ارشيف من :أخبار لبنانية
ثلاثة اتّجاهات داخل الموالاة، وجنبلاط أوسطها/ بقلم جان عزيز في "الاخبار"

يروي أحد الذين رافقوا مسؤولاً كبيراً في دولة شرق أوسطية للمشاركة في مؤتمر حواري إسلامي عقد في السعودية منذ أسابيع، أنه التقى هناك صدفة على هامش المؤتمر أحد أفراد العائلة المالكة، والذي كان اسمه قد زجّ تكراراً في الحوادث اللبنانية الأخيرة. فبادره قائلاً: «قسماً بالله، أوقف تدخلك في لبنان». ويروي الضيف نفسه أن المسؤول السعودي أجابه باسماً: «أؤكد لك أنني منذ أسابيع طويلة لم أعد أتعاطى في الشأن اللبناني إطلاقاً».
قد لا تكون الواقعة صحيحة، وقد لا تكون حيثياتها دقيقة. غير أن مدلولاً لها يبدو وقد أصبح حقيقة واقعة، وهو الانكفاء السعودي عن الساحة السياسية اللبنانية، عقب حوادث 7 أيار الماضي، أو على الأقل اختلال موازين القوى في الساحة نفسها، على حساب الدور السعودي الذي ساد في الأعوام الثلاثة الماضية.
وقياساً إلى هذا المدلول، يسود لدى فريق الحكومة السابقة مناخ يشير إلى أن الرياح الإقليمية لم تعد بما تشتهيه أشرعته. ويتحدث البعض داخل هذا الفريق عن أن هذا التحوّل سيترجم عملياً على أرض الواقع في الانتخابات المقبلة. ويضيف بعض المخضرمين هناك أن الاستحقاقات في لبنان كانت، تاريخياً، انعكاساً لعاملين: الأجواء الإقليمية، وهوية السلطة القائمة. ولم يشذّ أي برلمان عن هذه القاعدة منذ قيام البرلمان. حتى سابقة «الحلف» سنة 1968، لم تكن غير تعبير عن موازين ما بعد «النكسة» وإعادة تموضع شارل حلو، وهو ما كانت بوادره قد لاحت في فرعية جبيل الشهيرة سنة 1965. هكذا يسود جوّ لدى فريق النصف +1 أنه مقبل على استحقاق نيابي صعب، أو خاسر. لأن القاعدة التاريخية في لبنان أن الأكثرية النيابية في ساحة النجمة هي مجموع السلطة في بيروت، زائداً المناخ الإقليمي المتفاعل معها. وإزاء هذه الأجواء، تتبلور لدى الفريق نفسه ردود فعل ثلاثة، هي في الواقع تعبيرات عن الظروف الذاتية والموضوعية لكل مكوّن من مكوّنات هذا الفريق.
رد الفعل الأول يمثّله أساساً مسيحيّو «ائتلاف النصف +1» داخل الحكومة الحالية، وعنوانه الظاهر هو عدم التسليم مسبقاً باحتمال خسارة الانتخابات منذ الآن، لا بل الاستعداد المطلق لخوضها تحت عنوان واحد: نزع سلاح حزب الله. وينطلق أصحاب رد الفعل هذا من ثلاثة اعتبارات: أولاً اعتقادهم بأن هذا العنوان الانتخابي لمعركتهم يملك من الجاذبية المسيحية ما يؤهّلهم على الأقل لعدم الاستسلام. ثانياً، رهانهم الدائم على أن الأشهر العشرة الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي قد تحمل تطورات إقليمية تعيد ترجيح الكفّة السعودية في مواجهة سوريا، وقد تعيد الاهتمام الأميركي بلبنان، من زاوية احتمال فشل الحوار بين واشنطن وطهران. وثالثاً، الحساب القائل بأن معركتهم ضد سلاح حزب الله قد تمثّل نقطة التلاقي للتحوّلين المرتجيين سعودياً وأميركياً. كذلك يخلص أصحاب رد الفعل هذا إلى حسم خيارهم: «اعرف عدوك، سلاح حزب الله عدوك».
رد الفعل الثاني ضمن الفريق نفسه يمثّله وليد جنبلاط، وعنوانه، لا «التكويع» كما يحلو للبعض توصيفه، ولا الانقلاب على الذات، ولا حتى إعادة التموضع، بل مجرد التراجع خطوة والوقوف عند «تقاطع الطرق» الداخلي والإقليمي والدولي، بما يتيح انتظاراً مريحاً حتى انقشاع الأجواء.
يبقى رد الفعل الثالث، ويمثّله اتجاه واضح لدى بعض المكوّن الحريري داخل فريق «النصف الحكومي»، وعنوانه دفع الأمور، أو تركها تندفع تلقائياً، أو على الأقل عدم الممانعة في اندفاعها العفوي نحو عدم إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل. وينطلق أصحاب هذا الاتجاه من عاملين اثنين: أولاً معرفتهم بأن التطورات الإقليمية المتاحة في الأشهر الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي ستكون أكثر خللاً لميزان قوتهم، على عكس رهان مسيحيي فريقهم. وثانياً إدراكهم بعدم قدرتهم على التكيّف مع أي تبدّل، على عكس «الخيار المحتمل» لجنبلاط، وهو ما بدأ التمهيد له بالكلام عن استحالة الانتخاب في ظل السلاح.
ثلاثة ردود فعل تعكس القدرة على رصد ثلاثة أبعاد للوضع اللبناني بين الداخلي والإقليمي والدولي، وتعكس في نتيجتها مدى الحكمة في حسن القراءة والفهم والرصد.