ارشيف من :آراء وتحليلات
بقلم الرصاص: عودة الروح

كتب نصري الصايغ
بصراحة، كنا قد نسيناهم، الشهداء الأسرى، في مقابر الأرقام. كنا قد أهملناهم، لم نكن نسمع عنهم شيئاً، ما كانوا يحضرون أبداً في التصريحات أو البيانات. وجبتنا السياسية اللبنانية والعربية مليئة بالسخف الدسم، مترعة بالنفاق الصادق، متفوقة في ابتكار التبرير. كنا عدماً ناطقاً، والشهداء كانوا عدماً موجوداً.. في كل الأحوال كانوا أفضل منا.
بصراحة، كنا قد عشنا من دونهم، رتّبنا أمور بيتنا السياسي بما يليق بالفتنة والاحتيال والثقافة المخاعة والفكر الانتهازي. كنا على ما يرام من دونهم، منشغلين بتوضيب حقائب السفر في كتابة برقيات التهنئة، في الدفاع المستميت عن الجبنة وأكلتها، ومنصرفين إلى البحث عن الثروات في مقر القمامات الدولية وأسفل الدركات الأخلاقية.
بصراحة، كنا واثقين أن التجاهل ذكاء فظ، وأن التناسي حيله محمودة، وأن العدو كان عدواً وانتهى الأمر، وبات استعمالها مضراً بالسمع الدولي، والطرش العربي والعمى اللبناني.. أصبح كل من يستعمل عبارة "العدو الإسرائيلي" متخلفاً.
بصراحة.. بصراحة.. بصراحة.. اعتدنا العبارات الأميركية والدولية الفخمة. بصراحة أكثر، صرنا نتساءل: لماذا هذه العدائية العربية الشعبية ضد "اسرائيل"؟ ولماذا هذا السلاح المقاوم؟ ولماذا الإصرار على الحج و"الناس راجعة"؟
بصراحة فجة، لماذا هذا التطاول الغبي على أعلى وأغنى هيئة دولية، التي تتعب في استصدار القرارات الدولية لمصلحة هدوئنا وسلامنا وطمأنينتنا وشيكاتنا المصرفية وعقاراتنا المزدهرة؟ ثم لماذا هذا العناد القومي والمغامرة العسكرية؟ ولماذا أيضاً هذه الممانعة؟ أليست أميركا هي الأقوى؟ ولا تقنعونا بأن "اسرائيل" ضعيفة.
بصراحة، كنا بألف خير، إلى أن استيقظ الشهداء ولبوا نداء الوعد الصادق، فنهضوا من أرقامهم ومشوا الينا بدمهم الجاف وذاكرتهم اليابسة وبنادقهم المكسورة وجراحهم المستورة، ولما رأونا معهم وبينهم، عادت الينا الروح.. أعطونا روحهم مرة ثانية، أهدونا ذاكرتهم، نفضنا عنها النسيان، وصرخنا بأعلى حناجرنا.
ارفع رأسك يا أخي
لا ذل بعد اليوم
كل شهيد بلاد
ولكن، وبصراحة أكثر، لم يكن الاستقبال العربي لائقاً. لبنان تفوق أكثره في الانتصار المثلث، الآخرون مثلوا أدوارا سقيمة، حضروا ليتفرجوا ويغسلوا أيديهم من تهمة ماجنة واتهام راهن، ولا ضرورة لزيادة الشرح، أما أنظمة السلامة العربية فقد طأطأ الصمت هامتها.. لم تتكلم.. هي بالطبع لم تفرح.. الحرج زاد من ضعفها، اختفت، ماذا تقول عن الشهداء؟ ماذا تقول للشهداء؟
عرفت من صمتهم أنهم يدينون عودتهم، كأنهم قالوا لهم: لماذا عدتم؟ عودوا من حيث لم تكونوا، من حرك الحجر عن القبر وقال بصوت ارتج له الزمن الدولي برمته: يا أليعازار، قم من بين الأموات.. وقام الشهداء من موتهم، ساروا إلى أهلهم وأقاربهم وأحزانهم، مخضبين بابتسامات المعارك وزنود الورد الأحمر، عانقوا التراب والجبال والوديان، غلوا في جسد الأمة، استراحوا إلى نومة وغفوة، الأمة صدر أم، أما جبناء الأمة فصدورهم صدور غل.
شكراً لمن أيقظ الشهداء..
شكراً لمن أنهضهم من سباتهم القسري..
شكراً لمن أعاد الروح الينا، ولأمة تحركت جماهيرها بعاطفتها لاستقبال المستعادين من أسر الموت وقبضة الأرقام المجهولة..
فافرحي يا أمة بعودة عروس الجنوب سناء محيدلي، وكوكبة الشهداء الذين بدت عليهم العافية القومية والوطنية أكثر منا.
أفرحي يا أمة ذاقت طعم التحرير ثلاث مرات في أقل من عقد، وابتهجي يا عواصم القلوب العربية، وافرشي للمستقبل أمل "الوعد الصادق" إلى نهايته.
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008
بصراحة، كنا قد نسيناهم، الشهداء الأسرى، في مقابر الأرقام. كنا قد أهملناهم، لم نكن نسمع عنهم شيئاً، ما كانوا يحضرون أبداً في التصريحات أو البيانات. وجبتنا السياسية اللبنانية والعربية مليئة بالسخف الدسم، مترعة بالنفاق الصادق، متفوقة في ابتكار التبرير. كنا عدماً ناطقاً، والشهداء كانوا عدماً موجوداً.. في كل الأحوال كانوا أفضل منا.
بصراحة، كنا قد عشنا من دونهم، رتّبنا أمور بيتنا السياسي بما يليق بالفتنة والاحتيال والثقافة المخاعة والفكر الانتهازي. كنا على ما يرام من دونهم، منشغلين بتوضيب حقائب السفر في كتابة برقيات التهنئة، في الدفاع المستميت عن الجبنة وأكلتها، ومنصرفين إلى البحث عن الثروات في مقر القمامات الدولية وأسفل الدركات الأخلاقية.
بصراحة، كنا واثقين أن التجاهل ذكاء فظ، وأن التناسي حيله محمودة، وأن العدو كان عدواً وانتهى الأمر، وبات استعمالها مضراً بالسمع الدولي، والطرش العربي والعمى اللبناني.. أصبح كل من يستعمل عبارة "العدو الإسرائيلي" متخلفاً.
بصراحة.. بصراحة.. بصراحة.. اعتدنا العبارات الأميركية والدولية الفخمة. بصراحة أكثر، صرنا نتساءل: لماذا هذه العدائية العربية الشعبية ضد "اسرائيل"؟ ولماذا هذا السلاح المقاوم؟ ولماذا الإصرار على الحج و"الناس راجعة"؟
بصراحة فجة، لماذا هذا التطاول الغبي على أعلى وأغنى هيئة دولية، التي تتعب في استصدار القرارات الدولية لمصلحة هدوئنا وسلامنا وطمأنينتنا وشيكاتنا المصرفية وعقاراتنا المزدهرة؟ ثم لماذا هذا العناد القومي والمغامرة العسكرية؟ ولماذا أيضاً هذه الممانعة؟ أليست أميركا هي الأقوى؟ ولا تقنعونا بأن "اسرائيل" ضعيفة.
بصراحة، كنا بألف خير، إلى أن استيقظ الشهداء ولبوا نداء الوعد الصادق، فنهضوا من أرقامهم ومشوا الينا بدمهم الجاف وذاكرتهم اليابسة وبنادقهم المكسورة وجراحهم المستورة، ولما رأونا معهم وبينهم، عادت الينا الروح.. أعطونا روحهم مرة ثانية، أهدونا ذاكرتهم، نفضنا عنها النسيان، وصرخنا بأعلى حناجرنا.
ارفع رأسك يا أخي
لا ذل بعد اليوم
كل شهيد بلاد
ولكن، وبصراحة أكثر، لم يكن الاستقبال العربي لائقاً. لبنان تفوق أكثره في الانتصار المثلث، الآخرون مثلوا أدوارا سقيمة، حضروا ليتفرجوا ويغسلوا أيديهم من تهمة ماجنة واتهام راهن، ولا ضرورة لزيادة الشرح، أما أنظمة السلامة العربية فقد طأطأ الصمت هامتها.. لم تتكلم.. هي بالطبع لم تفرح.. الحرج زاد من ضعفها، اختفت، ماذا تقول عن الشهداء؟ ماذا تقول للشهداء؟
عرفت من صمتهم أنهم يدينون عودتهم، كأنهم قالوا لهم: لماذا عدتم؟ عودوا من حيث لم تكونوا، من حرك الحجر عن القبر وقال بصوت ارتج له الزمن الدولي برمته: يا أليعازار، قم من بين الأموات.. وقام الشهداء من موتهم، ساروا إلى أهلهم وأقاربهم وأحزانهم، مخضبين بابتسامات المعارك وزنود الورد الأحمر، عانقوا التراب والجبال والوديان، غلوا في جسد الأمة، استراحوا إلى نومة وغفوة، الأمة صدر أم، أما جبناء الأمة فصدورهم صدور غل.
شكراً لمن أيقظ الشهداء..
شكراً لمن أنهضهم من سباتهم القسري..
شكراً لمن أعاد الروح الينا، ولأمة تحركت جماهيرها بعاطفتها لاستقبال المستعادين من أسر الموت وقبضة الأرقام المجهولة..
فافرحي يا أمة بعودة عروس الجنوب سناء محيدلي، وكوكبة الشهداء الذين بدت عليهم العافية القومية والوطنية أكثر منا.
أفرحي يا أمة ذاقت طعم التحرير ثلاث مرات في أقل من عقد، وابتهجي يا عواصم القلوب العربية، وافرشي للمستقبل أمل "الوعد الصادق" إلى نهايته.
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008