ارشيف من :أخبار عالمية

من كوبا إلى روسيا والصين والشرق الأوسط... نهوض عالمي في وجه واشنطن!

من كوبا إلى روسيا والصين والشرق الأوسط... نهوض عالمي في وجه واشنطن!
كتب عقيل الشيخ حسين
من كوبا إلى روسيا والصين والشرق الأوسط... نهوض عالمي في وجه واشنطن!مع انهيار الاتحاد السوفياتي، بدا للولايات المتحدة أن الطريق قد انفتحت أمامها واسعة لقطف العالم كثمرة ناضجة، وإقامة إمبراطوريتها العالمية بأيسر السبل. لذا بادرت إلى إطلاق حربها على العالم بذريعة مكافحة الإرهاب، وأحكمت قبضتها على السياسات الاقتصادية والأمنية لعشرات الدول في الشرق الأوسط ومناطق اخرى، إضافة إلى تعميق الروابط مع حلفائها الغربيين، ولا سيما مع فرنسا التي كانت قد ابتعدت طيلة عقود عن الركب الأميركي. لكن الهزائم التي منيت بها في العراق وأفغانستان وخلال العدوان الأميركي على لبنان صيف العام 2006، إضافة إلى تبلور التوجه نحو تشكيل حلف عالمي مضاد للسياسات الأميركية يضم دولاً كروسيا والصين وإيران وسوريا وكوريا الشمالية والعديد من بلدان أميركا اللاتينية، قد بدأت تدفع واشنطن نحو استشعار الأخطار التي قد تعيدها إلى الانكفاء والعزلة التقليدية. ويبدو أن هذا التطور هو ما يفسر حرص واشنطن الحالي على أن تتخذ، في المناطق البعيدة جغرافياً، خطوات ذات طابع دفاعي، كالعمل على إقامة دروع صاروخية في المناطق البعيدة كشرق أوروبا والشرق الأقصى والخليج و"إسرائيل"، وفي المناطق القريبة من حدودها، خطوات ذات طابع هجومي.
وفي هذا الإطار الأخير، قامت واشنطن في نيسان/ أبريل الماضي بإحياء الأسطول الرابع الأميركي الذي كانت قد أنشأته خلال الحرب العالمية الثانية بهدف إبعاد الألمان واليابانيين عن مياه المحيط الأطلسي، قبل أن تعمد إلى إلغائه بعد نهاية الحرب. ويقوم هذا الأسطول حالياً بتحركات مقابل سواحل أميركا اللاتينية المطلة على المحيط الأطلسي. وهنالك معلومات تفيد أن حاملة الطائرات الأميركية "جورج واشنطن" قد انضمت مؤخراً إلى هذا الأسطول. وقد طلبت العديد من بلدان أميركا اللاتينية إيضاحات حول الموضوع، وجاء الرد الأميركي بأن مهامه تقتصر على عمليات تدخل ضد الكوارث الطبيعية والمشكلات البيئية والتدخلات الإنسانية والطبية. وبالطبع، لم تقتنع تلك البلدان بذلك الرد، واعتبر نشر الأسطول الرابع بمثابة تهديد لبلدان أميركا اللاتينية.
وبالتوازي مع ذلك، وفي إطار الرد الروسي على نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية، وعلى توسيع الحلف الأطلسي في الفضاء السوفياتي السابق، لجأت روسيا إلى إجراءات كتعليق العمل باتفاقية الحد من القوات التقليدية في أوروبا، وهددت بإعادة نشر الصواريخ النووية المتوسطة، كما أعادت نشر أساطيلها وطائراتها الاستراتيجية في أجواء ومحيطات العالم، بعد أن كانت قد أهملت هذه الإجراءات في بداية التسعينات. وفي إطار هذا الرد أيضاً، ولكن أيضاً في إطار تحركات واشنطن في اميركا اللاتينية، برز مؤخراً تطوران لافتان: الأول تمثل بالحديث عن وجود طائرات حربية روسية وعن هبوط طائرات روسية استراتيجية في كوبا. وكان تنظيم شيوعيي بطرسبورغ قد وجه مؤخراً رسالة مفتوحة إلى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف طالبه فيها بمواجهة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية بقواعد جوية روسية في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وبوليفيا وانغولا وموزمبيق وناميبيا وزيمبابوي ولاوس وكوريا الشمالية، إضافة إلى زيادة الحضور في سوريا. كما جرى الحديث عن هبوط طائرات مقاتلة روسية في مطارات سودانية، في وقت تؤكد فيه المصادر الغربية أن روسيا والصين تخرقان حظر تزويد السودان بالأسلحة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591. وفيما يتعلق بالوجود العسكري الروسي في كوبا، كان الرئيس الروسي السابق، فلاديمير بوتين، قد ذكر، في معرض تعليقه على مشروع نشر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، بأن من شأنه أن يثير أزمة بخطورة الأزمة الكوبية التي هددت، عام 1961، باندلاع حرب حرارية عالمية. والواضح أن الحديث الحالي عن وجود الطائرات الاستراتيجية الروسية في كوبا هو على صلة بالموضوع.
أما التطور الثاني، فيتمثل بزيارة الرئيس الفنزويلي السادسة، هوغو شافيز لروسيا، والتي تمت في 21 و22 تموز/ يوليو الحالي. زيارة "استراتيجية" كما وصفها شافيز، و"تسلحية" كما وصفتها مصادر غربية. وقد استهل شافيز زيارته بمخاطبة ميدفيديف بقوله: "فيديل وزعماء أميركيون لاتينيون كثيرون طلبوا مني أن أنقل تحياتهم إليكم"، ما يعني أن شافيز لم يأت إلى روسيا بوصفه رئيس فنزويلا وحسب، بل بوصفه ناطقاً بلسان بلدان أميركا اللاتينية التي خلعت النير الأميركي ودخلت نتيجة لذلك في دائرة التهديدات الأميركية. وتشتمل الزيارة، إضافة إلى النظر في دعوة شافيز إلى إنشاء "درع غذائية ضد الجوع في العالم"، على توقيع اتفاقيات في مجالات المال والاستثمار والطاقة والتصنيع والتعاون العسكري. وفي هذا المجال، أبدى شافيز استعداد بلاده لفتح مطاراتها أمام الطائرات الحربية الروسية، ويبدو أن فنزويلا تسعى إلى تحديث جيشها عبر الحصول على طائرات مقاتلة ومنظومات صواريخ ودبابات وغواصات ومصانع أسلحة روسية. وكانت فنزويلا قد اشترت من روسيا أكثر من 50 طائرة مروحية و100 ألف رشاش ومصنعين لإنتاج بندقية كلاشنكوف وذخائرها. ويعتبر شافيز أن هذا التعاون مهم جداً بالنسبة لمستقبل أميركا اللاتينية، كما يعتبر أن من الضروري إقامة تحالف دولي في مجال الطاقة بين كل من روسيا وبيلوروسيا والصين والهند وإيران وفنزويلا... وكل ذلك وسط حنق واشنطن الشديد.
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008
2008-07-25