ارشيف من :آراء وتحليلات
بفعل النتائج المرتقبة للانتخابات النيابية.. أمين الجميل والكتائب: حضور مهدد بالتقلص

كتب ابراهيم صالح
بعد أقل من 48 ساعة على الجريمة التي ارتكبت بحق ولده الوزير السابق بيار الجميل كان الرئيس الاسبق امين الجميل يبادر الى طلب مواعيد عاجلة من قيادات سياسية من غير اللون السياسي المحسوب عليه، وتحديداً من المعارضة.
أراد الرجل المعروف "بشهوته" الجامحة الى السلطة والرئاسة من هذا الطلب امراً واحداً "اضمنوا لي العودة الى الرئاسة الاولى، وانا أعلن ولائي التام لكم، وأنزل عند كل طلباتكم".
كان واضحاً ان هذا الرجل الذي اعتاد وراثة الموتى من عائلته، بدءا بخاله موريس الجميل، مروراً بشقيقه بشير الجميل، اراد ان يستغل دماء ولده وهي بعد "ساخنة" ويوظفها، ليعود مجدداً الى السلطة التي بات يستجديها منذ ان خرج من قصر بعبدا عام 1988، ثم اخرجه قائد "القوات اللبنانية" من المتن ومن لبنان نهائياً بعدما "اجتاح" المنطقة عسكرياً.
وأعاد الكرّة ثانية بعد فترة قصيرة، وبالتحديد في انتخابات المتن الفرعية، حيث ترشح هو شخصياً لملء الفراغ، ولا يزال المتنيون واللبنانيون عموماً يذكرون مشهده وهو يذرف الدمع مع ولده الآخر وعائلته مع كل طلة اعلامية مستدراً عطف الناخبين واصواتهم.
وعندما اخفق في بلوغ مراده ونجح منافسه مرشح التيار الوطني الحر النائب كميل خوري، ايقن امين الجميل ان زعامته قد آلت الى المغيب، وان حزبه "العريق" لم يعد حزب المسيحيين كما شاء مؤسسه، فهؤلاء غادروا الى مطرح آخر، وبالتحديد الى فيء اللون البرتقالي الرامز الى زعامة العماد ميشال عون التي بسطت ظلها على كل المناطق المسيحية بخطاب جديد منفتح على الآخر، وراغب ببناء وطن ودولة قوية وعادلة، وليس "حمية مزرعة" تدخل ابناءها كل حين جحيم الحروب والصراعات الاهلية المدمرة.
طبعاً لم يقتنع احد ان سبب "هزيمته" المدوية في تلك الانتخابات اصوات الأرمن الذين هاجمهم ونعتهم بنعوت قاسية نالت منهم ومن تاريخهم ودورهم الوطني.
فمنذ تلك "النكسة" الكبرى ايقن امين الجميل انه وحزبه لا قيمة لهما ولا موقع وازنا في الاجتماع السياسي اللبناني من دون ان يكون مستتبعاً او متكئاً على قوة تسنده وتقيه السقوط المريع.
وعليه "اسرع" الجميل في لعب بجدارة وبراعة دور "الشتام" نيابة عن فريق 14 شباط، او بمعنى ادق، اولج الى الجميل قول الخطاب الذي لا يشاء حلفاؤه قوله.
لذا فقد صال وجال بخطاب خشبي وحجري اقل ما يقال فيه انه استعادة لخطاب غير جذاب مجه المسيحيون انفسهم فضلاً عن اللبنانيين جميعاً، يعيد الى ذاكرتهم مشاهد الفترة السوداء من تاريخهم غير البعيد، وهو التاريخ الذي ازداد ولا ريب، حلكة وسواداً ابان كان هو في موقع الرئاسة الاولى، حيث يذكر جميع الذين عايشوا تلك الحقبة المدلهمة، كيف انهارت المؤسسات وعمّ الفساد وتجددت الحروب والصراعات الاهلية، وتهالك الاقتصاد والمالية العامة، حيث تدنت قيمة العملة الوطنية الى الحضيض، وتآكلت المدخرات والتعويضات، وكان ذلك بفضل النهج السياسي والامني الذي اتبعه يومذاك وأدى على سبيل المثال وليس الحصر الى تدمير الضاحية الجنوبية بأوامر منه، اضافة الى صفقات السلاح "الفاسدة"، ولا سيما صفقة مروحيات "البوما" التي درت عليه وعلى أعوانه المعروفين مئات ملايين الدولارات (آنذاك) كعمولات.
وعندما عاد امين الجميل الى لبنان بعد وساطات معروفة التفاصيل مع السوريين ومع العهد آنذاك، وجد الرجل ان زعامته صارت عصفا مأكولاً واشتاتاً، وواقع الحال ما زال مستمراً.
وبرغم كل ما أداه لفريقه من خدمات ومهمات تدرج عادة في المهمات غير "النبيلة" فإن الجميل كان مضطراً لأن يخوض صراعاً دائرياً مريراً مع الذين يتعين انهم حلفاؤه لكي يضمن ايصال اكبر عدد ممكن من مرشحي حزبه الى مجلس النواب.
وبمعنى اوضح ايقن الجميل انه لا يمكن له ان يضمن منفرداً، او عبر قواه الذاتية الحصول على مقعد نيابي واحد في اي دائرة ذات غالبية مسيحية.
وعليه بادر الى ممارسة لعبة الابتزاز التي يتقنها فكان ترشيحه للمرشح سامر سعادة في دائرة البترون، وهو على وعي تام بأن ذلك باب الى مشكلة مع فريق القوات اللبنانية، وعبر هذا الابتزاز المكشوف رضي لاحقاً بنقل المرشح سعادة الى دائرة طرابلس على لائحة تيار "المستقبل"، والواضح ان الامر كله كان معداً سلفاً وهو عبارة عن "سيناريو" لبلوغ هذه النتيجة.
كذلك كان على الجميل ان "يقاتل" بشراسة على جبهة اخرى ليضمن مقعداً نيابياً آخر، في دائرة عاليه، اذ انتهت المفاوضات التي اجريت مع النائب وليد جنبلاط الى ضم المرشح فادي الهبر عن المقعد الارثوذكسي مكان النائب انطوان اندراوس، علماً ان الهبر واحد من "رموز الحرب الاهلية" التي لعبت دوراً عسكرياً سيئاً في القتل والتهجير، عندما كان مسؤولاً عسكرياً في القوات اللبنانية عن قطاع عاليه خصوصاً عام 1982.
ولم يعد خافياً ووفق كل المعطيات والاستطلاعات ان هذين المرشحين ربما كانا هما الكتائبيين الوحيدين المقدر لهما بلوغ الندوة البرلمانية، في حين ان كل مرشحي الكتائب الاخرين مهددون بالاخفاق والفشل، وفي مقدمهم ولده سامي المرشح عن دائرة المتن الشمالي والمرشح عن دائرة زحلة الوزير ايلي ماروني..
وهكذا يتضح بجلاء ان اسم امين الجميل "ابرز المرشحين" لعدم العودة الى طاولة الحوار الوطني في الفترة المقبلة، اذ من شروط عضوية هذه الطاولة ان يكون المدعو اليها من كتلة نيابية تضم على الاقل ثلاثة او اربعة نواب.
ولا بد من الاشارة الى ان الجميل في طاولة الحوار في الاعوام الاربعة الماضية كان غير شرعي وغير دستوري، اذ لم يعد للكتائب اي مقعد نيابي بعد مقتل النائبين بيار الجميل وانطوان غانم، ورفض النائبة صولانج بشير الجميل (نائبة عن الاشرفية لمن يهمه الامر) الانضمام الى كتلة نواب الكتائب، وبعدما قطع النائب نادر سكر علاقته بالكتائب، اثر خروج كريم بقرادوني من رئاسة الحزب.
ولقد طالب الكثيرون بتعديل التمثيل في طاولة الحوار بعدما فقد الجميل ومعه الوزير محمد الصفدي شرعية وجودهما في هذه الطاولة، ولكن الظروف حالت دون ذلك.
وفي كل الاحوال، بات مستقبل امين الجميل السياسي "على المحك"، فهو وان نجح في حصول حزبه على المقعدين النيابيين المضمونين (وفق بعض التقديرات) فإنه يتوجب عليه ان يبذل جهوداً قصوى للمحافظة على حضور سياسي في الشارع المسيحي.
وسيزداد وضع الجميل حراجة في هذا المجال اذا ما صدقت كل التوقعات والاستطلاعات التي تشير الى ان ولده سامي "مرشح" للسقوط في دائرة المتن، لسبب واضح وهو ان الجميل ينطلق في حضوره السياسي من مسألة "زعامته" المتنية التي بات مشكوكاً فيها بفعل الحضور القوي للتيار الوطني الحر ولقوى اخرى مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي في هذه المنطقة.
الانتقاد/ العدد1349 ـ 5 حزيران/ يونيو 2009
بعد أقل من 48 ساعة على الجريمة التي ارتكبت بحق ولده الوزير السابق بيار الجميل كان الرئيس الاسبق امين الجميل يبادر الى طلب مواعيد عاجلة من قيادات سياسية من غير اللون السياسي المحسوب عليه، وتحديداً من المعارضة.
أراد الرجل المعروف "بشهوته" الجامحة الى السلطة والرئاسة من هذا الطلب امراً واحداً "اضمنوا لي العودة الى الرئاسة الاولى، وانا أعلن ولائي التام لكم، وأنزل عند كل طلباتكم".
كان واضحاً ان هذا الرجل الذي اعتاد وراثة الموتى من عائلته، بدءا بخاله موريس الجميل، مروراً بشقيقه بشير الجميل، اراد ان يستغل دماء ولده وهي بعد "ساخنة" ويوظفها، ليعود مجدداً الى السلطة التي بات يستجديها منذ ان خرج من قصر بعبدا عام 1988، ثم اخرجه قائد "القوات اللبنانية" من المتن ومن لبنان نهائياً بعدما "اجتاح" المنطقة عسكرياً.
وأعاد الكرّة ثانية بعد فترة قصيرة، وبالتحديد في انتخابات المتن الفرعية، حيث ترشح هو شخصياً لملء الفراغ، ولا يزال المتنيون واللبنانيون عموماً يذكرون مشهده وهو يذرف الدمع مع ولده الآخر وعائلته مع كل طلة اعلامية مستدراً عطف الناخبين واصواتهم.
وعندما اخفق في بلوغ مراده ونجح منافسه مرشح التيار الوطني الحر النائب كميل خوري، ايقن امين الجميل ان زعامته قد آلت الى المغيب، وان حزبه "العريق" لم يعد حزب المسيحيين كما شاء مؤسسه، فهؤلاء غادروا الى مطرح آخر، وبالتحديد الى فيء اللون البرتقالي الرامز الى زعامة العماد ميشال عون التي بسطت ظلها على كل المناطق المسيحية بخطاب جديد منفتح على الآخر، وراغب ببناء وطن ودولة قوية وعادلة، وليس "حمية مزرعة" تدخل ابناءها كل حين جحيم الحروب والصراعات الاهلية المدمرة.
طبعاً لم يقتنع احد ان سبب "هزيمته" المدوية في تلك الانتخابات اصوات الأرمن الذين هاجمهم ونعتهم بنعوت قاسية نالت منهم ومن تاريخهم ودورهم الوطني.
فمنذ تلك "النكسة" الكبرى ايقن امين الجميل انه وحزبه لا قيمة لهما ولا موقع وازنا في الاجتماع السياسي اللبناني من دون ان يكون مستتبعاً او متكئاً على قوة تسنده وتقيه السقوط المريع.
وعليه "اسرع" الجميل في لعب بجدارة وبراعة دور "الشتام" نيابة عن فريق 14 شباط، او بمعنى ادق، اولج الى الجميل قول الخطاب الذي لا يشاء حلفاؤه قوله.
لذا فقد صال وجال بخطاب خشبي وحجري اقل ما يقال فيه انه استعادة لخطاب غير جذاب مجه المسيحيون انفسهم فضلاً عن اللبنانيين جميعاً، يعيد الى ذاكرتهم مشاهد الفترة السوداء من تاريخهم غير البعيد، وهو التاريخ الذي ازداد ولا ريب، حلكة وسواداً ابان كان هو في موقع الرئاسة الاولى، حيث يذكر جميع الذين عايشوا تلك الحقبة المدلهمة، كيف انهارت المؤسسات وعمّ الفساد وتجددت الحروب والصراعات الاهلية، وتهالك الاقتصاد والمالية العامة، حيث تدنت قيمة العملة الوطنية الى الحضيض، وتآكلت المدخرات والتعويضات، وكان ذلك بفضل النهج السياسي والامني الذي اتبعه يومذاك وأدى على سبيل المثال وليس الحصر الى تدمير الضاحية الجنوبية بأوامر منه، اضافة الى صفقات السلاح "الفاسدة"، ولا سيما صفقة مروحيات "البوما" التي درت عليه وعلى أعوانه المعروفين مئات ملايين الدولارات (آنذاك) كعمولات.
وعندما عاد امين الجميل الى لبنان بعد وساطات معروفة التفاصيل مع السوريين ومع العهد آنذاك، وجد الرجل ان زعامته صارت عصفا مأكولاً واشتاتاً، وواقع الحال ما زال مستمراً.
وبرغم كل ما أداه لفريقه من خدمات ومهمات تدرج عادة في المهمات غير "النبيلة" فإن الجميل كان مضطراً لأن يخوض صراعاً دائرياً مريراً مع الذين يتعين انهم حلفاؤه لكي يضمن ايصال اكبر عدد ممكن من مرشحي حزبه الى مجلس النواب.
وبمعنى اوضح ايقن الجميل انه لا يمكن له ان يضمن منفرداً، او عبر قواه الذاتية الحصول على مقعد نيابي واحد في اي دائرة ذات غالبية مسيحية.
وعليه بادر الى ممارسة لعبة الابتزاز التي يتقنها فكان ترشيحه للمرشح سامر سعادة في دائرة البترون، وهو على وعي تام بأن ذلك باب الى مشكلة مع فريق القوات اللبنانية، وعبر هذا الابتزاز المكشوف رضي لاحقاً بنقل المرشح سعادة الى دائرة طرابلس على لائحة تيار "المستقبل"، والواضح ان الامر كله كان معداً سلفاً وهو عبارة عن "سيناريو" لبلوغ هذه النتيجة.
كذلك كان على الجميل ان "يقاتل" بشراسة على جبهة اخرى ليضمن مقعداً نيابياً آخر، في دائرة عاليه، اذ انتهت المفاوضات التي اجريت مع النائب وليد جنبلاط الى ضم المرشح فادي الهبر عن المقعد الارثوذكسي مكان النائب انطوان اندراوس، علماً ان الهبر واحد من "رموز الحرب الاهلية" التي لعبت دوراً عسكرياً سيئاً في القتل والتهجير، عندما كان مسؤولاً عسكرياً في القوات اللبنانية عن قطاع عاليه خصوصاً عام 1982.
ولم يعد خافياً ووفق كل المعطيات والاستطلاعات ان هذين المرشحين ربما كانا هما الكتائبيين الوحيدين المقدر لهما بلوغ الندوة البرلمانية، في حين ان كل مرشحي الكتائب الاخرين مهددون بالاخفاق والفشل، وفي مقدمهم ولده سامي المرشح عن دائرة المتن الشمالي والمرشح عن دائرة زحلة الوزير ايلي ماروني..
وهكذا يتضح بجلاء ان اسم امين الجميل "ابرز المرشحين" لعدم العودة الى طاولة الحوار الوطني في الفترة المقبلة، اذ من شروط عضوية هذه الطاولة ان يكون المدعو اليها من كتلة نيابية تضم على الاقل ثلاثة او اربعة نواب.
ولا بد من الاشارة الى ان الجميل في طاولة الحوار في الاعوام الاربعة الماضية كان غير شرعي وغير دستوري، اذ لم يعد للكتائب اي مقعد نيابي بعد مقتل النائبين بيار الجميل وانطوان غانم، ورفض النائبة صولانج بشير الجميل (نائبة عن الاشرفية لمن يهمه الامر) الانضمام الى كتلة نواب الكتائب، وبعدما قطع النائب نادر سكر علاقته بالكتائب، اثر خروج كريم بقرادوني من رئاسة الحزب.
ولقد طالب الكثيرون بتعديل التمثيل في طاولة الحوار بعدما فقد الجميل ومعه الوزير محمد الصفدي شرعية وجودهما في هذه الطاولة، ولكن الظروف حالت دون ذلك.
وفي كل الاحوال، بات مستقبل امين الجميل السياسي "على المحك"، فهو وان نجح في حصول حزبه على المقعدين النيابيين المضمونين (وفق بعض التقديرات) فإنه يتوجب عليه ان يبذل جهوداً قصوى للمحافظة على حضور سياسي في الشارع المسيحي.
وسيزداد وضع الجميل حراجة في هذا المجال اذا ما صدقت كل التوقعات والاستطلاعات التي تشير الى ان ولده سامي "مرشح" للسقوط في دائرة المتن، لسبب واضح وهو ان الجميل ينطلق في حضوره السياسي من مسألة "زعامته" المتنية التي بات مشكوكاً فيها بفعل الحضور القوي للتيار الوطني الحر ولقوى اخرى مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي في هذه المنطقة.
الانتقاد/ العدد1349 ـ 5 حزيران/ يونيو 2009