ارشيف من :آراء وتحليلات
العراق: الحكومات المحلية ومعالم المشهد المقبل

بعد شهرين من اجراء انتخابات مجالس المحافظات العراقية، انتهت عملية تشكيل الحكومات المحلية في اثنتي عشرة محافظة، مترافقة مع كثير من الجدل والسجال وتبادل الاتهامات بين بعض القوى الرئيسية، وعدم ثبات مواقف بعض القوى الصغيرة.
ولا شك، في ان تلك الانتخابات افرزت واقعا جديدا، يختلف في الكثير من جوانبه عن واقع الامس، وعليه يمكن ان تتأسس حقائق اخرى في المشهد السياسي العراقي، قد يظهر البعض منها في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر اجراؤها في منتصف العام المقبل 2014.
ما هي معالم وملامح الواقع الجديد؟
يمكن ان نشير الى جملة مسائل رئيسية بهذا الشأن، من بينها:
- ان التحالفات التي وضعت خطوطها الاولى قبل الانتخابات بين بعض الكتل السياسية، وتحديدا بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وائتلاف المواطن بزعامة رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، لم تصمد طويلا بعد الانتخابات، وبرزت بدلا عنها تحالفات واصطفافات جديدة، لعل اهمها وأبرزها تحالف التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر مع ائتلاف المواطن.
وربما تبدو نظرة البعض الى مجمل التحالفات بكونها هشة وليست رصينة، واقعية، او قريبة من الواقع الى حد كبير، فضلا عن كونها لم تَسِرْ وتتحرك بنفس الايقاع في كل المحافظات، بل انها سارت من دون معوقات في هذه المحافظة، في حين تعثرت في محافظة اخرى.
- أشارت نتائج الانتخابات الى تقدم قوى سياسية معينة، بصرف النظر عن ائتلافاتها، مثل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، والتيار الصدري، ومنظمة بدر، وحزب الفضيلة الاسلامي، في مقابل ذلك تراجعت قوى سياسية اخرى مثل حزب الدعوة الاسلامية.
فالمجلس الاعلى حصد 58 مقعدا، والتيار الصدري حصد 53 مقعدا، وكل من منظمة بدر وحزب الفضيلة حصدا 20 مقعدا، وهذه الارقام مقارنة بالارقام السابقة في الانتخابات المحلية عام 2009 تعد اعلى، بينما لم يتمكن ائتلاف دولة القانون بالاطار العام من الحصول على نتائج افضل، ناهيك عن المحافظة على مكاسبه في الانتخابات السابقة، وفي هذا الاطار فإن حزب الدعوة بزعامة المالكي حصل على 32 مقعدا، في ذات الوقت فإن اجنحة الدعوة الاخرى، كتيار الاصلاح الوطني بزعامة رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري، وحزب الدعوة ـ تنظيم العراق بزعامة نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، كانت نتاجها متواضعة جدا.
- في الاطار العام حصدت القوى السياسية الاسلامية النسبة الاكبر من مقاعد مجالس المحافظات، ولم تحصل القوى الليبرالية واليسارية الا على نزر يسير منها.
- أتاح نظام (سانت ليغو) لتوزيع المقاعد لبعض الكيانات والقوى الصغيرة الحصول على مواطئ قدم لها في بعض المحافظات، اي انها نجحت في حصد مقاعد هنا وهناك، بينما لم يكن بإمكانها ذلك وفق النظام السابق لتوزيع المقاعد (نظام القاسم الانتخابي)، وأكثر من ذلك فإن تلك القوى الصغيرة تمكنت من منافسة القوى الكبيرة على مواقع متقدمة في الحكومات المحلية، وبالتالي فرضت واقعا ربما كان اكبر من حجمها الحقيقي.
ففي كل محافظة هناك خمسة مواقع سيادية، هي المحافظ ونائباه، ورئيس مجلس المحافظة ونائبه، وفي اثنتي عشرة محافظة التي جرت فيها الانتخابات في العشرين من شهر نيسان/ ابريل الماضي، كانت حصة ائتلاف دولة القانون من المواقع السيادية المشار اليها 11 موقعاً، من بينها محافظ كربلاء وبابل والديوانية وذي قار والمثنى، ورئاسة مجالس محافظات النجف وكربلاء والبصرة وميسان، حصل حزب الدعوة بزعامة المالكي منها على منصب محافظ كربلاء ورئيس مجلس محافظة البصرة.
أما ائتلاف المواطن فقد حصل على تسعة مواقع سيادية، من بينها محافظ البصرة وواسط، ورئاسة مجالس محافظتي المثنى والديوانية، في حين حصل التيار الصدري هو الاخر على تسعة مواقع سيادية، من بينها محافظ بغداد وميسان، ورئاسة مجالس محافظتي ديالى وواسط.
أما القوائم الصغيرة، او غير الرئيسية فقد حصلت على اثنين وعشرين موقعا سياديا، من بينها محافظ النجف، الى جانب رئاسة مجالس بعض المحافظات ونيابة المحافظ ونيابة رئيس المجلس.
الى جانب ذلك فإن منصب المحافظ في محافظتي صلاح الدين وديالى ذهب الى المكون السني، ومن الطبيعي ان يذهب المنصب في كل من الانبار ونينوى التي جرت فيهما الانتخابات قبل ايام قلائل الى المكون السني ايضا.
وهذه المعطيات لم تتبلور في ظل اجواء ومناخات من الرضى والارتياح والقبول، بل في خضم اجواء ومناخات التشنج والاحتقان وتبادل الاتهامات والاقصاء والتهميش والتسابق نحو المواقع بشكل عام، او كما قال نائب رئيس الجمهورية السابق عادل عبد المهدي بأن "الحكومات المحلية تشكلت عبر تجاذبات أهمها:
1- الاستحقاق الانتخابي..
2- التحالفات بين القوائم..
3- تدافع القرارات بين المركز والمحافظة للجهة الواحدة..
4- المنافسات داخل القائمة الواحدة..
5- دور اعظم لعبته القوائم الصغيرة التي انصفها النظام الجديد".
ومع ان عبد المهدي يرى "ان العملية ـ أي عملية تشكيل الحكومات المحلية ـ انجزت بسرعة ونجاح معقولين، باعتبار ان الديمقراطية ايضاً مليئة بالاخطاء والسلبيات، لكنها الافضل لكشف الثغرات.. وتصحيح المسارات.. وتمثيل ارادة الشعب.. وتداول السلطة". الا ان بعضا ـ او كثيرا ـ من التوقعات تذهب الى ان فرص نجاح الحكومات المحلية بتقديم خدمات حقيقية للمواطنين والنهوض بالواقع الحياتي لمختلف المحافظات تبدو امرا عسيرا الى حد كبير، وما يزيد من صعوبتها هو واقع العملية السياسية في العراق، الذي يشهد الكثير من التجاذبات والاختلافات والخلافات الشائكة بين الفرقاء.
بيد ان النقطة الجوهرية والمهمة في ما تحقق من نتائج ومعطيات لمجمل العملية الانتخابية الاخيرة في العراق، هي بروز مقدمات لاصطفافات وتحالفات من شأنها ـ فيما لو تبلورت ونضجت اكثر ـ ان تساهم في رسم وصياغة خارطة سياسية تختلف عن الخارطة القائمة، من خلال انتخابات حزيران/ يونيو 2014 البرلمانية.
نتائج ومعطيات الانتخابات الاخيرة تشير بوضوح الى امكانية تقدم قوى، وتراجع اخرى، وتحالف من لم يكن ممكنا ان يتحالف مع هذا الكيان او ذاك، وانفراط عقد اتئلافات وتحالفات قائمة الان.
ولكن الدوائر المتعددة ام الدائرة الواحدة.. القائمة المفتوحة ام القائمة المغلقة.. نظام "سانت ليغو" ام "القاسم الانتخابي"؟؟.. كلها تحدد وتؤثر في طبيعة التحالفات والاصطفافات ومن ثم النتائج والمعطيات.