراتيجية القائم والمتقوم بهدف تيئيسنا، باعتبار أن اليأس هو المدخل لإعلان الهزيمة النهائية، لقد كسرت استراتيجية الأمل الخاصة بالمقاومة استراتيجية التيئيس  الإبليسية من مدخلين: الأول، حين نجحت في تحقيق الانتصارات على العدو الاسرائيلي وأطاحت بذلك أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لتعلنها مدوية، أن هذا العدو يقهر وقابل للهزيمة، وهذه خطوة أساسية في مسار تقويض أسس وجود الكيان الإسرائيلي، حيث نجحت المقاومة بانتصاراتها في أن تعيد هذا الكيان إلى المربع الأول، والى أسئلته الأولى الخاصة بمصير وجوده نفسه.
أما المدخل الثاني، فتمثل بنجاح المقاومة في أن تعيد لإنسان المقاومة اعتباره، وفي إشعاره بأنه ليس متروكاً لنفسه، وأن هناك ركناً وثيقاً يمكن أن يلجأ اليه، ويعتمد عليه.
ـ إنه إثبات اضافي حازم وقاطع في وجه كل المشككين بجدوى المقاومة وضرورة استمرارها. من نافل القول، ان لا همّ لقوى 14 آذار في لبنان إلا كيف تطعن في جدوى هذا السلاح استناداً إلى وجهة نظر خاصة بها تقول، إن هذا السلاح فقد وظيفته ودوره منذ العام 2000، والبعض منهم يقول منذ العام 2006، ولم يكن أحد أبعاد نقاش وتشكيك هؤلاء بانتصار المقاومة عام 2006 إلا محاولة منهم للقول ان المقاومة تحولت إلى عبء، وبالتالي لم يعد من مبرر لاستمرارها.
إن الإنجاز الأخير، جاء في توقيته وحصيلته، ليقول بالفم الملآن، ان لا خيار في وجه العدو الإسرائيلي إلا خيار المقاومة، وإن وظيفة المقاومة باقية ما دام هناك عدو اسمه الكيان الاسرائيلي، ويفترض بهذه الحقيقة القاطعة أن تشكل مدخلاً لتصويب النقاش الداخلي حول المقاومة وسلاحها، فبدلاً من أن يتم التركيز من قبل البعض على كيفية التخلص منهما، فليتركز النقاش حول كيفية الاستفادة منهما، وتعزيز وسائل الاستفادة الوطنية.
ـ لقد كان المشهد ـ مشهد الأسرى ورفات الشهداء من جهة، ومشهد المستقبلين من جهة أخرى ـ مثقلاً برمزيته:
أ ـ المشهد الأول الذي جمع شهداء من عموم الأقطار العربية ليذكرنا بأن القضية الفلسطينية كانت ويجب أن تبقى التزاماً قومياً وإسلامياً عاماً، وكل محاولات حصرها في الإطار الكياني الفلسطيني هو طعنة لها، وتخلٍّ خبيث عن هذه الالتزامات لا يخدم إلا العدو الإسرائيلي.
ب ـ المشهد الثاني، ضم كل ألوان الطيف السياسي في لبنان، لا شك، أن هناك من جاء طوعاً واختياراً لأن هذا خياره، لكن لا شك أيضاً أن هناك من جاء اضطراراً وعلى طريقة مكره أخوك لا بطل، لكن يبقى أن المقاومة نجحت في أن تجمع الخارج والداخل معاً عندها، أن تؤطرهما بإطارها، وأن توحدهما تحت عنوانها، وفي هذا رسالة بليغة لمن ألقى السمع وهو شهيد، مفادها أن المقاومة هي وحدها القادرة على أن تشكل إطاراً وطنياً جامعاً، يذيب المسافات، ويقرب المختلفين، وأن تشكل أيضاً رافعة نهوض بكل هذه الأوضاع المتداعية على امتداد عالمنا العربي وحتى الاسلامي.
ـ المشهد كبير وعظيم، ولأنه كذلك، ولأن العدو الإسرائيلي هو هذا العدو، علينا أن نجتمع إلى زهونا وفخرنا وعزنا، وشعورنا بفرح الانتصار، أعلى درجات الوعي والانتباه والحذر، بل والحيطة والاستنفار.
نعم، إنه زمن الانتصارات، وعلينا أن نعمل على تنميتها، ولا عودة أبداً إلى زمن الهزائم.
2008-07-23