ارشيف من :آراء وتحليلات
على إيقاع المحافظين الجدد: الهزيمة يتيمة

كتبت ليلى نقولا الرحباني
تعاملت الأوساط السياسية والإعلامية المحلية مع مواقف جنبلاط التي أعلنها في حديث تلفزيوني على أنها بداية تموضع سياسي جديد على مسافة من حلفائه في الموالاة.. هذه الحركة السياسية الفضفاضة التي كانت تحظى بدعم عربي ودولي غير مسبوق في تاريخ لبنان، والتي عادت اليوم الى ما سُمي في يوم من الأيام "تجمع البريستول".
دعا جنبلاط حلفاءه الى العودة للعروبة وفلسطين حتى لا يقعوا في الانعزالية.. وردا على بيان الأمانة العامة لقوى البريستول الذي أعلنه فارس سعيد قبل أيام، أكد جنبلاط أن سلاح المقاومة لا يحول دون إجراء الانتخابات النيابية، على عكس ما ذهب إليه البيان. وانتقد من عاتبوه على كلمته في استقبال عميد المحررين سمير القنطار عندما تحدث عن المقاومة بإيجابية. جنبلاط قدم مواقفه المستجدة ضمن "النقد الذاتي"، معرباً عن انطباعه بفشل المشروع الأميركي في المنطقة، كاشفاً أن وزيرة الخارجية الأميركية رايس أبلغته استحالة إسقاط النظام السوري وضرورة التعامل بواقعية.
ما رأي سعد الحريري والقوات اللبنانية بهذا النقد الذاتي؟ وما رأي بقايا صقور قرنة شهوان الذين أطل أحدهم منذ أيام ليعلن انه لا انتخابات في ظل السلاح، وأن لا امكانية لوجود جيشين في دولة واحدة!
وما رأي السيد البطريرك بهذا الكلام، بعد ان وضع نفسه رأس حربة في محاربة "المقاومة وحزب الله"، واصطف مع فريق ضد آخر، ليس على الساحة الوطنية فحسب، بل وعلى الساحة المسيحية بالتحديد؟
نسمع كثيراً في هذه الأيام عن "النقد الذاتي"، لكن السؤال الذي يطرح: هل كان سيحصل هذا النقد الذاتي لو لم ينهزم المشروع الاميركي في المنطقة؟
ألا يذكرنا هذا النقد الذاتي بالمراجعة والانقلاب الذي قام به أقطاب المحافظين الجدد على الادارة الاميركية منذ عام 2006، والذي اعتبروا فيه ان الإدارة الاميركية وعلى رأسها جورج بوش، هو منفذ سيىء لسياسات جيدة كانوا قد اقترحوها عليه وقدموها له؟
ألم يقم جون بولتون بنشر كتاب يفضح فيه ضعف الإدارة الاميركية ويتهمها بأنها سبب خسارة المشروع؟
ألم يكتب فرانسيس فوكوياما سلسلة مقالات ودراسات نقدية للإدارة وللمحافظين الجدد؟ وفي مقال نشرته مجلة "نيويورك تايمز" عام 2006 أعلن فيه صراحة تخليه عن ولائه وانتمائه للمحافظين الجدد، وشبه حركتهم بـ"اللينينية"؟ ثم ما لبث أن أصدر كتاباً بعنوان "أميركا على مفترق طرق.. الديموقراطية والقوة وميراث المحافظين الجدد"، ليكشف فيه ضعف السياسة الأميركية بشقيها النظري والعملي، وليعتبر ان "حركة المحافظين الجدد كرمزٍ سياسي وكيانٍ فكري تطورت الى شيء لا أستطيع بعد الآن تأييده"؟
ألا يشبه "النقد" الذي تقوم به بعض قوى الموالاة تماماً النقد الذي قام به المحافظون الجدد في وقت سابق وما زال مستمراً؟ ألم يقم بطرس حرب وكارلوس إده وغيرهما بالتمايز او الانسحاب من هذه الحركة كما انسحب أقطاب المحافظين الجدد الواحد تلو الاخر؟
يبدو ان أتباع الاميركيين في لبنان وفي العالم العربي تأخروا ليكتشفوا ان الاميركيين سيبيعونهم عند أول مفترق طرق، وتأخروا ليدركوا ان المشروع الاميركي قد انهزم فعلياً في الشرق الاوسط، وليس كما اعتبر جنبلاط بأن لديه انطباعات بهذا الشأن. لو كان لهؤلاء العرب بعد النظر الاستراتيجي لأيقنوا هذا الامر من مراجعة حركة المحافظين الجدد في أميركا، التي بينت منذ مدة أنها حركة متسارعة للهروب بالذات والتنصل من هزيمة لحقت بمشروعهم في منطقة الشرق الأوسط. وقد صح فيهم المثل القائل: "للنصر ألف أب.. أما الهزيمة فيتيمة".
الانتقاد/ العدد1285 ـ 29 تموز/ يوليو 2008