ارشيف من :أخبار عالمية

«جنرال موتورز» تعبر مؤقتاً إلى «واشنطن موتورز»

«جنرال موتورز» تعبر مؤقتاً إلى «واشنطن موتورز»
السفير

عملاق قطاع السيارات الذي طبع الثقافة الاميركية لقرن من الزمن، ومهد لبروز الطبقة الوسطى ونضال نقابات العمال، تهاوى على وقع الازمة المالية وتخلى عن استقلاله المادي، في وقت سارع الرئيس باراك اوباما الى القول ان إفلاس «جنرال موتورز» هو افضل السبل، في محاولة لطمأنة عمال الشركة
في ولايات انتخابية حاسمة، قد تبتعد عن الديموقراطيين في حال فشل هذه المغامرة.


تقدمت امس شركة صناعة السيارات الاميركية «جنرال موتورز» رسميا بأوراق الإفلاس التي تعرف بالفصل الحادي عشر، الى المحكمة الفدرالية في مانهاتن حيث ذكرت ان موجوداتها تصل الى 82,3 مليار دولار وتبلغ ديونها 172,8 مليار. وذكر الرئيس التنفيذي للشركة فريتز هندرسون، في إفادة محكمة في 24 صفحة، ان إعلان الإفلاس هذا، الذي ترعاه وزارة المالية وينقل الملكية الى شركة «جنرال موتورز جديدة»، هو الخيار الوحيد لتفادي انهيار الشركة بعد افلاسها الذي يعد الاكبر بين الشركات الصناعية في الولايات المتحدة. واضاف «لا توجد عملية بيع اخرى، او حتى مشترين محتملين آخرين، في هذه المرحلة او في الأفق».


وبعدما كانت اكبر مصنع سيارات في العالم بعد شركة «تويوتا» اليابانية، وتصدرت مبيعات السيارات حول العالم بشكل متواصل من العام 1931 حتى العام 2007، بدأت مصاعب الشركة مع ملامح الركود الاقتصادي في العام 2001، وتوسعها التجاري غير الطبيعي، وارتفاع أسعار النفط، وتزايد المنافسة مع الشركات الأجنبية التي لديها معدلات أجور اقل.


اختصر اوباما حجم الحدث بالقول «هذه ليست اي شركة، هذه جنرال موتورز». وقال في البيت الابيض محاطا بمستشاريه، ان ازمة الشركة وضعت ادارته في «موقف غير مرحب به» بالتدخل، حيث طمأن الاميركيين بالقول «ما لا افعله، ما ليس لدي اهتمام بفعله، هو ادارة جنرال موتورز»، واصفا خطة الإنقاذ بانها «خطة قابلة للتحقيق ستعطي الشركة فرصة للنهوض مجددا». وتابع «أوضحت منذ البداية انني لن أضع المزيد من أموال الضرائب على الخط اذا كان هذا الامر يعني إطالة أمد القرارات التجارية السيئة التي أدت بهذه الشركات الى طلب المساعدة في الأصل». وتحدث عن تضحيات مطلوبة من اتحاد عمال السيارات ومالكي الأسهم في الشركة.


وقد فرضت ادارة اوباما هذا الإفلاس على «جنرال موتورز» بعد نزاع استمر لأشهر في عملية تأميم مؤقتة تنزع فتيل الاستنزاف المادي لهذه الشركة على الخزينة. وتقضي الخطوة بسيطرة وزارة المالية على 60 في المئة من «جنرال موتورز» مقابل تمويلها بـ50 مليار دولار، بينما تحصل الحكومة الكندية على 12 في المئة من حصة الشركة في هذه المرحلة الانتقالية حتى إعادة هيكلتها.


ويتوقع ان تنهي ادارة اوباما ملكيتها المؤقتة لـ«جنرال موتورز» في غضون 6 الى 18 شهرا نظرا لحجمها وهيكلتها المعقدة. وقال مسؤول اميركي فضل عدم الكشف عن هويته في مؤتمر صحافي عبر الهاتف «ليس هناك خطة لأي نوع من خطة طوارئ او اي نوع من تمديد الدعم في المستقبل»، في ظل مخاوف من ان «جنرال موتورز» قد تحتاج الى مزيد من الاموال في المرحلة المقبلة.


وقال اوباما «الحكومة الفدرالية ستمتنع عن ممارسة حقوقها بوصفها احد المساهمين... وفي ما يتعلق بقرار صعب يجب اتخاذه حول مسائل مثل مكان فتح مصنع جديد او صناعة اي نوع سيارة، جنرال موتورز الجديدة، وليس حكومة الولايات المتحدة، ستتخذ القرار». واضاف «لكنني سأكون صريحا معكم. بناء جنرال موتورز اصغر حجما سيأتي مع تكلفة، وسيكون له أثرا مؤلما على الكثير من الاميركيين الذين اعتمدوا على جنرال موتورز لأجيال». وطلب من الاميركيين القيام بهذه «التضحية للجيل المقبل».

وستتخلى الشركة عن حوالى 21 ألف عامل، وسينخفض عدد المصانع الاميركية من 47 الى 33 بحلول العام 2012 رغم صعوبة حصول هذا الامر في ظل العلاقة التاريخية بين الحزب الديموقراطي ونقابات العمال، لاسيما ان المصانع التي ستغلق موزعة في ولايات حاسمة ومتأرجحة انتخابيا في ميتشغان واوهايو وانديانا وتينيسي. وقرر اوباما إرسال مسؤولين من ادارته الى هذه الولايات لطمأنة سكانها ان هذه الخطوة لا تعني نهاية تصنيع السيارات وفرص العمل التي توفرها.

وسيحصل العمال على 20 في المئة من حصة الشركة تعويضا عن ديون الرعاية الصحية المتراكمة على الشركة (20 مليار دولار)، وهذه ايضا مخاطرة بحيث لا ضمانات بعد لنجاح تجربة «جنرال موتورز» المصغرة، وفي ظل انتقادات ان ادارة اوباما صاغت عملية الإفلاس هذه مع تفضيل لاتحادات العمال على حساب المساهمين في الشركة الذين تخلوا عن اعتراضهم على الإفلاس وتحولت حصتهم من 54 الى 10 في المئة فقط من معادلة الشركة الجديدة.

وتسعى «جنرال موتورز» لتخفيض مستوى توقعات مبيعاتها من 16 مليون سيارة الى 10 ملايين، ولكن يتطلب تحسين أدائها بعد تصغير حجمها، استثمار 30 مليار في الشركة، إضافة الى مبلغ 20 مليار دولار التي سبق لإدارة اوباما ان وفرته الى الشركة.
سيارة «ساتورن» التي أطلقتها «جنرال موتورز» في العام 1990 لمنافسة السيارات الأجنبية، اعلنت إفلاسها ايضا وسينتهي طرحها في الاسواق بحلول العام 2012. سيارة «صعب» التي تصنعها «جنرال موتورز»، سبقت ان اعلنت إفلاسها في السويد، وسيارة «اوبل» التي تصنعها الشركة طلبت الحكومة الالمانية الاسبوع الماضي من شركة «مغنا انترناشونال» الكندية بشرائها.

وبهذا، قررت «جنرال موتورز» إنهاء أربع أنواع سيارات تصنعها في الولايات المتحدة هي «بونتياك» التي ستنتهي بحلول العام 2010 و«صعب» و«هامر» و«ساتورن»، فيما تبقي على «شيفروليه» و«كاديلاك» و«بويك» و«جي ام سي». كما خسرت «جنرال موتورز» موقعها على مؤشر «داو جونز» الصناعي في «وول ستريت» الذي تحتله منذ العام 1925، فيما تقدمت أسهم شركة «فورد» وشـركات السـيارات الأجنبية في الاسواق المالية الاميركية.


وقال رئيس الحزب الجمهوري مايكل ستيل في بيان «مهما لفق الرئيس قصة إفلاس جنرال موتورز باعتبارها جيدة للاقتصاد، انها لا شيء اكثر من استيلاء الحكومة على شركة خاصة وصدقة اخرى الى النقابات التي ساعدت في تمويل حملته الانتخابية. سيملك الرئيس اوباما الآن 60 في المئة من جنرال موتورز والنقابات ستملك حوالى 20 في المئة. وعلى ماذا سيحصل دافعو الضرائب؟».

وتتخبط ادارة اوباما في تحديد ضوابط دور الحكومة الفدرالية في ادارة القطاع الخاص بعد ملكيتها الآن لأكبر الشركات الاميركية، مثل «اي اي جي» و«فريدي ماك» و«فاني ماي»، والان «جنرال موتورز»، في ظل انتقادات يومية من الحزب الجمهوري تعتبر سياسات اوباما «اشتراكية».
 

ويأتي هذا الحدث الاقتصادي بعد شهر من إعلان «كرايسلر» لإفلاسها في 30 نيسان الماضي، والتي قد تعود الى الساحة بعد ايام بعد إعادة هيكلتها لتتلاءم مع تداعيات الازمة المالية، لاسيما مع موافقة محكمة الإفلاس في نيويورك الأحد الماضي على شراء غالبية أصولها من شركة «فيات» الايطالية. واستغل البيت الابيض هذه الخطوة الايجابية في بيان قال فيه اوباما ان «كرايسلر لديها عمر جديد الآن»، وأعاد التذكير بوعد الادارة في عبور مرحلة الإفلاس «بسرعة وفعالية».

2009-06-02