ارشيف من :أخبار عالمية

خاص الانتقاد.نت : مرضى غزة في الضفة...علاج الروح والجسد

خاص الانتقاد.نت : مرضى غزة في الضفة...علاج الروح والجسد
رام الله - الانتقاد.نت

بين الخوف والأمل، تجلس الحاجة فايزة أبو حدايد على سريرها بانتظار عملية "قلب مفتوح" في أحد مستشفيات مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.. والحاجة فايزة "أم محمد" أتت منذ يومين فقط من خانيونس، جنوب قطاع غزة... طلبا للعلاج و" لوطن محرم علينا" كما تقول..
ومنذ سنوات طويلة، لم يعد من المألوف أن ترى "غزيا" في "الضفة". ورغم أن الحصار الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة شكل منعا باتا لمرور أي فلسطيني إلى الضفة الغربية إلا في حالات محددة جدا، إلا أن فصل الضفة الغربية عن القطاع كان سياسة بدأت منذ السبعينيات تقريبا واستكملت حلقاتها بعد اتفاق أوسلو منتصف التسعينات.


من غزة..قادمون


وتمثل " أم محمد أبو حدايد" اليوم واحدة من مئات المرضى الغزيين، الذين حالفهم "الحظ والأمل" في الوصول إلى شق الوطن الآخر، رغم أن هذا الوصول لم يكن سوى رحلة علاج بموافقة إسرائيلية محددة بوقت ومساحة جغرافية محصورة.
تقول أم محمد أبو حدايد إنها بدأت تعاني من ضيق في شرايين القلب منذ أكثر من عام، ورغم خضوعها لعدة عمليات قسطرة إلا أن الأطباء كانوا دائما يوصون بحاجتها لعملية قلب مفتوح وهو الأمر غير المتوفر في مستشفيات القطاع.

وتتابع أم محمد رغم أوجاعها:" نحن في غزة نموت ولا نجد علاج، صارلي سنة بلف على المستشفيات وما قعدت في بيتي أيام معدودة".
وفي الحرب الأخيرة اتخذت الحاجة فايزة من المستشفى الأوروبي جنوب قطاع غزة سكنا لها، وتقول: " قعدت في المستشفى، ورجوت الأطباء أن لا يعيدون إلى البيت، قلت لهم سأنام على الأرض ولكن لا تعيدوني للموت خوفا من القصف.. قلبي مش متحمل".


بسبب الفسفور الأبيض


في قسم العناية المكثفة من المستشفى ذاته، يرقد الطفل محمد محمد غبن " عام وثمانية شهور" وقد أتى من أكثر مناطق قطاع غزة تعرضا للقصف في الحرب الأخيرة، من بلدة بيت لاهيا.. ومحمد كان أحد "المهدورة حياتهم" في مدرسة الفاخورة ذات "المجزرة الشهيرة".
وتقول أم محمد التي ترافقه للشهر الثاني بعيدا عن عائلتها وأطفالها في قطاع غزة، إنها قدمت مع طفلها الأصغر بعد أن عانت "الأمرين" للحصول على تحويلة طبية إلى مستشفى متقدم بعد أن دخل محمد في غيبوبة إثر تعرضه لشم الفسفور الأبيض أثناء نزوحهم إلى مدرسة الفاخورة أيام الحرب.
وتروي الأم: خرجنا أول أيام الحرب إلى المدارس القريبة وبالتحديد إلى مدرسة الفاخورة، وعندما تعرضنا للقصف في الأسبوع الأخير بقذائف الفسفور فقد ابني محمد القدرة على التنفس وغاب عن الوعي.

وحينها تمكن الأطباء من إنقاذ محمد عن طريق إنعاشه بواسطة جهاز "فيلتوليتر"، إلا أن الأمر لم يدم طويلة.
وتتابع الأم: عندما عدنا إلى منزلنا بعد انتهاء الحرب، فوجئنا بجزء منها وقد احترق، ولما حاولنا رفع بعض الأنقاض عادت قنابل الفسفور الملقاة في المكان لإخراج دخانها من جديد، وهو ما تسبب في اختناق محمد للمرة الثانية، ولكنها كانت الأسوأ.

وفي هذه المرة دخل الطفل في حالة غيبوبة وفقدان القدرة على الحركة، أي الشلل التام، بعد أن تعرض نخاعه الشوكي للضرر الكبير جراء استنشاق دخان الفسفور الأبيض. ورغم ربطه بجهاز التنفس الصناعي لفترة ثلاثة أشهر على الأقل، إلا أن وضعه الصحي لم يتحسن.
وتعترف الأم، "إن كثير من الأطفال والناس عامة الذين تعرضوا لشم الفسفور ماتوا اختناقا أو تسبب لهم ذلك بتشوهات في أجسادهم، إلا أن محمد دخل في غيبوبة لا نعرف لها نهاية".


وين الإنسانية؟

وعلى مقربة في غرفة أخرى، تجلس شفاء عزيز "أم ناصر" القادمة من معسكر جباليا، تلاطف النساء من حولها، ورغم ألمها، تريد التعرف إليهن ومن أي القرى والمدن هن وما هي مدى معرفتهن بغزة وبحربها وحصارها.. ثم تضيف:" جميعنا في سجن واللي بمرض بنخنق وبموت فيه..".
وقد وصلت أم ناصر قبل أسبوع تقريبا، وخضعت مباشرة لعملية قلب مفتوح وتوسيع شرايين، بعد أن فشلت عدة عمليات قسطرة في إزاحة ألمها الذي " دمل من جرح غزة" كما تقول.

ثم تضيف:" شهرين وانا انتظر الحصول على تحويلة، رغم اعادة فتح دائرة العلاج بالخارج، لكثرة المرضى الذين يحتاجون لعمليات خارج القطاع".
ثم تتابع:" إذا كان لدينا مستشفيات فلسطينية متقدمة في الضفة، لماذا يحرموننا بلادنا والوصول إليها حتى لو إلى مستشفى؟".. تضع كفا على آخر، وتقول:" مش حرام الأطفال يموتوا والجرحى يعيشوا معاقين في غزة وما يلاقوا علاج؟؟ وين الإنسانية؟ وين حقوق الإنسان؟؟...".


شهداء وآخرون في الانتظار

وتفيد المعلومات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أن أكثر من 330 فلسطينيا استشهدوا منذ بداية الحصار المفروض على قطاع غزة قبل أكثر من عامين، بسبب منعهم من السفر للعلاج خارج القطاع، في وقت تدهورت فيه الأوضاع الصحية إلى حد كارثي في المستشفيات والعيادات التي فقدت أدنى التجهيزات الطبية المطلوبة.


وحسب بيانات دائرة التحويلات في وزارة الصحة الفلسطينية بالضفة الغربية، فإن نحو 570 حالة مرضية معظمها من مرضى القلب والسرطان ومن جرحى العدوان الأخير على قطاع غزة، تم تحويلها إلى مستشفيات الضفة الغربية والقدس، فيما ينتظر الآلاف في القطاع للحصول على موافقة أمنية إسرائيلية للخروج إلى الضفة والقدس على أمل إجراء عمليات عاجلة لهم قبل فوات الأوان.

2009-06-03