ارشيف من :أخبار عالمية

أوباما يخاطـب العالم الإسـلامي بكلام معـسول: لليهود حق بوطن وأواصرنا مع إسرائيل لا تقطع

أوباما يخاطـب العالم الإسـلامي بكلام معـسول: لليهود حق بوطن وأواصرنا مع إسرائيل لا تقطع
السفير

«كاريزماه» الطاغية، عباراته المنمقة، فصاحته اللغوية والتعبيرية، اقتباساته من الكتب السماوية، امتزجت على مدة ساعة تاريخية في قلوب مستمعيه ومشاهديه، من دون أن تجد طريقها...إلى العقول.
5645 كلمة رسخت محاولة القطيعة مع سياسات جورج بوش، لكنها لم تكن اكثر من حملة «علاقات عامة»، تسوق بشكل افضل لسياسات الادارة الاميركية الجديدة؛ اما «التغيير» الذي انتظره الكثيرون ممن تسمروا امام الشاشات، من القاهرة الى كل العالمين الاسلامي والعربي، فقد قدمه الرئيس الاميركي باراك اوباما شكلا بلا مضمون، وكلاما معسولا، بلا جوهر.


أمام آلاف الحاضرين في قاعة الاجتماعات الكبرى في جامعة القاهرة، من رجال دين ومسؤولين ومثقفين وفنانين وطلاب، وبغياب مضيفه الرئيس المصري حسني مبارك، عرض اوباما «بداية جديدة» مع العالم الاسلامي، تتجاوز «الأضرار» التي ألحقتها ادارة بوش بالعلاقات مع المسلمين طوال ثمانية اعوام. فلسطين هي المحرك الاساسي. لكن الرئيس الاميركي اختار ان يبدأ بإسرائيل التي «لا يمكن قطع اواصر العلاقة الاميركية» معها. المحرقة النازية حضرت وجدانا وسياسة؛ لتبرر لليهود حقهم في «وطن». أما محرقة غزة فلم تجد لها مكانا في القاعة. لكن الرئيس الاميركي «تكرم» وأشار الى المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وضرورة قيام دولة لهم، ووقف الاستيطان في اراضيهم. اما «مقاومتهم» التي ذكرها بالاسم، فلا حاجة لهم بها.


بدا كلام اوباما مثيرا للارتباك في الوعي العربي، وهو يخاطب المسلمين خصوصا، والعرب بشكل عابر، في ذكرى العدوان الاسرائيلي العام 1967. فقد بدا الرئيس الاميركي «متقدما» بشكل ما على مواقف العديد من الزعماء العرب، في موقفهم خصوصا من فلسطين ومن الصراع مع اسرائيل.


سبع نقاط «خلافية» حددها اوباما للنقاش، قبل إعادة إطلاق العلاقات الاميركية مع العالم الاسلامي، على أساس «الاحترام المتبادل» و«المصالح المشتركة»: التطرف، الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ الاسلحة النووية؛ الديموقراطية؛ التحيز الديني؛ حقوق المرأة؛ الاقتصاد. عبارة «السلام عليكم» افتتحت رحلة «المصارحة» السباعية. تلتها آيات من القرآن الكريم، من دون ان ينسى تذكير العالم بروابطه الاسلامية، وإطلاعه على «تاريخ وحضارة» الإسلام.

من رفضه للصورة «النمطية البدائية» عن المسلمين، وانتقاده في المقابل تصوير بلاده على انها «إمبراطورية لا تهتم إلا بمصالح نفسها»، وبعد العراق الذي «لا أطماع» للولايات المتحدة فيه، قدم اوباما الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على انه حجر الزاوية في علاقة ادارته السياسية والأخلاقية مع العالم الاسلامي ومنطقة الشرق الاوسط.


في البداية، حضرت العلاقة المميزة مع اسرائيل. فاليهود الذين «تعذبوا» على مدار عشرات السنين، وخاصة في ظل المحرقة، لا بد ان يكون لهم «وطن يهودي». هي «رغبة متأصلة» في «تاريخ مأساوي» لا يمكن لأحد «نفيه». الفلسطينيون ايضا «عانوا». باختصار، قضوا 60 عاما يواجهون التهجير و«إهانات» الاحتلال. لم يتوجه اوباما الى اسرائيل بالاتهام.
 

وفيما ان الولايات المتحدة «لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر»، فإنها لا تقبل «مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية». على العرب مسؤولية موازية. وتحدث عن المبادرة العربية للسلام على انها خطوة من الماضي تستوجب خطوات مستقبلية للتطبيع، معتبرا انها «كانت بداية مهمة، لكن المسؤوليات العربية لا تنتهي بها.. فهناك الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي». على حماس التي «تحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين»، كذلك «تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني ووضع حد للعنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة وبحق إسرائيل في البقاء».


أمام إيران، فالولايات المتحدة «إبان فترة الحرب الباردة، أدت دورا في إطاحة الحكومة المنتخبة بأسلوب ديموقراطي فيها (حكومة مصدق)، بينما أدت ايران منذ الثورة في أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأميركيين». من هذا المنطلق، اوباما يرغب بالمضي «متسلحا بالشجاعة واستقامة النوايا لمناقشة الكثير من القضايا» مع طهران، التي لها الحق في الوصول الى «الطاقة النووية السلمية». اما التسلح الايراني النووي فهو ما لن يقبله اوباما فيما هو يؤكد مجددا إخلاء العالم من الاسلحة النووية.


ردود الفعل العربية والإسلامية حيال خطاب اوباما، تباينت بين من وصفه بـ«التاريخي» واعتبره مقدمة لإصلاح العلاقات بين واشنطن والعالم الإسلامي، وبين من انتقده حيث انه لم يكن عادلا خلال مقاربته للقضية الفلسطينية، معتبرا انه ما زال أمامه الكثير من العمل، خصوصا حيال الصراع العربي الاسرائيلي.

انقسم الفلسطينيون ايضا في قراءة الخطاب. اعتبرت فصائل المقاومة ان الكلمة لم تقدم أي تغيير جوهري في السياسة الاميركية، بينما رأت السلطة ان الكلمة تمثل «بداية جديدة». أما إسرائيلياً، فلم تكن حكومة بنيامين نتنياهو بحاجة للاستماع الى الخطاب، لتحدد موقفها منه على أنه خطاب غير جيد، اذ ان الخطاب، بحد ذاته، يشكل بداية جديدة، ترى إسرائيل فيها نهاية لـ«مصادقة» أميركية على كل ما يتقرر في تل أبيب بشأن مصالح أميركا و«العالم الحر» في المنطقة.


وعلى مستوى التحليل الكمي للمصطلحات والعبارات التي جاءت في خطاب اوباما، الذي سبقه لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك وزيارة الى مسجد السلطان حسن، وتلته زيارة «مطولة» الى منطقة الأهرامات، أشار الرئيس الاميركي إلى «الفلسطينيين» حوالى تسع عشرة مرة، وتحدث بإيجابية عن إسرائيل في ستة مواضع، وفي خمسة مواضيع أخرى للتأكيد على ضرورة التعايش المشترك بين الطرفين. وأشار إلى الالتزامات المفروضة على إسرائيل في ثلاثة مواضع. ولفت مرتين إلى قضية المستوطنات بشكل سلبي. ولم يتحدث عن إقامة دولة فلسطينية سوى في موضع واحد فقط.
 

وبالنسبة لقضية الديموقراطية، فلم ترد في سياقه سوى خمس مرات، بينما لم يشر الخطاب إلى النظم السلطوية أو الدكتاتورية بأي شكل. وتطرق اوباما مرة واحدة الى لبنان حيث كان يتحدث حول التعددية الدينية التي هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب ان يشمل ذلك الموارنة في لبنان او الاقباط في مصر».

كما أشار الى الوجود الأميركي الحالي في العراق بصفته «احتلالاً» مرة واحدة، بينما تحدث بكثافة عن «الانسحاب»، حيث ورد ذلك المصطلح حوالى خمس مرات في سياق حديثه. وذكر الخطاب بكثافة كلمة «مسلم» أو «إسلامي»، حيث وردت حوالى ثلاث وأربعين مرة، منها أكثر من خمس عشرة مرة بمعنى إيجابي.

2009-06-05