ارشيف من :أخبار عالمية
القدس: 42 عاماً على استكمال احتلالها
المحرر الاقليمي + وكالات
يصادف يوم غد الأحد السابع من حزيران (يونيو) الذكرى الـ42 لسقوط مدينة القدس عقب حرب حزيران (يونيو) التي شنها العدو الصهيوني على دول الجوار العربي (الأردن، وسوريا، ومصر)، ونجحت خلال ستة أيام من استكمال سيطرتها على فلسطين التاريخية (التي كانت خاضعة للحكم الأردني)، واحتلت هضبة الجولان السورية وشبة جزيرة سيناء المصرية.
في هذه الأيام يتذكر الفلسطينيون "النكسة" عندما احتلت القوات الإسرائيلية أراضي عربية واسعة، وهي الحرب التي أطلق العرب عليها "حرب الأيام الستة"، التي وقع فيها ما تبقى من فلسطين التاريخية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
فعلى مر التاريخ، لم تشهد المدينة حملة مسعورة كتلك التي تقودها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ضد طابعها العربي والإسلامي، حيث ما تشهده المدينة اليوم من ممارسات للاحتلال الإسرائيلي من مصادرات وسلب للأراضي العربية، وسعي لتهجير سكانها الفلسطينيين وتزوير للتاريخ والأرض وتهويد حثيث.
وواضح تماما أن القدس وبعد 42 عاما من احتلالها غدت تعيش اليوم بين فكي التهويد للمكان والحيّز، والعزل التام عن محيطها العربي والفلسطيني، من خلال بناء جدار العزل العنصري الذي قطع أوصال المدينة وحولها إلى "غيتو" كبير، مع مواصلة عمليات النهب والسلب للأراضي العربية، وتواصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصعيد هجمتها الاستعمارية للمدينة، بهدف فرض سياسة الأمر الواقع والحقائق على الأرض، من منطلق أن إسرائيل تعتبر القدس عاصمة إسرائيل الأبدية.
القدس بعد الاحتلال الإسرائيلي
يوم 7 حزيران دخل جنود الاحتلال الإسرائيلي مدينة القدس معلنين سيطرتهم على كامل المدنية، حيث قامت في 28 حزيران 1967 بضم ما مساحته 71 كيلومترا مربعا من أراضي القدس الواقعة في الضفة الغربية إلى القدس الغربية لتصبح المساحة الإجمالية 109 كيلومترات مربعة. وفي 31 تموز (يوليو) 1980 أقر الكنيست الصهيوين ما اسماه "قانون أساس: أورشليم القدس عاصمة إسرائيل"، الذي جعل إعلان القدس، بالحدود التي رسمتها الحكومة الإسرائيلية عام 1967، مبدأ دستوريا في القانون الإسرائيلي، وأعلنت الحكومة الصهيونية القدس العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل.
النشاط الاستيطاني
منذ سقوط المدينةعام 1967، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بناء 34 مستوطنة يهودية في القدس الشرقية، تشكل حزامين إسرائيليين لحاصرة القدس، الأول حزام استيطاني داخلي مكون من 16 مستوطنة، والأخر حزام خارجي مكون من 18 مستعمرة صهيونية تمتد على مساحة قدرها 38 كيلومترا، فيما تم إنشاء أكثر من 18 موقعا استعماريا عشوائيا خلال العقد الأخير، حيث تسبب هذا الوضع بعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني، وقطع الضفة الغربية إلى نصفين.
مشروع القدس الكبرى
عام 1993، أعلنت حكومة يتسحاك رابين انطلاق خطة لتوسيع نفوذ القدس، أطلق عليها اسم "خطة القدس الكبرى"، التي تمتد على مساحة 600 كيلومتر مربع، بإجمالي 10 في المئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية، حيث تمتد من مستعمرة "بيت شيمش" المقامة على أراضي قريتي دير أبان وعرتوف غربا حتى أريحا والبحر الميت شرقا، ومن كفار عتصيون جنوبا على الحدود الشمالية لمدينة الخليل حتى رام الله شمالا. وعام 2000، أطلقت "إسرائيل" خطة استيطانية أطلقت عليها "يروشالايم 2000 ـ خطة القدس الموحدة حتى عام 2020"، لمواجهة ما أسمته الخطر الديموغرافي لفلسطينيي القدس الشرقية، وحددت أهدافها في الحفاظ على التوازن الديموغرافي لصالح اليهود 70 في المئة يهود مقابل 30 في المئة عرب، على أن تحقق هدفا أساسيا يكون من مليون إنسان يعيشون في القدس، نحو 665 ألف يهودي مقابل 290 ألف عربي، وذلك لضمان أغلبية مطلقة لعاصمة إسرائيل الأبدية، وشملت إقامة مشاريع تنموية لليهود في مختلف مجالات الحياة.
الحفريات والأنفاق
منذ احتلال القدس عام 1967 لم تتوقف الحفريات الإسرائيلية في داخل البلدة القديمة، خصوصا حول وأسفل الحرم القدسي، حيث تكشف مؤسسة الأقصى التابعة للحركة الإسلامية بين الفنية والأخرى عن أعمال حفريات إسرائيلية تهدف إلى طمس الواقع العربي والإسلامي للمدينة، والتي كان أبرزها مخطط هدم طريق باب المغاربة في شباط/فبراير 2007، المؤدي إلى حائط البراق.
هذا بالإضافة إلى مشروع متحف "التسامح" المقام على أراضي مقبرة ماميلا-مأمن الله، والتي تحوي على الآلاف من جثث الشهداء المسلمين من أيام الفتوحات الإسلامية، وذلك بعد أن حولت بلدية الاحتلال في العام 1969 جزءا من المقبرة إلى حديقة عامة أطلقت علية اسم حديقة "العتسمئوت-الاستقلال"، بعد أن قامت بإزالة شواهد القبور، تبعها في العام 1985 تحويل جزء أخر إلى موقف عام للسيارات، وفي العام 2000 تم إقامة مقر وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية.
الجدار العازل
عام 2002، بدأت حكومة شارون الأولى بتنفيذ مشروع الجدار العازل، على طول الخط الأخضر، بما فيها مدينة القدس الشرقية حيث يبلغ طول الجدار حول القدس أكثر من 190 كم، فيما يقضم ما مساحته 230 كيلومترا مربعا أخرى من أراضي الضفة الغربية، وبالتالي يعزل ربع مليون فلسطيني في القدس عن باقي أنحاء الضفة الغربية، ويبقي نحو 150 ألف مقدسي في جيوب ومعازل مغلقة، ولهذا الغرض قامت سلطات الاحتلال بإنشاء خمسة معابر عسكرية بين القدس الشرقية وأراضي الضفة الغربية، في "جليو" ورأس أبو سبيتان وقلنديا وعطاروت وبيتونيا.
سياسة هدم البيوت
قبل أيام عدة، أصدرت دائرة العلاقات القومية والدولية في منظمة التحرير الفلسطيني، دراسة أشارت فيه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قام بتدمير أكثر من 23 ألف منزل فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ الاحتلال عام 1967 حتى نهاية أيار (مايو) 2009، أكثر من 4 ألاف منزل في القدس الشرقية، والذي يأتي ضمن سياسات تفريغ المدينة، حيث تبين، بين الفينة والأخرى، تنشر وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الإسرائيلية والفلسطينية وكذلك جهات تعنى بشؤون القدس في أراضي الـ48، معطيات حول السياسات الإسرائيلية وممارساتها في القدس المحتلة، والتي تشير إلى أن الهجمة الإسرائيلية تهدف في الأساس إلى تفريغ المدينة من سكانها العرب، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويأخذ طابعا ديموغرافيا وتهوديا شاملا، حيث يمكن ملاحظة ذلك في خطابات وتصريحات المسؤوليين الإسرائيليين حول القدس. إذ يأتي إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب لقائه بالرئيس الأميركي باراك اوباما في شهر أيار (مايو) الماضي، بأن القدس الموحدة ستبقى عاصمة لإسرائيل والى الأبد، ويؤكد بان إسرائيل ماضية في سياستها العدوانية، وماضية في إجراءاتها في الضم والتهويد، وهي إجراءات مخالفة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ، ولاتفاقية جنيف الرابعة، وتؤكد أنها غير معنية بالسلام، ولا بالاستقرار في المنطقة، وإنما معنية بفرض الأمر الواقع لتحقيق أهدافها وأطماعها العدوانية، فيما تواجه المدينة وسكانها العرب منذ ذلك الحين مخاطر تهدد الوجود العربي فيها، وفي قراءة سريعة لمجريات وممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ 42 عاما، نجد أن الحدث الأبرز يكمن في مواصلة وسعي سلطات الاحتلال تهويد مدينة القدس، تهويد الجغرافيا والسكان، من خلال مطاردة المقدسيين وسحب هوياتهم وهدم بيوتهم والاستيلاء على عقاراتهم، حتى المقابر حولت إلى متنزهات وطرق للمستوطنين وعمليات البناء المستمرة، وكذلك محاولات إسرائيل المتواصلة لتهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى المبارك، والعمل على هدمه وبناء هيكل سليمان المزعوم، وفي هذا الإطار تقوم السلطات الإسرائيلية بتزوير التاريخ العربي والإسلامي للمدينة، والذي يأتي من موقع القدس الرئيسي في التفكير الصهيوني والإسرائيلي، والذي يعود إلى الرؤية التوراتية للمدينة، وكجزء من حشد الرأي العام اليهودي في الشتات لتكثيف الهجرة إلى فلسطين.
القدس في الفكر الإسرائيلي الصهيوني
تحتل القدس مكانة خاصة في فكرة الحركة الصهيونية العالمية ونظريات المحتل الإسرائيلي، إذ تشكل القدس الرابط للتواصل بين الصهيونية والثقافة والتراث اليهودي ليهود الشتات، حيث ارتبطت "اريتس تسيون" بفكرة العودة إلى ارض الميعاد، ويسيطر هذا الهدف على الثقافة الجماعية ليهود الشتات، والمرتبط بعودة المسيح لجمع اليهود والعودة بهم إلى الأرض المقدسة، واتخاذ "أورشليم ـ القدس" عاصمة له وبناء الهيكل فيها، وهو الذي جعل الحركة الصهيونية، كمشروع سياسي يهودي، مرتبط بالإستراتيجية الاستعمارية، مرتبط بالمفهوم الاعتقادي.
وتشرح الأدبيات الصهيونية معنى الصهيونية، أن اليهود يبغون أن يحزموا أمرهم وأن يأتوا للقدس، ويتغلبوا على قوة الأعداء، وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل مكان المسجد الأقصى ويقيموا ملكهم هناك، فيما كتب تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، في مذكراته "أريد أن أطرد الباعة والقذارة التي تدنس القدس، محترماً كل حجر فيها".
وفي رده على طلب الأمم المتحدة تدويل القدس في كانون الأول (ديسمبر) 1949، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني الأول دافيد بن غوريون أمام الكنيست: "إن القدس اليهودية هي جزء عضوي وغير منفصل عن تاريخ وديانة وروح شعبنا، إن القدس هي القلب الذاتي لدولة إسرائيل... إن علاقتنا اليوم بالقدس لا تقل أبداً عن عمق تلك العلاقات التي كانت موجودة أيام نبوخذ نصر وتينوس فلافيوس... إننا نعلن أن إسرائيل لن تتخلى إرادياً عن القدس، تماماً كما لم تتخل خلال آلاف السنين عن إيمانها وهويتها الوطنية وأملها بالعودة للقدس وصهيون، على رغم الاضطهاد الذي لم يكن له مثيل في التاريخ... إن الشعب الذي استطاع منذ 2500 سنة الوفاء بالقسم الذي أداه المنفيون الأوائل على أنهار بابل بعدم نسيان القدس، هذا الشعب لن يحمل نفسه على الانفصال عن القدس".
فيما تتخذ الأحزاب الإسرائيلية في الحكم والمعارضة وخصوصا "الليكود" و"العمل"، موقف متطابقاً في كل تفاصيله حول موضوع القدس، وان "القدس عاصمة موحدة، عاصمة إسرائيل، تحت سيادة إسرائيل.. القدس عاصمة دولة إسرائيل، ومركز الشعب اليهودي، ستبقى موحدة وكاملة تحت السيادة الإسرائيلية، وأثناء المفاوضات ستصر الحكومة على أن تكون ضواحي القدس، بما في ذلك "معاليه أدوميم" و"غوش عتسيون"، وشمال غرب البحر الميت، تحت السيادة الإسرائيلية.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018