ارشيف من :آراء وتحليلات
على العهد: السلطة والمقاومة والبيان الوزاري

كتب ابراهيم الموسوي
يفاخر اللبنانيون ، سيما أرباب السلطة منهم، ولطالما فاخروا أيضاً في ذلك، إن لبنان هو موئل الديموقراطية وواحة الحرية في هذا الشرق المظلم، أو الذي لم تتبدد جحافل ظلامه حتى الآن، ويتيهون أيضاً بأنهم كانوا من المؤسسين للعديد من المواثيق العالمية المتعلقة بشرعة حقوق الإنسان، وبما أن الكلام هو عن الديمقراطية ، فمن المفيد التذكير أن الشعب هو مصدر السلطات في كل الأنظمة الديموقراطية، وهو من يجب العودة للإحتكام اليه حين نكون هناك مشكلة عويصة، ويكون ذلك من خلال الاستفتاءات أو الانتخابات ، سيما حين تكون المشكلة موضوع البحث متصلة بقضايا وطنية كبرى، فكيف إذا كانت مسألة تتصل بأمن البلد وحمايته وحماية أنفاسه والدفاع عنهم.
الداعي إلى هذا الكلام هو استمرار البحث في اللجنة الوزارية حول طريقة صياغة البيان الوزاري، والجدل القائم والبحث للدؤوب حول التوصل إلى صيغة ما لذكر المقاومة في هذا البيان بعد المماطلات والمناكفات المستمرة من فريق 14 شباط حول الموضوع.
لقد كان حرياً بهؤلاء أن لا يستنزفوا كل هذا الوقت والجهد، لقد كان حرياً بهم أن يسارعوا هم إلى المطالبة بذكر المقاومة في بيانهم الوزاري بعد أن خبروا ورأوا بأم العين كم من بلاءٍ حسن أبلته هذه المقاومة ضد العدو الصهيونية بما جعلها مفخرة للعرب والعالم، وليس آخرها عملية التبادل الأخيرة ، ولكنهم بدلاً من ذلك، راهوانيا تشون ويجادلون في النقطة وللفاصلة ومفردة التعبير.
هل سأل هؤلاء الناس ماذا يريدون، وإذا كانوا يحتكمون إلى منطق الديمقراطية حيث الحكم للأكثرية أو للغالية، هل يقيل هؤلاء باستفتاء حول هذا الموضوع، ألا يعلم هؤلاء أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين تؤيد خيار المقاومة دونما أي تردد، وهل يكون الإنسان العادي أكثر وعياً وحكمة وقدرة على فهم ضرورة المقاومة وأهميتها ممن يتولون شأنه من السياسيين؟
بالطبع فإن الجواب لا، لكن لهؤلاء ارتباطاتهم وتعليماتهم من محاور وقوى اقليمية ودولية لا ترتضي لهم ذلك.
ثم إنهم يناقشون في موضوع السيادة ومنطق الدولة وحقها في الدفاع عن أرضها وشعبها، وامتلاكها قرار الحرب والسلم، عجيب أن يصل عمى القلوب إلى هذا المستوى، من الذي منع الدولة أو زاحمها في حقها في أن تضطلع بمسؤولياتها في تحرير الأرض وحماية الشعب؟ من الذي اخترع نظرية "قوة لبنان في ضعفه"، فامتنع عن تأسيس جيش قوي قادر على مواجهة الأعداء وتزويده بما يلزم من سلاح وعتاد لهذا الغاية، من الذي امتنع من تفويض الجيش واعطائه القرار السياسي للرد على العدوان، هل المقاومة فعلت ذلك، أم السلطة السياسية على مر العصور والدهور وحتى قبل قيام المقاومة؟!
طبعاً، لا يستهدف هذا الكلام المس بالمؤسسة والعسكرية ، إذ لها كل التقدير والاحترام، وهي أيضاً قامت بما يلزم لمواجهة العدو ضمن قدراتها المتوفرة، ولقد أثبتت هذه المؤسسة بما لا يدع مجالاً للشك أنها حافظت على خيارات لبنان الوطنية ورعتها وحمتها بكل أمانة ومسؤولية ولكن من الموقف أن هذه المؤسسة تخضع للقرار السياسي.
إن حق الدولة في حفظ السيادة والأمن لا يمنع حق الشعب في الدفاع عن نفسه، وهو حق شرعي طبيعي من خلق الله الناس، أكانوا جماعات أم افراداً لهم الحق كل الحق في الدفاع عن أنفسهم في وجه المعتدي والمحتل! ان المقاومة هي تجسيد عملي لحق الناس في الدفاع عن أنفسهم، وتحرير أرضهم وحماية ممتلكاتهم وحفظ كراماتهم وهو يتكامل مع دور الدولة ويعضده وسنده، خاصة إذا لم تكن هذه الدولة قادرة أو راغبة في الاضطلاع بمسؤولياتها ، وأكثر خصوصية وإذا لم يكن في تاريخ هذه السلطة التي تمسك بمقدرات الدولة ما يشجع على أنها قادرة أو راغبة على مواجهة العدوان ودرء المخاطر .
ان قرار الحرب والسلم لم يكن يوماً بيد المقاومة، بل هو كان دوماً بيد العدو الذي احتل وما يزال يحتل، القرار الوحيد الذي كان في يد المقاومة هو قرار الدفاع ومواجهة المحتل، وهذا لا يفتئت على أحدٍ دوره ولا يصادر من أحد إن الشعب يدفع فاتورة مقاومته من دمه وعرفه وماله وجهده وزهرة شبابه وهو ما كان يجب على الدولة أن تضطلع به ولم تفعل؟ فلم التفكر والمكابرة وتزوير الحقائق وتحوير الوقائع من جانب السلطة.
إنه لمن المعيب أن يبتلى لبنان بهكذا سلطة مصابة بتبلد الحس الوطني حتى لا نقول أكثر من ذلك، وإنه لمن العار أن تعقد عشر جلسات متوالية لمناقشة صياغة البيان الوزاري وتكون المقاومة وذكر المقاومة هو العقدة بعد كل هذه التضحيات والانتصارات المجيدة، ولكن نهاية الشوط اقتربت، كما في الموضوع حكومة الوحدة الوطنية والثلث الضامن الذي تحقق وكما في إلغاء القرارين القاصرين عن حكومة السنيورة حول شبكة اتصالات المقاومة وقيادة أمن المطار، سوف يكون للحكومة بيان وزاري جديد قريباً جداً جداً، ولكن بعد أن يكون فريق 14 شباط قد ضيّع أوقاتاً ثمينة كان من الممكن استخدامها في سبيل مصلحة الوطن بطريقة أفضل.
البيان الوزاري في اللحظات الأخيرة قبل أن يرى النور خاصة وإن الرئيسان سليمان وبري يضغطان بقوة لإتمامه في أقرب فرصة، والناس تنتظر أن ترى أهل السلطة من فريق 14 شباط يستجيبون لتضحيات المقاومة وأهلها ويحفظون لأنفسهم بقية من ماء الوجه إذا كان ذلك متاحاً لهم كي يحافظوا على التكامل بين الدولة والمقاومة بما يحفظ الوطن والسيادة والحرية والاستقلال التي طالما تغنوا بها، وما يزالون.
الانتقاد/ العدد 1285 ـ 29 تموز/ يوليو 2008
يفاخر اللبنانيون ، سيما أرباب السلطة منهم، ولطالما فاخروا أيضاً في ذلك، إن لبنان هو موئل الديموقراطية وواحة الحرية في هذا الشرق المظلم، أو الذي لم تتبدد جحافل ظلامه حتى الآن، ويتيهون أيضاً بأنهم كانوا من المؤسسين للعديد من المواثيق العالمية المتعلقة بشرعة حقوق الإنسان، وبما أن الكلام هو عن الديمقراطية ، فمن المفيد التذكير أن الشعب هو مصدر السلطات في كل الأنظمة الديموقراطية، وهو من يجب العودة للإحتكام اليه حين نكون هناك مشكلة عويصة، ويكون ذلك من خلال الاستفتاءات أو الانتخابات ، سيما حين تكون المشكلة موضوع البحث متصلة بقضايا وطنية كبرى، فكيف إذا كانت مسألة تتصل بأمن البلد وحمايته وحماية أنفاسه والدفاع عنهم.
الداعي إلى هذا الكلام هو استمرار البحث في اللجنة الوزارية حول طريقة صياغة البيان الوزاري، والجدل القائم والبحث للدؤوب حول التوصل إلى صيغة ما لذكر المقاومة في هذا البيان بعد المماطلات والمناكفات المستمرة من فريق 14 شباط حول الموضوع.
لقد كان حرياً بهؤلاء أن لا يستنزفوا كل هذا الوقت والجهد، لقد كان حرياً بهم أن يسارعوا هم إلى المطالبة بذكر المقاومة في بيانهم الوزاري بعد أن خبروا ورأوا بأم العين كم من بلاءٍ حسن أبلته هذه المقاومة ضد العدو الصهيونية بما جعلها مفخرة للعرب والعالم، وليس آخرها عملية التبادل الأخيرة ، ولكنهم بدلاً من ذلك، راهوانيا تشون ويجادلون في النقطة وللفاصلة ومفردة التعبير.
هل سأل هؤلاء الناس ماذا يريدون، وإذا كانوا يحتكمون إلى منطق الديمقراطية حيث الحكم للأكثرية أو للغالية، هل يقيل هؤلاء باستفتاء حول هذا الموضوع، ألا يعلم هؤلاء أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين تؤيد خيار المقاومة دونما أي تردد، وهل يكون الإنسان العادي أكثر وعياً وحكمة وقدرة على فهم ضرورة المقاومة وأهميتها ممن يتولون شأنه من السياسيين؟
بالطبع فإن الجواب لا، لكن لهؤلاء ارتباطاتهم وتعليماتهم من محاور وقوى اقليمية ودولية لا ترتضي لهم ذلك.
ثم إنهم يناقشون في موضوع السيادة ومنطق الدولة وحقها في الدفاع عن أرضها وشعبها، وامتلاكها قرار الحرب والسلم، عجيب أن يصل عمى القلوب إلى هذا المستوى، من الذي منع الدولة أو زاحمها في حقها في أن تضطلع بمسؤولياتها في تحرير الأرض وحماية الشعب؟ من الذي اخترع نظرية "قوة لبنان في ضعفه"، فامتنع عن تأسيس جيش قوي قادر على مواجهة الأعداء وتزويده بما يلزم من سلاح وعتاد لهذا الغاية، من الذي امتنع من تفويض الجيش واعطائه القرار السياسي للرد على العدوان، هل المقاومة فعلت ذلك، أم السلطة السياسية على مر العصور والدهور وحتى قبل قيام المقاومة؟!
طبعاً، لا يستهدف هذا الكلام المس بالمؤسسة والعسكرية ، إذ لها كل التقدير والاحترام، وهي أيضاً قامت بما يلزم لمواجهة العدو ضمن قدراتها المتوفرة، ولقد أثبتت هذه المؤسسة بما لا يدع مجالاً للشك أنها حافظت على خيارات لبنان الوطنية ورعتها وحمتها بكل أمانة ومسؤولية ولكن من الموقف أن هذه المؤسسة تخضع للقرار السياسي.
إن حق الدولة في حفظ السيادة والأمن لا يمنع حق الشعب في الدفاع عن نفسه، وهو حق شرعي طبيعي من خلق الله الناس، أكانوا جماعات أم افراداً لهم الحق كل الحق في الدفاع عن أنفسهم في وجه المعتدي والمحتل! ان المقاومة هي تجسيد عملي لحق الناس في الدفاع عن أنفسهم، وتحرير أرضهم وحماية ممتلكاتهم وحفظ كراماتهم وهو يتكامل مع دور الدولة ويعضده وسنده، خاصة إذا لم تكن هذه الدولة قادرة أو راغبة في الاضطلاع بمسؤولياتها ، وأكثر خصوصية وإذا لم يكن في تاريخ هذه السلطة التي تمسك بمقدرات الدولة ما يشجع على أنها قادرة أو راغبة على مواجهة العدوان ودرء المخاطر .
ان قرار الحرب والسلم لم يكن يوماً بيد المقاومة، بل هو كان دوماً بيد العدو الذي احتل وما يزال يحتل، القرار الوحيد الذي كان في يد المقاومة هو قرار الدفاع ومواجهة المحتل، وهذا لا يفتئت على أحدٍ دوره ولا يصادر من أحد إن الشعب يدفع فاتورة مقاومته من دمه وعرفه وماله وجهده وزهرة شبابه وهو ما كان يجب على الدولة أن تضطلع به ولم تفعل؟ فلم التفكر والمكابرة وتزوير الحقائق وتحوير الوقائع من جانب السلطة.
إنه لمن المعيب أن يبتلى لبنان بهكذا سلطة مصابة بتبلد الحس الوطني حتى لا نقول أكثر من ذلك، وإنه لمن العار أن تعقد عشر جلسات متوالية لمناقشة صياغة البيان الوزاري وتكون المقاومة وذكر المقاومة هو العقدة بعد كل هذه التضحيات والانتصارات المجيدة، ولكن نهاية الشوط اقتربت، كما في الموضوع حكومة الوحدة الوطنية والثلث الضامن الذي تحقق وكما في إلغاء القرارين القاصرين عن حكومة السنيورة حول شبكة اتصالات المقاومة وقيادة أمن المطار، سوف يكون للحكومة بيان وزاري جديد قريباً جداً جداً، ولكن بعد أن يكون فريق 14 شباط قد ضيّع أوقاتاً ثمينة كان من الممكن استخدامها في سبيل مصلحة الوطن بطريقة أفضل.
البيان الوزاري في اللحظات الأخيرة قبل أن يرى النور خاصة وإن الرئيسان سليمان وبري يضغطان بقوة لإتمامه في أقرب فرصة، والناس تنتظر أن ترى أهل السلطة من فريق 14 شباط يستجيبون لتضحيات المقاومة وأهلها ويحفظون لأنفسهم بقية من ماء الوجه إذا كان ذلك متاحاً لهم كي يحافظوا على التكامل بين الدولة والمقاومة بما يحفظ الوطن والسيادة والحرية والاستقلال التي طالما تغنوا بها، وما يزالون.
الانتقاد/ العدد 1285 ـ 29 تموز/ يوليو 2008