ارشيف من :آراء وتحليلات
"نقطة تحول ـ 3": الدلالات والأبعاد

كتب مصطفى الحاج علي
الكيان الاسرائيلي يتدرب على حربٍ شاملة، مناورة "نقطة تحول ـ 3"، وصفت بأنها الأكبر والأشمل في تاريخ هذا الكيان، اللافت فيها ليس حدوثها، لكونها ليست المناورة الوحيدة، وترميزها يدل على ذلك، فهي "نقطة تحول ـ 3"، يعني أنها تندرج في سياق مخطط وبرنامج من المناورات السابقة: "نقطة تحول ـ 1"، "نقطة تحول ـ 2"، وكذلك برنامج مناورات لاحقة، أي علينا أن نتوقع في المستقبل مناورات تحمل اسم "نقطة تحول ـ 4" وخمسة.. وهلم جرا.
نعم، اللافت في هذه المناورات هو جملة أمور رئيسية لا بد من التوقف عندها ملياً لما تحمله من دلالات، منها ما هو بديهي، وإن كان البعض يعمل جاهداً على تناسيه أو إغفاله، ومنها ما هو جيواستراتيجي بامتياز، هذه الدلالات، هي:
أولاً: إن هذا الكيان منذ فرض وجوده في هذه المنطقة، وهو يعي نفسه ماهية عسكرية ـ عدوانية، وبالتالي هو لا يستطيع التخلي عن هذه الوظيفة حتى لا يحدث له انقلاب في الماهية والهوية، ما يؤدي الى انتفاء مبرر وجوده أيضاً، وهذا ما يفرض عليه باستمرار تأكيد هويته العسكرية ـ العدوانية من خلال اثبات قدرتها وجدوائيتها.
ثانياً: لا يمكن قراءة هذه المناورات بمعزل عن تداعيات ونتائج عدوان تموز في عام 2006، والحرب على غزة في عامي 2008/2009، فهذه المناورات تندرج في سياق تطبيق عبر تموز عملياً، وتقع تحت التوصيات المشددة لتقرير فينوغراد، من هنا، فهذه المناورات، إنما تحاول التعامل مع وقائع جديدة، في سياق التحضير المستمر والمتراكم لمواجهة جديدة مع المقاومة، تكفل ـ في نظر هذا العدو ـ إلحاق الهزيمة بها، واسترجاع الهيبة المسفوحة لجيش العدو الاسرائيلي.
ثالثاً: لا يمكن قراءة هذه المناورات بمعزل عن التغيير الاستراتيجي العميق الذي حدث في معطيات وبيئة الصراع في المنطقة، والذي هو حصيلة غياب قوى وأطراف لمصلحة حضور قوى وأطراف ولاعبين جدد، والذي هو حصيلة متغيرات تتصل بهزيمة المشروع الاميركي ـ الصهيوني ذي الطبيعة الامبريالية الاستعمارية والعسكرية أيضاً.
فلا الولايات المتحدة اليوم هي الولايات المتحدة بالأمس، ولا الواقع الدولي عموماً هو نفسه، ولا اللاعبون المحليون والاقليميون هم أنفسهم، حيث تنفرز المنطقة وعلى نحو شديد لا إبهام فيه الى محورين: محور المقاومة والممانعة، ومحور التسوية والانصياع، والمحور الأول يغلب عليه الطابع الايديولوجي ـ الإسلامي كوريث للمد القومي العروبي الذي تعرض لنكسات طويلة وعميقة الأمد، معه أيضاً المد اليساري.
يدرك الكيان الاسرائيلي هذه المتغيرات، ويدرك حاجته المتزايدة ـ ربما ـ الى الاعتماد على نفسه أكثر لا سيما في ظل تمايز الأولويات والحاجات بينه وبين واشنطن، كما يدرك الحاجة الى ضرورتين أساسيتين: الأولى: تجديد المعنى الوظيفي له من خلال إجراء عملية تموضع متقدمة كرأس حربة في مواجهة "الإرهاب الإسلامي"، وفي مواجهة المد الإسلامي المقاوم عموماً وإيران تحديداً، خصوصاً بعدما بذل جهد عربي ـ رسمي من قبل أنظمة واشنطن لاصطناع ايران كعدو بديل، وذلك لخدمة هؤلاء وخدمة المشروع الغربي عموماً والاميركي تحديداً.
والثانية، تتمثل بحاجته الى مقاربة شاملة للصراع بديلاً عن المقاربات المتجزئة، ادراكاً منه للترابط الاستراتيجي الحاصل بين قضايا المنطقة وتموضعاتها الجغرافية.
ثالثاً: إحدى أهم العبر التي خرج بها الكيان الإسرائيلي من عدوان تموز هي الرخاوة الشديدة في جبهته الداخلية، ولذا ثمة حاجة ماسة لإجراء تكييف عميق لها إزاء أي حرب ممكنة لأنه بدون هذا التسنيد الداخلي لن يكون بإمكانه تحمل كلفة الحرب وتوفير أحد شروط النصر الأساسية، لا سيما إذا ما امتدت الحرب الى فترة طويلة، لهذه المناورات وظيفة سيكولوجية استراتيجية، ينبغي إحداث نقلة في المحتوى النفسي للصهاينة في موقع المحايد وغير المعني كما كان يحدث في الحروب السابقة التي كانت محدودة في الزمن، وسريعة في انجاز المطلوب وإلحاق الهزيمة بالخصم.
بكلمة أخرى، هذا التدريب السيكولوجي مؤشر واضح وقوي على المتغيرات التي حدثت في معادلات الصراع والمواجهة، أهمها ادراك الكيان أن أي حرب مقبلة لن تكون نزهة ولا محدودة في الزمان والمكان.
ثم إن تحصين الجبهة الداخلية له وظيفة أخرى تتمثل في توفير الكابح اللازم أمام الهجرة العكسية للصهاينة، لا سيما بعد الاستطلاعات الأخيرة التي كشفت أن حوالى 30% منهم مستعد لمغادرة الكيان الاسرائيلي اذا ما حازت ايران القنبلة النووية.
رابعاً: اعادة تظهير صورة الكيان القوي والقادر في رسالة قوة لكل اعدائه لا سيما بالنسبة لإيران وحزب الله وحماس وسوريا.
خامساً: ان الوجه الآخر لإعلان الاستعداد للحرب الشاملة هو القول إن لدى الكيان الاستعداد الجدي لشن حرب من هذا النوع لا سيما تجاه ايران.
هذه الرسالة يحتاجها الكيان الاسرائيلي لتحسين صورة الردع لديه، ولتقوية الموقف الاميركي في وجه طهران، ولتصليب موقف عرب اميركا في وجه طهران أيضاً، وبالطريق كل الأدوات المحلية الأخرى.
خلاصة القول هنا، ان الجمع بين مختلف المؤثرات التي تعني المنطقة يظهر لنا، أن لعبة السجال والكباش والتفاوض الدولي ـ الاقليمي مفتوحة على كل الخيارات، ومن ثم، فإن كل طرف يضع كل ما لديه من أوراق على الطاولة قبل لحظة التفاوض الحقيقية: الخيار العسكري ـ استخدام العوامل الأمنية ـ الضغوط الاقتصادية والديبلوماسية.
ولذا، من المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة قاسية ومتشابكة خصوصاً من الآن وحتى مطلع العام المقبل أو أواخر هذا العام، فإما أن تفضي الى تسويات او تفاهمات كبيرة أو جزئية، لكن ذات مغزى، وإما أن تذهب الأمور الى الانفجار مجدداً.
الانتقاد/ العدد1349 ـ 5 حزيران/ يونيو 2009
الكيان الاسرائيلي يتدرب على حربٍ شاملة، مناورة "نقطة تحول ـ 3"، وصفت بأنها الأكبر والأشمل في تاريخ هذا الكيان، اللافت فيها ليس حدوثها، لكونها ليست المناورة الوحيدة، وترميزها يدل على ذلك، فهي "نقطة تحول ـ 3"، يعني أنها تندرج في سياق مخطط وبرنامج من المناورات السابقة: "نقطة تحول ـ 1"، "نقطة تحول ـ 2"، وكذلك برنامج مناورات لاحقة، أي علينا أن نتوقع في المستقبل مناورات تحمل اسم "نقطة تحول ـ 4" وخمسة.. وهلم جرا.
نعم، اللافت في هذه المناورات هو جملة أمور رئيسية لا بد من التوقف عندها ملياً لما تحمله من دلالات، منها ما هو بديهي، وإن كان البعض يعمل جاهداً على تناسيه أو إغفاله، ومنها ما هو جيواستراتيجي بامتياز، هذه الدلالات، هي:
أولاً: إن هذا الكيان منذ فرض وجوده في هذه المنطقة، وهو يعي نفسه ماهية عسكرية ـ عدوانية، وبالتالي هو لا يستطيع التخلي عن هذه الوظيفة حتى لا يحدث له انقلاب في الماهية والهوية، ما يؤدي الى انتفاء مبرر وجوده أيضاً، وهذا ما يفرض عليه باستمرار تأكيد هويته العسكرية ـ العدوانية من خلال اثبات قدرتها وجدوائيتها.
ثانياً: لا يمكن قراءة هذه المناورات بمعزل عن تداعيات ونتائج عدوان تموز في عام 2006، والحرب على غزة في عامي 2008/2009، فهذه المناورات تندرج في سياق تطبيق عبر تموز عملياً، وتقع تحت التوصيات المشددة لتقرير فينوغراد، من هنا، فهذه المناورات، إنما تحاول التعامل مع وقائع جديدة، في سياق التحضير المستمر والمتراكم لمواجهة جديدة مع المقاومة، تكفل ـ في نظر هذا العدو ـ إلحاق الهزيمة بها، واسترجاع الهيبة المسفوحة لجيش العدو الاسرائيلي.
ثالثاً: لا يمكن قراءة هذه المناورات بمعزل عن التغيير الاستراتيجي العميق الذي حدث في معطيات وبيئة الصراع في المنطقة، والذي هو حصيلة غياب قوى وأطراف لمصلحة حضور قوى وأطراف ولاعبين جدد، والذي هو حصيلة متغيرات تتصل بهزيمة المشروع الاميركي ـ الصهيوني ذي الطبيعة الامبريالية الاستعمارية والعسكرية أيضاً.
فلا الولايات المتحدة اليوم هي الولايات المتحدة بالأمس، ولا الواقع الدولي عموماً هو نفسه، ولا اللاعبون المحليون والاقليميون هم أنفسهم، حيث تنفرز المنطقة وعلى نحو شديد لا إبهام فيه الى محورين: محور المقاومة والممانعة، ومحور التسوية والانصياع، والمحور الأول يغلب عليه الطابع الايديولوجي ـ الإسلامي كوريث للمد القومي العروبي الذي تعرض لنكسات طويلة وعميقة الأمد، معه أيضاً المد اليساري.
يدرك الكيان الاسرائيلي هذه المتغيرات، ويدرك حاجته المتزايدة ـ ربما ـ الى الاعتماد على نفسه أكثر لا سيما في ظل تمايز الأولويات والحاجات بينه وبين واشنطن، كما يدرك الحاجة الى ضرورتين أساسيتين: الأولى: تجديد المعنى الوظيفي له من خلال إجراء عملية تموضع متقدمة كرأس حربة في مواجهة "الإرهاب الإسلامي"، وفي مواجهة المد الإسلامي المقاوم عموماً وإيران تحديداً، خصوصاً بعدما بذل جهد عربي ـ رسمي من قبل أنظمة واشنطن لاصطناع ايران كعدو بديل، وذلك لخدمة هؤلاء وخدمة المشروع الغربي عموماً والاميركي تحديداً.
والثانية، تتمثل بحاجته الى مقاربة شاملة للصراع بديلاً عن المقاربات المتجزئة، ادراكاً منه للترابط الاستراتيجي الحاصل بين قضايا المنطقة وتموضعاتها الجغرافية.
ثالثاً: إحدى أهم العبر التي خرج بها الكيان الإسرائيلي من عدوان تموز هي الرخاوة الشديدة في جبهته الداخلية، ولذا ثمة حاجة ماسة لإجراء تكييف عميق لها إزاء أي حرب ممكنة لأنه بدون هذا التسنيد الداخلي لن يكون بإمكانه تحمل كلفة الحرب وتوفير أحد شروط النصر الأساسية، لا سيما إذا ما امتدت الحرب الى فترة طويلة، لهذه المناورات وظيفة سيكولوجية استراتيجية، ينبغي إحداث نقلة في المحتوى النفسي للصهاينة في موقع المحايد وغير المعني كما كان يحدث في الحروب السابقة التي كانت محدودة في الزمن، وسريعة في انجاز المطلوب وإلحاق الهزيمة بالخصم.
بكلمة أخرى، هذا التدريب السيكولوجي مؤشر واضح وقوي على المتغيرات التي حدثت في معادلات الصراع والمواجهة، أهمها ادراك الكيان أن أي حرب مقبلة لن تكون نزهة ولا محدودة في الزمان والمكان.
ثم إن تحصين الجبهة الداخلية له وظيفة أخرى تتمثل في توفير الكابح اللازم أمام الهجرة العكسية للصهاينة، لا سيما بعد الاستطلاعات الأخيرة التي كشفت أن حوالى 30% منهم مستعد لمغادرة الكيان الاسرائيلي اذا ما حازت ايران القنبلة النووية.
رابعاً: اعادة تظهير صورة الكيان القوي والقادر في رسالة قوة لكل اعدائه لا سيما بالنسبة لإيران وحزب الله وحماس وسوريا.
خامساً: ان الوجه الآخر لإعلان الاستعداد للحرب الشاملة هو القول إن لدى الكيان الاستعداد الجدي لشن حرب من هذا النوع لا سيما تجاه ايران.
هذه الرسالة يحتاجها الكيان الاسرائيلي لتحسين صورة الردع لديه، ولتقوية الموقف الاميركي في وجه طهران، ولتصليب موقف عرب اميركا في وجه طهران أيضاً، وبالطريق كل الأدوات المحلية الأخرى.
خلاصة القول هنا، ان الجمع بين مختلف المؤثرات التي تعني المنطقة يظهر لنا، أن لعبة السجال والكباش والتفاوض الدولي ـ الاقليمي مفتوحة على كل الخيارات، ومن ثم، فإن كل طرف يضع كل ما لديه من أوراق على الطاولة قبل لحظة التفاوض الحقيقية: الخيار العسكري ـ استخدام العوامل الأمنية ـ الضغوط الاقتصادية والديبلوماسية.
ولذا، من المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة قاسية ومتشابكة خصوصاً من الآن وحتى مطلع العام المقبل أو أواخر هذا العام، فإما أن تفضي الى تسويات او تفاهمات كبيرة أو جزئية، لكن ذات مغزى، وإما أن تذهب الأمور الى الانفجار مجدداً.
الانتقاد/ العدد1349 ـ 5 حزيران/ يونيو 2009