ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: الاغتراب عن الذات

كتب حسن نعيم
إذا كان الفضل في ابتداع اصطلاح الاغتراب عن الذات يعود إلى الفلاسفة الغربيين، فإن وجود الإنسان المغترب عن ذاته لا يعد بهذا المعنى ظاهرة جديدة, وألمه الناتج عن هذا الاغتراب أحد أبرز الآلام القديمة التي يعاني منها الإنسان منذ مطلع المدينة إلى يومنا هذا.
الفلاسفة المسلمون أولوا اهتماماً لهذا الموضوع قبل الغربيين وبحثوه بشكل مفصل، وإن لم يطلقوا عليه المصطلح نفسه. فقد تحدث الفلاسفة المسلمون عن عدم سلامة النظام الاجتماعي كسبب رئيسي للاغتراب عن الذات. يقول الدكتور حميد عنايت: "إن أدهى مصائب الإنسان المغترب عن ذاته هي أنه يفتقد إلى القصد والاختيار, ومثل هذا الإنسان يقع في الحقيقة أسيراً للضوابط غير الصحيحة, وكأن في عنقه حبلاً غير مرئي يجره إلى أي جهة تفرض عليه".
في ظل هذه المجتمعات الاغترابية تفقد المؤسسات خصائصها, فتستخدم لتحقيق أغراض متغايرة مع الأهداف التي أوجدت من أجلها، ويبدأ خطر الانحطاط بتهديد هذه المجتمعات الفاسدة.
أبو نصر الفارابي هو أول فيلسوف مسلم تعرض لهذه المسألة, فقد كان المعلم الثاني ـ الفارابي ـ يعيش في عصر ضعف الخلافة العباسية وانحطاطها وتحت عيون الحكام المستبدين الذين مثلوا مصدر الشر والفساد.
اعتقد الفارابي أن الإنسان الفاضل لا ينبغي له أن يعيش في مثل هذه المجتمعات الفاسدة, بل ينبغي عليه أن يعيش في المحيط السليم ويخالط أفراد المجتمع الفاضل إذا كان مثل هذا المجتمع موجوداً في زمانه. أما إذا لم يوجد فسيعيش الإنسان الكريم غريباً في الدنيا, وتتدهور حياته, والموت له أولى من الحياة.
الفيلسوف الإسلامي الآخر ابن باجة أوصى في كتابه "تدبير المتوحد" بانعزال الإنسان الطالب للحق وباستغنائه عن أصحاب النفوذ والسلطان وبتهذيب قواه العقلية وتنمية نفسه وحده دون الاعتماد على أي أحد". التجرد الذي يوصي به ابن باجة بلغ ذروته في قصة "حي بن يقظان" لابن طفيل المعاصر لابن باجة.
هذه بعض الرسائل الفكرية العابرة للعصور التي تسهم في معالجة الاغتراب عن الذات, ولكن ألا تعمق هذه التوصيات الاغتراب عن المجتمعات وتلغي عملية الإصلاح والتغيير والتأثير فيها؟
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008
إذا كان الفضل في ابتداع اصطلاح الاغتراب عن الذات يعود إلى الفلاسفة الغربيين، فإن وجود الإنسان المغترب عن ذاته لا يعد بهذا المعنى ظاهرة جديدة, وألمه الناتج عن هذا الاغتراب أحد أبرز الآلام القديمة التي يعاني منها الإنسان منذ مطلع المدينة إلى يومنا هذا.
الفلاسفة المسلمون أولوا اهتماماً لهذا الموضوع قبل الغربيين وبحثوه بشكل مفصل، وإن لم يطلقوا عليه المصطلح نفسه. فقد تحدث الفلاسفة المسلمون عن عدم سلامة النظام الاجتماعي كسبب رئيسي للاغتراب عن الذات. يقول الدكتور حميد عنايت: "إن أدهى مصائب الإنسان المغترب عن ذاته هي أنه يفتقد إلى القصد والاختيار, ومثل هذا الإنسان يقع في الحقيقة أسيراً للضوابط غير الصحيحة, وكأن في عنقه حبلاً غير مرئي يجره إلى أي جهة تفرض عليه".
في ظل هذه المجتمعات الاغترابية تفقد المؤسسات خصائصها, فتستخدم لتحقيق أغراض متغايرة مع الأهداف التي أوجدت من أجلها، ويبدأ خطر الانحطاط بتهديد هذه المجتمعات الفاسدة.
أبو نصر الفارابي هو أول فيلسوف مسلم تعرض لهذه المسألة, فقد كان المعلم الثاني ـ الفارابي ـ يعيش في عصر ضعف الخلافة العباسية وانحطاطها وتحت عيون الحكام المستبدين الذين مثلوا مصدر الشر والفساد.
اعتقد الفارابي أن الإنسان الفاضل لا ينبغي له أن يعيش في مثل هذه المجتمعات الفاسدة, بل ينبغي عليه أن يعيش في المحيط السليم ويخالط أفراد المجتمع الفاضل إذا كان مثل هذا المجتمع موجوداً في زمانه. أما إذا لم يوجد فسيعيش الإنسان الكريم غريباً في الدنيا, وتتدهور حياته, والموت له أولى من الحياة.
الفيلسوف الإسلامي الآخر ابن باجة أوصى في كتابه "تدبير المتوحد" بانعزال الإنسان الطالب للحق وباستغنائه عن أصحاب النفوذ والسلطان وبتهذيب قواه العقلية وتنمية نفسه وحده دون الاعتماد على أي أحد". التجرد الذي يوصي به ابن باجة بلغ ذروته في قصة "حي بن يقظان" لابن طفيل المعاصر لابن باجة.
هذه بعض الرسائل الفكرية العابرة للعصور التي تسهم في معالجة الاغتراب عن الذات, ولكن ألا تعمق هذه التوصيات الاغتراب عن المجتمعات وتلغي عملية الإصلاح والتغيير والتأثير فيها؟
الانتقاد/ العدد1284 ـ 25 تموز/ يوليو 2008