ارشيف من :أخبار لبنانية
من الوعد الصادق الى النصر الإلهي: مفاجآت نصر الله من تموز الى آب

كتب محمد الحسيني
صبيحة يوم الأربعاء 12 تموز/ يوليو 2006 هاجمت المقاومة الإسلامية قوة عسكرية إسرائيلية في "خلّة وردة" في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة فقتلت ثلاثة جنود وأسرت جنديين.
ساعات قليلة ويطل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ويحيي المجاهدين الأبطال الذين وفوا بالوعد في أسر جنود إسرائيليين بهدف مبادلتهم بالأسرى في السجون الإسرائيلية، ويطلق على العملية اسم "الوعد الصادق"، ويعلن بشكل حاسم أن "لا سبيل لعودة الأسيرين إلا بالتفاوض غير المباشر في إطار عملية تبادل"، ويحدد خيارين: "نحن جاهزون للتهدئة، وإذا اختاروا المواجهة فعليهم أن يتوقعوا مفاجآت". واختار العدو المواجهة لتبدأ الحرب، فأمعنت آلة الإرهاب الإسرائيلية قتلاً وتدميراً براً وجواً وبحراً، وليبدأ المجاهدون على خط الملاحم بكتابة الفصول الأولى في مرحلة سقوط "أسطورة إسرائيل".
تدمير "حانيت" المفاجأة الأولى
بعد يومين فقط من بدء العدوان أعلن السيد نصر الله في رسالة إلى الأمة والمجاهدين عن بدء المفاجآت، ودعا إلى مشاهدة البارجة الحربية الإسرائيلية (حانيت) "وهي الآن تحترق وتغرق".. وأكد سماحته أن "الحرب ستكون مفتوحة كما أردتموها وستصل إلى ما بعد بعد حيفا".
ودار في خلد البعض من قيادات العدو أن السيد نصر الله يمارس حرباً نفسية من خلال تهديده بتوسيع دائرة الأهداف الإسرائيلية، إلا أنهم أدركوا وهم ظنهم بحقيقة عكستها الوقائع الميدانية، حيث تساقطت صواريخ المقاومة على مدينة حيفا وأصابت محطة القطارات فيها، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من المستوطنين. وتلتها صواريخ "رعد" التي سقطت للمرة الأولى قرب العفولة والناصرة العليا وجفعات إيلا.
بعد أسبوع على بدء العدوان أيقن العدو عقم أسلوب القصف الجوي والغارات في إسكات الصواريخ، فلجأ إلى اعتماد خيار الحرب البرية، ودفع بجنوده إلى أتون النار.. وأطلّ السيد نصر الله ليعلن أن "حزب الله استعاد زمام المبادرة وسيقاوم وحده"، ويؤكد "لو جاء الكون كله لن يستطيع استرداد الأسيرين من دون مفاوضات غير مباشرة وفي إطار عملية تبادل".
ما بعد حيفا..
ارتفعت وتيرة المواجهات لا سيما على محور مارون الراس ـ بنت جبيل، وتمكن المجاهدون من تدمير أربع دبابات وقتل وجرح أفرادها، وإسقاط مروحية "أباتشي". ويعود السيد نصر الله ليطل مجدداً ويعلن أن "المواجهة مع إسرائيل دخلت مرحلة جديدة، هي مرحلة ما بعد حيفا"، وهي مفاجأة جديدة تندرج ضمن سلسلة المفاجآت التي وعد بها السيد نصر الله، لينتقل بعدها المجاهدون إلى ساحة الميدان، حيث بعد أسبوعين على بدء العدوان جاءت ملحمة بنت جبيل ليتساقط عشرات جنود الاحتلال برصاص المقاومين، وليقتل 14 بين ضابط وجندي ويُجرح نحو 16 آخرين من لواء "غولاني" والاستخبارات، فضلاً عن تدمير عدد من دبابات الميركافا.
العهد للقائد
وجه المجاهدون رسالة إلى السيد نصر الله أكدوا فيها: "ما زلنا الوعد الذي قطعت، كالرعد فوق رؤوس الصهاينة.. نحن وعدكم الصادق.. نحن حرية سمير القنطار.. نحن حرية نسيم نسر ويحيى سكاف ومحمد فران وكل الأسرى.. نحن التحرير لمزارع شبعا وتلال كفر شوبا وكل شبر من أرض لبناننا العزيز.. نحن المفاجآت.. نحن النصر الآتي بإذن الله تعالى".
وهذا العهد كان إيذاناً بالانتقال إلى مرحلة ما بعد حيفا، حيث أطلقت المقاومة للمرة الأولى صاروخاً من طراز "خيبر 1" مستهدفة مدينة العفولة التي تبعد 47 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية في فلسطين المحتلة. كما قصفت مدينتي عكا وصفد وقاعدة دالتون الاستخبارية وشريط المستعمرات الشمالية.. وأعلن السيد نصر الله في إطلالته الخامسة أن "قصف مدينة العفولة وقاعدتها العسكرية هي بداية مرحلة ما بعد حيفا". وأكد أن "هناك مدنا كبيرة في الوسط ستكون في دائرة الاستهداف إذا ما استمر العدوان الهمجي على بلدنا".
من "ساعر" إلى "بيسان"
لم تقتصر المفاجآت على البر، بل تواصلت في البحر، حيث دمرت المقاومة الإسلامية بارجة حربية إسرائيلية من طراز "ساعر 4.5" قبالة شاطئ البياضة جنوبي صور، في وقت هزئ المجاهدون ميدانياً من ادعاءات ساقها العدو بأنه قضى على نسبة كبيرة من القدرة الصاروخية لحزب الله، فأمطروا المستعمرات الصهيونية الشمالية بنحو 300 صاروخ، وصل بعضها إلى "بيسان" في عمق 70 كيلومتراً داخل فلسطين المحتلة.
بيروت ـ تل أبيب
واصل العدو عدوانه في مسعى هستيري لتحقيق نصر ميداني يعيد الهيبة لجيشه وجنوده التي تمرغت بوحل أحذية المقاومين، وقصفت مروحيات العدو منارة قديمة في بيروت وهوائياً تابعاً للإذاعة اللبنانية، فجاء الرد من السيد نصر الله ليعلن معادلة جديدة كان لها الأثر في نقل المواجهة إلى مسار جديد، وقال في كلمة له وجهها عبر شاشة المنار: "قصف إسرائيل لبيروت يعني أن ترد المقاومة على ذلك بقصف تل أبيب". ووّجهت المقاومة إنذاراً نارياً للعدو ووسّعت دائرة النار، ووصلت صواريخ "خيبر 1" إلى عمق 75 كيلومتراً داخل فلسطين المحتلة، وأصابت مدينة الخضيرة التي تبعد مسافة 25 كيلومتراً عن تل أبيب. كما أصابت الصواريخ القاعدة المركزية لسلاح الجو الإسرائيلي في مستوطنة رامات دايفيد، ومقر قيادة المدرعات "يوهنتان"، وقاعدة "يوآف" التي تضم قيادة سلاح المدفعية في الجولان.
يوم "إسرائيل" المشؤوم
كان الأحد في 6 آب/ أغسطس يوماً مشؤوماً في تاريخ "إسرائيل"، وكان وقع مفاجأة المقاومة الإسلامية من أشد الضربات إيلاماً لجيش الاحتلال، حيث انهمرت الصواريخ على مناطق الشمال والوسط في فلسطين المحتلة، وكان أشدها إيلاماً تلك التي أصابت تجمعاً عسكرياً إسرائيلياً في كيبوتس كفر جلعادي، حيث أصاب صاروخان تجمعاً لفصيل قيادي من القوات الاحتياطية للواء المظليين، فسقط 12 ضابطاً وجندياً قتلى، وجرح ما لا يقل عن 18 آخرين، من بينهم العميد "غاري تسور". ووصلت الصواريخ إلى مقربة من مدينة الناصرة.. كما سقطت دفعة كبيرة من صواريخ "رعد 2" على مدينة حيفا، ما أدى إلى مقتل 15 مستوطناً وأكثر من 200 جريح.
قرار الانتحار
إنه يوم الأربعاء في 9 آب/ أغسطس.. اجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر وصادق على توصية وزير الحرب عمير بيريتس بتوسيع "العملية العسكرية في جنوب لبنان"، وفوّض المجلس رئيس حكومته إيهود أولمرت وبيريتس تحديد موعد العملية وعمقها. وقد حدد المجلس خمسة أهداف مركزية هي: إعادة الجنود المخطوفين فوراً من دون أي شروط، والوقف الفوري لكل العمليات العدائية من لبنان ضد إسرائيل أو ضد أهداف إسرائيلية، بما في ذلك وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1559، ونشر قوة دولية ناجعة في جنوب لبنان مع الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق، وإحباط قدرة حزب الله على ترميم قدراته العملياتية". وأقصت هيئة الأركان الإسرائيلية قائد منطقة الشمال أودي آدم واستبدلت به مساعد رئيس الأركان موشيه كابلينسكي.
مجزرة الميركافا
السبت 12 آب/ أغسطس.. إنه يوم سقوط الميركافا رمز الجيش الإسرائيلي. كانت حكومة العدو بدأت بتنفيذ قرارها توسيع "العملية العسكرية"، فأقحمت نحو 130 ألف جندي إسرائيلي بهدف "الوصول إلى الليطاني"، بمشاركة أكثر من خمسين مروحية نقلت مئات الجنود إلى جنوب لبنان في أكبر عملية منذ حرب العام 1973 والأضخم في تاريخ "إسرائيل". وكان المجاهدون بالمرصاد، وحوّلوا "وادي الحجير" إلى مقبرة لدبابات الميركافا ومحرقة حقيقية للدرع الإسرائيلي، ودمّروا نحو أربعين دبابة وجرافة خلال تقدمها، وظهرت آليات العدو وهي تحترق وصواريخ المقاومة تدمّرها وتنثرها أشلاءً.. وأسفرت هذه المواجهة عن مقتل ما يزيد على عشرين إسرائيلياً بين ضابط وجندي وجرح ما يزيد عن 110 جنود آخرين.
إعلان الهزيمة.. والنصر
أربعة وثلاثون يوماً مرت وسقطت كل أهداف العدوان، وأقرّ إيهود أولمرت مكسوراً بالهزيمة، زاعماً بوجود تقصير في إدارة الحرب.. وأعلن أنه يتحمّل المسؤولية الكاملة عن عدم توصّل العدوان إلى أهدافه. وفي المقلب الآخر أطل السيد نصر الله مستبشراً، ليهنئ المقاومين واللبنانيين بـ"النصر الإلهي والاستراتيجي".
الانتقاد/ العدد1285 ـ 29 تموز/ يوليو 2008