ارشيف من :أخبار لبنانية

بعد خطاب بيت العنكبوت بنت جبيل تتحول مرة أخرى الى رمز للنصر

بعد خطاب بيت العنكبوت بنت جبيل تتحول مرة أخرى الى رمز للنصر

كتب جهاد حيدر
بعد خطاب بيت العنكبوت بنت جبيل تتحول مرة أخرى الى رمز للنصر لم يكن قرار العدو احتلال بنت جبيل مجرد قرار باحتلال بلدة او مدينة جنوبية فحسب، بل كان قراره نابعا من تصور بأن احتلال هذه البلدة العاملية سيكون مدخلا لانهيار معنويات مجاهدي حزب الله، لما تحمله من معانٍ رمزية في أعقاب إلقاء أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله خطاب "بيت العنكبوت" في أعقاب الاندحار الإسرائيلي في أيار عام 2000.
ولم يخفِ رئيس أركان العدو دان حالوتس هذه الأبعاد بقوله: "الحروب الحديثة هي حروب على الرموز.. بنت جبيل هي رمز.. في بنت جبيل خطب نصر الله خطاب "بيت العنكبوت".. يوجد فيها رموز يدافعون عنها، يحمونها، ومهمتنا الآن أن نظهر لهم أننا نضربهم في هذا المكان". وهكذا بدا جلياً ان خطاب "بيت العنكبوت" أصاب قادة العدو بالجنون، ولكن الأمر الأهم أن بنت جبيل تحولت مرة أخرى إلى رمز، وتحديدا إلى رمز لصمود وبطولة وشجاعة رجال حزب الله، وكانت دليلا على النصر الذي تحقق في تموز وآب عام 2006.
أضف الى ذلك ان معركة بنت جبيل كان لها أثرها الكبير في تردد العدو في اتخاذه قرارا بشن عملية برية واسعة في عمق شمال الكيان الإسرائيلي، حيث عزز التصدي الأسطوري لرجال حزب الله مخاوف العدو وتصوراته عن مدى استعدادات الحزب، وما يمكن ان يواجهه إن قرر شن هجوم بري واسع في عمق الجنوب، الامر الذي دفعه الى محاولة تجنب القيام بعملية برية وتأجيلها مرة تلو اخرى الى اليومين الأخيرين من الحرب، عندما بدأ بشن عمليته البرية الواسعة.
في هذا السياق من الأهمية التذكير بكيفية اتخاذ قرار احتلال بنت جبيل، استنادا الى الرواية الاسرائيلية، وبعض ما واجهوه داخلها.
اجتمعت القيادة العسكرية في غرفة المشاورات داخل "حفرة" تابعة لقيادة المنطقة الشمالية بحضور رئيس هيئة الأركان دان حالوتس ونائبه موشيه كابلينسكي وقائد سلاح البر بني غينتس ورئيس شعبة العمليات غادي آيزنكوت وضباط آخرين، اضافة إلى جميع قادة الفرق الذين كانت لهم علاقة بالقتال وأصحاب الرتب العالية في القيادة نفسها.. وبعد سجال بين الضباط القادة تنوعت فيها الآراء، حسم حالوتس الموقف وأمر قائد المنطقة الشمالية اللواء أودي آدم باحتلال بنت جبيل.
خيوط الفولاذ
في أعقاب ذلك بدأ العمل على إيجاد اسم للعملية، وتمخض عن ذلك اسم "خيوط الفولاذ" في مقابل "خيوط العنكبوت" التي أطلقها أمين عام حزب الله على الكيان الإسرائيلي في خطابه المشهور. وكانت تنص الخطة العسكرية على أن يأتي مقاتلو غولاني من الشرق والمظليين من الغرب ويحاصرا معا البلدة. فيما تؤمن المدرعات غطاء ناريا للوائين.
مع فجر صباح يوم الاثنين تمركز مقاتلو غولاني في أطراف البلدة، وأرفق وصولهم بقصف مدفعي عنيف وبغارات لسلاح الجو.. بدأت المشاكل بحصول خلل تقني أدى الى انقطاع اتصال الوحدات الميدانية بالقيادة، ثم وجهت إحدى الوحدات القتالية في مرحلة لاحقة نيران سلاح الجو عن طريق الخطأ، باتجاه قوة أخرى تابعة للجيش الإسرائيلي، ظنا منها أنها من رجال حزب الله، فأدى ذلك إلى اصابة خمسة جنود بصاروخ طائرة إسرائيلية. ثم أُرسلت دبابة اسعاف لإخلاء الجرحى، اضافة إلى دبابة أخرى من طراز "ميركافا 4" تابعة للكتيبة 52 لتأمين التغطية. لكن رجال حزب الله استهدفوا الدبابة بصاروخ مضاد للدروع وقتلوا أحد الضباط. ثم بادر قائد الكتيبة المقدم جاي كبيلي بالتوجه إلى الدبابة المصابة، ولكن دبابته تعرضت لعبوة ناسفة شديدة الانفجار، وكان على متنها سبعة جنود.
وحاول جنود المدرعات التقدم سيرا باتجاه قائدهم وأصدقائهم الجرحى، فأطلقت باتجاههم صواريخ "ساغر"، فأطلقت المدفعية قذائف دخانية للتمكن من اخلاء القتلى والجرحى.
في أعقاب ذلك بدأ الخلاف يشتد بين قيادة المنطقة الشمالية وقيادة الأركان في تقييم عملية بنت جبيل، ولكن حالوتس أصدر أمرا حاسما بمواصلة العملية العسكرية لاحتلال المدينة.
وتلقت كل القوات المحيطة ببنت جبيل أمرا من قائد الفرقة 91 العميد غال هيرش باستبدال البيوت التي يوجد فيها الجنود، خشية أن يكتشفهم رجال حزب الله، والتقدم بضع مئات من الأمتار الى داخل ما سمّاه الإسرائيليون "المثلث الأسود".
وفقا للرواية الإسرائيلية فقد لاحظ الجنود أثناء تقدمهم ظلال ثلاثة أشخاص، فتوجهت نحوهم مجموعة من الجنود برئاسة ضابط، لكنهم تعرضوا لكمين نصب لهم، ودارت معركة بالقنابل اليدوية أدت إلى إصابة جميع الجنود بين قتيل وجريح، ما دفع نائب قائد الكتيبة مع خمسة آخرين للتوجه ومساعدة الجنود الذين أصيبوا، الا انهم بحسب الرواية الاسرائيلية ايضا، فوجئوا برمي القنابل اليدوية وإطلاق النيران عليهم من مسافات قصيرة، فقتل خمسة جنود من رتب مختلفة.
وبعد سلسلة من المعارك المتفرقة اضطرت القيادة العسكرية إلى توجيه أوامرها والخروج من البلدة، مخلفة وراءها عشرات الجنود بين قتيل وجريح. وهو ما أدى الى تبادل الاتهامات بين قيادة المنطقة الشمالية وقيادة اركان الجيش حول المسؤول عن الفشل والخسائر التي مُنيت بها القوات الإسرائيلية.

الانتقاد/ العدد1285 ـ 29 تموز/ يوليو 2008

2008-07-29