ارشيف من :أخبار لبنانية
المعارضة على موقفها من البيان الوزاري: "رسالة" جنبلاط تفضح المستقبل

كتب هلال السلمان
في الوقت الذي كانت فيه أزمة تأخير انجاز البيان الوزاري مستمرة بسبب تعنت فريق السلطة ورفضه الإقرار بحق المقاومة في مواجهة الاحتلال حتى تحرير باقي الأراضي المحتلة، كان هذا الفريق يزيد من صب الزيت على النار، وتمثل ذلك بإعادة فتح "جبهة الفتنة" على محاور التبانة ـ جبل محسن في عاصمة الشمال طرابلس.
وترى الاوساط المتابعة ان إعادة افتعال هذه الاحداث هدفها اعادة اجواء التوتر وعدم الاستقرار الى البلاد لتحقيق اهداف عدة منها:
أولاً: التشويش على الصورة الوطنية والقومية الناصعة التي تكرست الاسبوع الماضي عبر الانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة من خلال تحرير الاسرى واستعادة أجساد الشهداء، والتي أعادت توجيه البوصلة الوطنية الى الخطر الصهيوني، والتأكيد ان التجربة تثبت ان المقاومة هي التي تضع حداً لهذا الخطر، وهي التي تستعيد الحقوق وتحقق الكرامة والعزة للوطن والامة, وبالتالي فإن فريق السلطة الذي اعاد أجواء التوتر والاشتباكات الى طرابلس اراد اعادة البلاد الى اجواء الخلافات والتوترات بما ينسي المواطن الانجازات الكبيرة التي تحققت، ويعيده الى وضعه السابق من اجواء الانقسام.
ثانياً: التشويش الإضافي على الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الى سوريا, فبعد العمل على تأخير هذه الزيارة وعرقلة إتمامها من خلال تعمد تأخير انجاز البيان الوزاري، جاء افتعال احداث طرابلس ليصب في الاتجاه عينه, وبدا لافتا في هذا السياق الحملة التي شنت على رئيس الجمهورية وعلى الجيش اللبناني على خلفية احداث طرابلس من قبل وسائل اعلام تابعة للسعودية واخرى تابعة لتيار المستقبل، وفي مثال على ذلك تركيز جريدة "الحياة" السعودية حملة على سليمان والجيش، وان كانت نسبت هذه الحملة لأوساط في مدينة طرابلس تتهم سليمان والجيش بالتقصير بالقيام بالواجب في وقف الاشتباكات.
انقلاب السحر على الساحر
واذا كان القاصي والداني يعرف من هي الجهة التي تقف وراء اعادة النفخ في الفتنة وتسببت بافتعال المعارك الاخيرة في طرابلس فإن المفاجئ واللافت في الوقت عينه، كان اشارة طرف اساسي ضمن فريق السلطة للأمر، كما فعل رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حيث قال في خطاب له السبت الماضي خلال استقباله وفودا شعبية في المختارة انه "على رغم الجروح التي أصابت بيروت، إنما هذا لا يعني أن تعالج جروح بيروت بالانتقام في مكان آخر، لاننا نكون نصب الزيت على النار ونكون ننفذ حسابات دول تتفاوض احيانا وتختلف احيانا، وفي نهاية الامر ستتوصل تلك الدول الى تسويات".
... وأثار هذا الكلام الجنبلاطي حفيظة قيادة تيار المستقبل التي قالت مصادرها إنه اتهام للتيار بالمسؤولية عن الأحداث شمالا.
وصدر لاحقا توضيح عن مفوضية الاعلام في الحزب الاشتراكي بأن كلام جنبلاط لم يكن القصد منه اتهام فريق دون سواه في احداث طرابلس، لكن ما قيل قد قيل.
هذا فيما بات واضحا ان فريق السلطة يتجه نحو الكثير من التصدعات والشروخ بين افرقائه بعد اتفاق الدوحة، وهذه الشروخ زادت بعد تأليف الحكومة حيث لكل طرف اسلوبه في الحد من الخسائر التي تكبدها ومن هؤلاء جنبلاط، وهو ما يفسر ربما جانبا من انتقاده لتيار المستقبل على خلفية احداث طرابلس.
لكن مصادر أخرى ترى في خلفية كلام جنبلاط، اضافة أخرى مفادها توجيه رسالة "حسن سلوك" باتجاه سوريا التي كانت عرضة على مدى ثلاث سنوات لاشرس الهجمات من قبل جنبلاط عندما كان يشكل رأس حربة فريق السلطة ضدها, وها هو يكتشف ان الاميركيين يسيرون على خطى الفرنسيين في اعادة العلاقات الى طبيعتها مع السوريين بعد فشل المشروع الاميركي في المنطقة، وان العلاقات بين الجانبين آخذة في ازدياد الحرارة في خطوطها، وبالتالي فإن هذه التحولات تجبر "ساكن المختارة" على تكريس اعادة تموضعه في المرحلة الراهنة حتى موعد الانتخابات النيابية ربيع العام المقبل.
وربما في هذا السياق يأتي ما يشاع عن مرونة لجنبلاط فيما يتعلق ببند المقاومة في البيان الوزاري حيث ينقل عنه انه يوافق على ادراج البند الذي كان مدرجا في البيان الوزاري للحكومة السابقة بشأن حق المقاومة في تحرير الارض، مع اضافة احترام القرارات الدولية ومنها القرار 1701.
وبرز في هذا السياق قيام الوزير وائل ابو فاعور بأكثر من زيارة لعين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وناقش معه تفاصيل البيان الوزاري.
لكن مقابل هذه المرونة الجنبلاطية كان يبرز التشدد في موضوع المقاومة من قبل النائب سعد الحريري على غرار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وفي هذا الاطار نفى مكتب الحريري ان يكون الاخير ابلغ الرئيس بري موافقته على تضمين الفقرة المتعلقة بالمقاومة في البيان الوزاري للحكومة السابقة في بيان الحكومة الحالية.
وفي الوقت الذي كانت فيه التصدعات والشروخ تزداد في صفوف الموالاة كانت المعارضة تقف متراصة على موقف موحد من موضوع المقاومة مفاده ان البيان الوزاري يجب ان يتضمن فقرة واضحة ولا لبس فيها حول حق المقاومة بتحرير الارض المحتلة، ولاحقا يجري نقاش الاستراتيجية الدفاعية في الحوار الذي سيرعاه رئيس الجمهورية ميشال سليمان انطلاقا من مبدأ ان المقاومة هي قوة لبنان، وهي تشكل العنصر الاساس في هذه الاستراتيجية.
وتعيد المصادر التذكير بكلام لمصادر قيادية في المعارضة يوم تكليف فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة بأن "المعارضة مستعدة للصبر لاكثر من شهر دون ان تتنازل عن حقها في المشاركة الحقيقية، ونالت ما ارادت بعد جولات التعطيل والمماطلة من السنيورة وممن خلفه, والآن المعادلة مع البيان الوزاري هي ذاتها مهما طالت المماطلة والتعطيل فإن المعارضة ستنال أخيرا ما تنادي به بشأن البيان الوزاري، وما على فريق السلطة الا الاتعاظ من تجارب الماضي القريب".
الانتقاد/ العدد1285 ـ 29 تموز/ يوليو 2008