ارشيف من :أخبار عالمية
جدل عراقي حول النظام الرئاسي والديمقراطية التوافقية
بغداد ـ عادل الجبوري
خلال الاسبوعين الماضيين فتح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الباب واسعا لسجال وجدل ساخنين بين مختلف الاوساط السياسية العراقية حول قضيتين فيهما قدر كبير من التداخل، الاولى النظام الرئاسي، والثانية الديمقراطية التوافقية، اذ قال ردا على سؤال وجه اليه عبر النافذة التفاعلية للموقع الالكتروني للمركز الوطني للاعلام التابع لمجلس الوزراء "أؤيد مبدأ الديمقراطية الذي يمنح الاكثرية الانتخابية حق تشكيل الحكومة، ومصطلح الديمقراطية التوافقية غريب على الديمقراطية ومتناقض معها ويحمل في طياته مشاكل عانى منها العراق والحكومة الحالية. وارى ان النظام الرئاسي هو الافضل من النظام البرلماني اذا كان الاخير وفق الاستحقاق الانتخابي، وان يكون الانتخاب مباشرا من الشعب فذلك افضل".
وبعد وقت قصير عاد المالكي ليوجه انتقادات حادة لمبدأ الديمقراطية التوافقية في مؤتمر عشائري بالعاصمة بغداد في الثالث والعشرين من شهر ايار/ مايو قائلا "اضطررنا الى المحاصصة والديمقراطية التوافقية، لان النفوس كانت مثقلة بالخوف والتهميش، ولم يكن امامنا خيار سوى التوافق والمبدأ السيئ للمحاصصة، وانه لا بد ان تنتهي هذه التوافقات والمحاصصة التي جلبت الفساد ويصار للعودة الى القانون والدستور ومبدأ التنافس والقائمة الوطنية والتلاحم بين المكونات بعيدا عن الانتماءات الطائفية".
وقد قوبلت اطروحات رئيس الوزراء بردود فعل متفاوتة بين الترحيب والتحفظ والرفض، بيد ان ردود الافعال الرافضة هي التي طغت وهيمنت على مجمل الصورة، لا سيما انها جاءت من قبل اطراف وقوى سياسية لها ثقلها وتأثيرها في المشهد السياسي العراقي، ولعل هذا هو السبب الذي دفع المالكي الى التراجع قليلا والانحناء لعاصفة الرفض، والتصريح بأن تفضيله للنظام الرئاسي على النظام البرلماني انما كان تعبيرا عن وجهة نظر شخصية وليس رسمية.
الاطراف التي رحبت صراحة بدعوة المالكي لإنهاء مبدأ الديمقراطية التوافقية، هي مجالس الصحوات، والتيار الصدري، فقد رحب شيخ عشائر الدليم ورئيس مجلس الشيوخ والعشائر علي سليمان الحاتم قائلا "ان الديمقراطية التوافقية اكدت فشلها في العراق، وان البعض سرق العراق باسم الديمقراطية التوافقية التي ادخلتها القوات الاميركية للعراق واثبتت فشلها، وان اتباع النظام الرئاسي وفق الاستحقاق الانتخابي هو الافضل، باعتبار ان من يختاره الشعب هو المؤهل لقيادة العراق والعمل السياسي فيه".
في حين قالت النائبة في البرلمان العراقي عن التيار الصدري اسماء الموسوي "ان المحاصصة لا يمكن ان تنجح في العراق ابدا، وانها هي التي جعلت التيار الصدري ينسحب بوزرائه من الحكومة".
وفي الجانب المقابل كانت ردود الفعل الرافضة لدعوات المالكي من قبل الاكراد والحزب الاسلامي العراقي الذي يمثل جزءا كبيرا من الكيان السني في العراق، كانت واضحة وصريحة الى حد كبير.
فالرئيس العراقي، وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يعد احد اكبر الاحزاب الكردية، جلال الطالباني قال خلال لقائه وفدا من شخصيات سياسية وعشائرية من محافظة ديالى في مقر اقامته بمدينة السليمانية في الخامس والعشرين من ايار/ مايو الجاري "ان الديمقراطية التوافقية لا تزال مطلوبة، وان ترسيخ التوافق الوطني وسيلة ناجعة لتوحيد صفوف الاطياف المتنوعة في البلاد، فالعراق لا يحكم بالغالبية، فالوضع لا يزال يتطلب التوافق".
وكان القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني والمتحدث باسم كتلة التحالف الكردستاني البرلمانية فرياد راوندوزي قد تساءل قائلا "ان الديمقراطية التعددية اذا اعتمدت فان الحكم سيكون مثلا للشيعة، اذاً اين سيذهب الاكراد والسنة؟، واذا افترضنا ان ائتلافا حصل بين الشيعة والاكراد اين سيكون دور السنة؟ هل بإقصائهم عن المشاركة في الحكومة"، ووصف راوندوزي العراق بأنه "مثلث متى ما ازيل اي ضلع من الشراكة في الحكم، يعني ازالة العراق".
اما الحزب الاسلامي العراقي فقد رد على دعوات المالكي على لسان امينه العام الجديد اسمة التكريتي بالقول "ان الواقع العراقي لا يسمح بتجاوز مبدأ الديمقراطية التوافقية حاليا، خاصة ان المشكلات لا تحل الا بالتوافق والخطاب بهذا الاتجاه لا يحقق نتائج على الصعيد السياسي ولا نزال نؤكد ان التوافق هو الامثل في تحقيق مصالح الجميع في هذه المرحلة".
وتذهب بعض الاوساط الى ان الاطراف السياسية التي اثرت التزام الصمت حيال انهاء العمل بالديمقراطية التوافقية والاخذ بالنظام الرئاسي، هي في واقع الامر لا تؤيد مثل تلك التوجهات، بيد ان صمتها حكمته واملته اعتبارات وحسابات سياسية معينة.
هذا من جانب، ومن جانب اخر فانه حتى الاطراف التي ايدت ما ذهب اليه رئيس الوزراء طرحت بعض التحفظات، فالنائبة البرلمانية عن التيار الصدري اسماء الموسوي اشارت الى ان "العودة للنظام الرئاسي بدلا من البرلماني تحتاج الى قرار من جميع الكتل السياسية في العراق، ويتبع هذا القرار تشريع ثم تعديل الدستور الذي ينص على اتباع النظام البرلماني".
في حين اكد النائب في البرلمان العراقي عن حزب الفضيلة الاسلامي باسم شريف "ان دعوة المالكي مطلوبة ولكنها تحتاج الى خطوات ودراسة من الجميع، وان الديمقراطية التوافقية ليست سلبية، وكذلك ليست ايجابية، لكن وضع العراق الحالي ساهم في ادارة البلاد وفق هذا النظام، وفي الوقت نفسه لا تصلح ان تكون كاستراتيجية او اداة عمل للمستقبل، يجب ان في مرحلة معينة ان نعتمد على ديمقراطية الاغلبية".
ومن الناحية الواقعية فانه في المدى المنظور لا يمكن بأي حال من الاحوال البحث عن خيار اخر بديل عن مبدأ الديمقراطية التوافقية، لانه ليس بإمكان اي كيان سياسي ان يحرز نسبة عالية من اصوات الناخبين تمكنه من الحصول على اغلبية برلمانية، لتتيح له بالتالي اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة من تلك الكتلة فقط، لتلعب الكتل الاخرى دور المعارضة، على غرار ديمقراطية "ويستمنستر"، بعبارة اخرى لا بد ان تكون هناك مفاوضات وصفقات وتوافق تام قبل الانتخابات او بعدها بين كتل سياسية مختلفة لضمان تشكيل الحكومة وادارة مختلف شؤون البلاد، فضلا عن ذلك فان الاوضاع السياسية والامنية الهشة في العراق، لا تحتمل وجود معارضة سياسية تتبناها قوى لها ثقلها وتأثيرها على الارض، بل ان واقع الحال يفرض ان تتوصل القوى السياسية الكبيرة والفاعلة ـ شيعية وسنية وكردية ـ الى نوع من التوافقات لادارة شؤون البلاد بعيدا عن الاحتقانات والتشنجات والاجندات المتقاطعة التي غالبا ما تدفع الجميع الى متاهات وانفاق مظلمة، وطرق ومسالك موصدة.
وقد تكون تجارب سابقة لبلدان اخذت بمبدأ الديمقراطية التوافقية مثل بلجيكا وسويسرا والنمسا وهولندا، وكذلك لبنان الذي كان هذا المبدأ بمثابة الحل للخروج من نفق الحرب الاهلية والاقتتال الداخلي على مدى ستة عشر عاما، مفيدة في الاحاطة بعناصر القوة والضعف والوقوف على اوجه التشابه ونقاط الالتقاء بين تلك النماذج من جهة والنموذج العراقي من جهة اخرى، من حيث طبيعة التركيبة السياسية والقومية والمذهبية والدينية للمجتمع العراقي، والحقائق والمعطيات القائمة على ارض الواقع، فالتجربة الديمقراطية العراقية، تجربة حديثة العهد، وما زالت تعيش مخاضات التشكل، ولا يمكن الادعاء بأنها بلغت درجة النضج والتكامل المطلوبين.
الانتقاد/ العدد 1348 ـ 29 أيار/ مايو 2009
خلال الاسبوعين الماضيين فتح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الباب واسعا لسجال وجدل ساخنين بين مختلف الاوساط السياسية العراقية حول قضيتين فيهما قدر كبير من التداخل، الاولى النظام الرئاسي، والثانية الديمقراطية التوافقية، اذ قال ردا على سؤال وجه اليه عبر النافذة التفاعلية للموقع الالكتروني للمركز الوطني للاعلام التابع لمجلس الوزراء "أؤيد مبدأ الديمقراطية الذي يمنح الاكثرية الانتخابية حق تشكيل الحكومة، ومصطلح الديمقراطية التوافقية غريب على الديمقراطية ومتناقض معها ويحمل في طياته مشاكل عانى منها العراق والحكومة الحالية. وارى ان النظام الرئاسي هو الافضل من النظام البرلماني اذا كان الاخير وفق الاستحقاق الانتخابي، وان يكون الانتخاب مباشرا من الشعب فذلك افضل".
وبعد وقت قصير عاد المالكي ليوجه انتقادات حادة لمبدأ الديمقراطية التوافقية في مؤتمر عشائري بالعاصمة بغداد في الثالث والعشرين من شهر ايار/ مايو قائلا "اضطررنا الى المحاصصة والديمقراطية التوافقية، لان النفوس كانت مثقلة بالخوف والتهميش، ولم يكن امامنا خيار سوى التوافق والمبدأ السيئ للمحاصصة، وانه لا بد ان تنتهي هذه التوافقات والمحاصصة التي جلبت الفساد ويصار للعودة الى القانون والدستور ومبدأ التنافس والقائمة الوطنية والتلاحم بين المكونات بعيدا عن الانتماءات الطائفية".
وقد قوبلت اطروحات رئيس الوزراء بردود فعل متفاوتة بين الترحيب والتحفظ والرفض، بيد ان ردود الافعال الرافضة هي التي طغت وهيمنت على مجمل الصورة، لا سيما انها جاءت من قبل اطراف وقوى سياسية لها ثقلها وتأثيرها في المشهد السياسي العراقي، ولعل هذا هو السبب الذي دفع المالكي الى التراجع قليلا والانحناء لعاصفة الرفض، والتصريح بأن تفضيله للنظام الرئاسي على النظام البرلماني انما كان تعبيرا عن وجهة نظر شخصية وليس رسمية.
الاطراف التي رحبت صراحة بدعوة المالكي لإنهاء مبدأ الديمقراطية التوافقية، هي مجالس الصحوات، والتيار الصدري، فقد رحب شيخ عشائر الدليم ورئيس مجلس الشيوخ والعشائر علي سليمان الحاتم قائلا "ان الديمقراطية التوافقية اكدت فشلها في العراق، وان البعض سرق العراق باسم الديمقراطية التوافقية التي ادخلتها القوات الاميركية للعراق واثبتت فشلها، وان اتباع النظام الرئاسي وفق الاستحقاق الانتخابي هو الافضل، باعتبار ان من يختاره الشعب هو المؤهل لقيادة العراق والعمل السياسي فيه".
في حين قالت النائبة في البرلمان العراقي عن التيار الصدري اسماء الموسوي "ان المحاصصة لا يمكن ان تنجح في العراق ابدا، وانها هي التي جعلت التيار الصدري ينسحب بوزرائه من الحكومة".
وفي الجانب المقابل كانت ردود الفعل الرافضة لدعوات المالكي من قبل الاكراد والحزب الاسلامي العراقي الذي يمثل جزءا كبيرا من الكيان السني في العراق، كانت واضحة وصريحة الى حد كبير.
فالرئيس العراقي، وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يعد احد اكبر الاحزاب الكردية، جلال الطالباني قال خلال لقائه وفدا من شخصيات سياسية وعشائرية من محافظة ديالى في مقر اقامته بمدينة السليمانية في الخامس والعشرين من ايار/ مايو الجاري "ان الديمقراطية التوافقية لا تزال مطلوبة، وان ترسيخ التوافق الوطني وسيلة ناجعة لتوحيد صفوف الاطياف المتنوعة في البلاد، فالعراق لا يحكم بالغالبية، فالوضع لا يزال يتطلب التوافق".
وكان القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني والمتحدث باسم كتلة التحالف الكردستاني البرلمانية فرياد راوندوزي قد تساءل قائلا "ان الديمقراطية التعددية اذا اعتمدت فان الحكم سيكون مثلا للشيعة، اذاً اين سيذهب الاكراد والسنة؟، واذا افترضنا ان ائتلافا حصل بين الشيعة والاكراد اين سيكون دور السنة؟ هل بإقصائهم عن المشاركة في الحكومة"، ووصف راوندوزي العراق بأنه "مثلث متى ما ازيل اي ضلع من الشراكة في الحكم، يعني ازالة العراق".
اما الحزب الاسلامي العراقي فقد رد على دعوات المالكي على لسان امينه العام الجديد اسمة التكريتي بالقول "ان الواقع العراقي لا يسمح بتجاوز مبدأ الديمقراطية التوافقية حاليا، خاصة ان المشكلات لا تحل الا بالتوافق والخطاب بهذا الاتجاه لا يحقق نتائج على الصعيد السياسي ولا نزال نؤكد ان التوافق هو الامثل في تحقيق مصالح الجميع في هذه المرحلة".
وتذهب بعض الاوساط الى ان الاطراف السياسية التي اثرت التزام الصمت حيال انهاء العمل بالديمقراطية التوافقية والاخذ بالنظام الرئاسي، هي في واقع الامر لا تؤيد مثل تلك التوجهات، بيد ان صمتها حكمته واملته اعتبارات وحسابات سياسية معينة.
هذا من جانب، ومن جانب اخر فانه حتى الاطراف التي ايدت ما ذهب اليه رئيس الوزراء طرحت بعض التحفظات، فالنائبة البرلمانية عن التيار الصدري اسماء الموسوي اشارت الى ان "العودة للنظام الرئاسي بدلا من البرلماني تحتاج الى قرار من جميع الكتل السياسية في العراق، ويتبع هذا القرار تشريع ثم تعديل الدستور الذي ينص على اتباع النظام البرلماني".
في حين اكد النائب في البرلمان العراقي عن حزب الفضيلة الاسلامي باسم شريف "ان دعوة المالكي مطلوبة ولكنها تحتاج الى خطوات ودراسة من الجميع، وان الديمقراطية التوافقية ليست سلبية، وكذلك ليست ايجابية، لكن وضع العراق الحالي ساهم في ادارة البلاد وفق هذا النظام، وفي الوقت نفسه لا تصلح ان تكون كاستراتيجية او اداة عمل للمستقبل، يجب ان في مرحلة معينة ان نعتمد على ديمقراطية الاغلبية".
ومن الناحية الواقعية فانه في المدى المنظور لا يمكن بأي حال من الاحوال البحث عن خيار اخر بديل عن مبدأ الديمقراطية التوافقية، لانه ليس بإمكان اي كيان سياسي ان يحرز نسبة عالية من اصوات الناخبين تمكنه من الحصول على اغلبية برلمانية، لتتيح له بالتالي اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة من تلك الكتلة فقط، لتلعب الكتل الاخرى دور المعارضة، على غرار ديمقراطية "ويستمنستر"، بعبارة اخرى لا بد ان تكون هناك مفاوضات وصفقات وتوافق تام قبل الانتخابات او بعدها بين كتل سياسية مختلفة لضمان تشكيل الحكومة وادارة مختلف شؤون البلاد، فضلا عن ذلك فان الاوضاع السياسية والامنية الهشة في العراق، لا تحتمل وجود معارضة سياسية تتبناها قوى لها ثقلها وتأثيرها على الارض، بل ان واقع الحال يفرض ان تتوصل القوى السياسية الكبيرة والفاعلة ـ شيعية وسنية وكردية ـ الى نوع من التوافقات لادارة شؤون البلاد بعيدا عن الاحتقانات والتشنجات والاجندات المتقاطعة التي غالبا ما تدفع الجميع الى متاهات وانفاق مظلمة، وطرق ومسالك موصدة.
وقد تكون تجارب سابقة لبلدان اخذت بمبدأ الديمقراطية التوافقية مثل بلجيكا وسويسرا والنمسا وهولندا، وكذلك لبنان الذي كان هذا المبدأ بمثابة الحل للخروج من نفق الحرب الاهلية والاقتتال الداخلي على مدى ستة عشر عاما، مفيدة في الاحاطة بعناصر القوة والضعف والوقوف على اوجه التشابه ونقاط الالتقاء بين تلك النماذج من جهة والنموذج العراقي من جهة اخرى، من حيث طبيعة التركيبة السياسية والقومية والمذهبية والدينية للمجتمع العراقي، والحقائق والمعطيات القائمة على ارض الواقع، فالتجربة الديمقراطية العراقية، تجربة حديثة العهد، وما زالت تعيش مخاضات التشكل، ولا يمكن الادعاء بأنها بلغت درجة النضج والتكامل المطلوبين.
الانتقاد/ العدد 1348 ـ 29 أيار/ مايو 2009
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018