ارشيف من :أخبار لبنانية

محاولات جادة لتطبيع العلاقة مع دمشق على أسس راسخة ومساعٍ حثيثة من الفريق الشباطي لكي لا يفقد هذه الورقة!

محاولات جادة لتطبيع العلاقة مع دمشق على أسس راسخة ومساعٍ حثيثة من الفريق الشباطي لكي لا يفقد هذه الورقة!

كتب ابراهيم صالح

ليست المرة الأولى التي تطرح عن طاولة البحث والنقاش قضية العلاقات اللبنانية ـ السورية ووضعها على أسس ثابتة تأخذ بعين الاعتبار كل الروابط التاريخية والاجتماعية والسياسية بين هذين البلدين المتجاورين اللذين نشآ من رحم واحدة.
ولكن طرق باب الموضوع هذه المرة يكتسب أهمية استثنائية، ويتم وسط معطيات وظروف من شأنها أن تسمح بنقله من دائرة التجاذب إلى دائرة التأصيل على نحو ينهي كل الاشكالات المحيطة به، لا سيما بعد أن جعل فريق 14 شباط، عنوانه العريض هذه القضية، ملقياً عليها الكثير من أوزار الماضي القريب والبعيد وتركته، لكي يغطي على اخفاقات مشروعة وعلى توجهاته الحقيقية الرامية إلى تغيير هوية لبنان وتراثه النضالي والقومي والوطني.
ولعل أبرز هذه المعطيات هي:

لدى دمشق ملف متكامل عن مفقوديها في لبنان موثق بالتواريخ والوقائع
إن وجود رئيس في قصر بعبدا، لديه إصرار على إبقاء ملف مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا بيده عملاً بالدستور وبمنأى عن التجاذبات والتأثيرات الغوغائية لفريق 14 شباط الذي كان سلوكه وأداؤه في المرحلة الماضية سبباً رئيساً في المناخ السلبي الذي اكتنف العلاقة الرسمية بين بيروت ودمشق.
والى جانب ذلك أخذ الرئيس العماد ميشال سليمان على عاتقه اعادة تطبيع هذه العلاقات وإزالة كل الشوائب والعراقيل خلال وقت قصير، وقد شرع كما هو معلوم في هذه المرحلة منذ زيارته أخيراً إلى باريس ولقائه نظيره السوري بشار الأسد.
- يبدو جلياً حسب المعطيات المتوافرة أن الرئيس سليمان ماضٍ في هذه المهمة، برغم ما تناهى اليه من "عتب" و"استياء" خفي من قبل فريق 14 شباط، وبالتحديد رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، على نحو جعل الكثير من المراقبين يتوقعون اندلاع خلاف بين الرئيسين في قابل الأيام حيال هذا الموضوع بالذات، لا سيما ان الفريق الشباطي كان "يستفيد" ويتغذى من استمرار التوتر في العلاقة بين بيروت ودمشق، فهو بالنسبة له "فزاعة" ومادة تحريض تغطي على كل اخفاقاته.
- في المقابل فإن القيادة السورية تبدي حسب زوار دمشق رغبة أكيدة بإنهاء الاشكالات التي تحيط بهذا الملف، وفتح صفحة جديدة وراسخة في العلاقات اللبنانية ـ السورية على نحو يضع حداً نهائياً لأكاذيب الفريق الشباطي واتهاماته الباطلة في هذه الشأن.
- وعليه فإن الفريق السوري كان واضحاً كل الوضوح في أنه يؤيد البحث جدياً في:
أ - انشاء علاقات ديبلوماسية بين البلدين بما يعني ذلك من تبادل للبعثات الديبلوماسية.
ب ـ البحث جدياً بمسألة ترسيم الحدود، من دون أن يشمل ذلك المناطق المتداخلة مع المناطق الخاضعة للاحتلال الاسرائيلي.
ج ـ انهاء ملف المفقودين والمخطوفين، مع اضافة أمر جديد، وهو البحث في ملف قضية المفقودين والضحايا السوريين الذين سقطوا خصوصاً في مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان، وقد ذكر بأن لدى دمشق ملفا متكاملا بهذا الخصوص فيه الكثير من التواريخ والوقائع والوثائق.
- بالطبع ثمة أمر أساسي، يساهم أي حد كبير في معالجة هذا الملف التاريخي، وهو أن دمشق مطمئنة إلى حد بعيد إلى الأوضاع السياسية التي نشأت في البلاد بعد مؤتمر الدوحة، إذ لم يعد بإمكان الفريق المعادي لها أن يتحكم بقواعد اللعبة السياسية في البلاد، خصوصاً لجهة ملف العلاقة البالغ الدقة والحساسية.
وحيال هذا المشهد فإن السؤال المطروح بإلحاح إذا كانت ثمة معطيات تؤكد الرغبة الصادقة لكلا البلدين بالمضي قدماً لانهاء هذا الملف، فهل الفريق الشباطي يظهر الرغبة في طي هذا الموضوع وحله على أسس ثابتة وعلمية.
مبعث هذا التشكيك يعادل التشكيك نفسه الذي أحاط بالأصل بإثارة هذا الفريق لهذا الملف بشكل دائم إلى درجة انه بات احدى المواد الأساسية لتحريض جمهوره، إضافة إلى أسلوب التحريض المذهبي والطائفي.
فكثيرة هي المرات التي استغل هذا الفريق هذه المسألة وحاول جاهداً أن يأتي بقوات أجنبية لتقيم عند الحدود اللبنانية ـ السورية، وكثيرة هي المرات التي سعى فيها هذا الفريق إلى منع المعارضة بما تمثله من المشاركة في القرار السياسي، تحت ذريعة أن ذلك يعزز الوجود والنفوذ السوري في لبنان أو "يعيد دمشق إلى لبنان"، وعليه عاش هذا الفريق طوال الأعوام الثلاثة المنصرمة على "وهج" هذه القضية وعلى الغبار المتصاعد منها، والذي كان يراد منه أن يحجب حقيقة القضايا الأخرى والمشاكل الخلافية الداخلية.
وعليه فثمة من يرى بأن هذا الفريق الشباطي الذي يترنح ويتفكك نتيجة الهزيمة المدوية التي تلقاها منذ أيار الماضي سيستاء كثيراً من رؤيته هذا الملف يقفل، بل ثمة من يذهب إلى حد التأكيد بأن هذا الفريق سيعمل جاهداً لعرقلة مهمة الرئيس سليمان في خصوص هذا الموضوع.
لذا لم يكن غريباً، أن تتعالى أصوات بعض رموز هذا الفريق الشباطي ومنظّريه لتحذر من تحول السفارة السورية في لبنان، إلى "مراكز أمنية" وسوى ذلك من الأمور.
كذلك لم يكن  غريباً "محاكمة سوريا على النيات" من خلال الزعم سلفاً أن دمشق غير جادة في المضي في هذا الموضوع حتى نهايته.
لقد بات جلياً أن الفريق الشباطي يخشى فعلاً نهاية هذا الملف وشيكاً، فهو وكما كان مادة أساسية لكثير من العهود الرئاسية التي تعاقبت على حكم لبنان منذ ولادته عام 1943، لاستحضار التدخل الأجنبي ولمحاصرة سوريا وكل التوجهات الوطنية والقومية في الداخل اللبناني، سيبقى (الفريق الشباطي) يعمل لكي يبقى الملف مفتوحاً.
ولكن الثابت أن القيادة السورية والرئيس سليمان عازمان جدياً على إيجاد أسس وقواعد جديدة وطبيعية تتماهى مع العلاقة التاريخية بين البلدين الشقيقين المتداخلين، وهذا ما سيترجم قريباً، وأول غيثه في الزيارة التي سيقوم بها إلى دمشق الرئيس سليمان.
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008

2008-07-25