ارشيف من :آراء وتحليلات

صفحة الانتخابات طويت: دلالات فوز الموالاة وأبعادها

صفحة الانتخابات طويت: دلالات فوز الموالاة وأبعادها
كتب مصطفى الحاج علي
طويت صفحة السابع من حزيران على مفاجأة وقعت كالصاعقة على رأس المعارضة، التي ذهبت الى الاستحقاق الانتخابي وهي مطمئنة ـ على الأقل ـ الى نجاح نسبي، وفي أسوأ التقديرات الى خسارة نسبية تحفظ التوازن السلبي بين الطرفين، فإذا بها تخسر بفارق 14 نائباً لمصلحة الموالاة.
هذه الحصيلة الصادمة تفرض قراءة هادئة في الأسباب والدلالات والاحتمالات الخاصة بالمرحلة المقبلة، ولا سيما أن الاستحقاق الانتخابي فرض توقيته أن يكون جزءاً عضوياً من الحسابات الاقليمية والدولية في المنطقة.
بالنسبة الى الأسباب يمكن ملاحظة التالي في ما يخص تحديداً فريق الموالاة:
أولاً: لا يختلف اثنان على أن المال السياسي لعب دوراً بالغ التأثير حتى قيل إن الانتخابات في لبنان هي الأغلى كلفة، وحضور المال بهذه الكمية يعكس في حقيقة الأمر حرص أصحابه على ضمان نجاح الموالاة بأي ثمن كان.
ثانياً: التجييش المذهبي الذي بلغ حداً غير مسبوق، والذي لم يتورع فريق الموالاة عن الذهاب به الى الحد الأقصى من دون الالتفات الى التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تترتب عليه لا سيما على السلم الأهلي، هذا التجييش يكشف بدوره أن فريق الموالاة كان يخوض معركته الانتخابية تحت شعار: يا قاتل يا مقتول.
ثالثاً: السعي الدؤوب على صنع قضية في وجه المعارضة عموماً ترتكز على نحو خاص على الترهيب والتهويل من احتمالات نجاح المعارضة، وذلك بكل الأبعاد المتاحة أمنياً واقتصادياً ومالياً وسياسياً وحتى ايديولوجياً وثقافياً.
ولقد ساهم في تزخيم عملية الترهيب هذه دول اقليمية ودولية أبرزها الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي، يضاف اليها المصري والسعودي عربياً.
رابعاً: اصطناع تحالفات صريحة بين البطريرك وموقع رئاسة الجمهورية ومسيحيي الرابع عشر من آذار.
خامساً: الاستعداد المسبق والمدروس الذي تمثل على نحوٍ أساسي بالعمل على نقل قيود آلاف السنة الى زحلة، ما وفّر قوة كاسحة قلبت المعادلة.
سادساً: حسن الادارة الانتخابية سياسياً واعلامياً وبمعزل عن الموقف من مضامينها.
سابعاً: لا شك، أن النتائج عكست خللاً من الإدارة السياسية والانتخابية لدى المعارضة تمثلت في عجزها عن حساب الأصوات والاتجاهات بدقة، متجاهلة ـ كما يبدو ـ وربما لغياب المعطيات الدقيقة جملة من المستجدات لا سيما أصوات المهاجرين.
كما تمثلت في ركون المعارضة الى وضع دفاعي بدلاً من العمل على اصطناع قضية هجومية في وجه الموالاة.
ثامناً: دور الأقليات لا سيما الصوت الأرمني الذي يبدو أنه لعب دوراً عكس الكثير مما كان متوقعا.
بالنسبة للدلالات يمكن التوقف عند التالي:
أولاً: يستطيع وزير الداخلية الادعاء بأن إجراء الانتخابات في يومٍ واحد هو عمل ناجح، وإن شابه بعض الثغرات التي يمكن معالجتها لاحقاً.
ثانياً: تستطيع الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تحتسب نقطة لمصلحتها لجهة نجاحها في ضمان إجراء الانتخابات بدون اشكالات مؤثرة.
ثالثاً: أثبت تيار المستقبل مرة أخرى بأنه هو رأس المشروع الاميركي والغربي عموماً والمتحالف مع عرب التسوية لا سيما النظامين السعودي والمصري، وأنه بالتالي هو الرافعة الانتخابية والسياسية لباقي حلفائه، ما يخوله أن يكون عمدة السلطة أيضاً.
رابعاً: نجح حزب الله في الاحتفاظ بحاضنته الجماهيرية الأصلية بدون أية خروقات تسمح لخصومه بالادعاء بأنه بات في وضع متراجع حتى في نطاق جمهوره.
خامساً: نجح عون أيضاً في الاحتفاظ بموقعه المسيحي في جبل لبنان، وإن أصيب ببعض الندوب والجروح، وللإنصاف، يمكن القول، ان هذا النجاح هو مضاعف بالنسبة لعون اذا أخذنا بالاعتبار حجم الضغوط والحملات والتهويلات والتحالفات المنظمة ضده، والتي شملت الكنيسة وعلى رأسها البطريرك.
سادساً: الضحية الأولى في الانتخابات هي الكتلة الوسطية التي سقطت سقوطاً ذريعاً، وهذا يعني فشلاً مضاعفاً لرئيس الجمهورية الذي زج نفسه في معركة خاسرة، مضحياً بموقعه الوسطي.
سابعاً: ان الفروقات بين الفائزين والخاسرين في البقاع الغربي وزحلة وغيرها من الأماكن كاشفة عن أنها كانت فروقات غير كبيرة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما كانت تواجهه هذه الأطراف نستطيع الادعاء بأنها هي الفائزة عملياً، ولا شك، أن الموالاة اذا ما خاضت في حسابات موضوعية لا بد من أن تدرك مغزى هذه الفروقات.
ثامناً: لا شك، ان وضع الرئيس بري لن يكون سهلاً بالنسبة لرئاسة المجلس، صحيح أنه في انتخابات 2005 جاءت النتيجة مساوية لما هي عليه في عام 2009، الا انها كانت جزءاً من تفاهم سياسي ـ رباعي، اضافة الى أن الأوضاع السياسية كانت متغيرة، عما هي عليه اليوم، بكلمة أخرى، ليس هناك الآن تفاهم مسبق على بري رئيساً، وإن كانت الظروف والحسابات ستفرضه كذلك، إذا ما شاء فريق الموالاة التزام العقل.
تاسعاً: إن وضع المعارضة عموماً وحزب الله تحديداً لن يكون سهلاً أو مريحاً، حيث أن الستاتيكو الحالي يفرض ضمناً استمراراً للمعادلة الحاكمة نفسها.
عاشراً: نجحت الموالاة في الاحتفاظ بآخر خط دفاع عن موقعها ودورها السياسي، ما يحفظ لها هذا الموقع اميركياً.
حادي عشر: لا شك، أن استمرار الستاتيكو الانتخابي سيعني ضمناً استمرار حال الانقسام الأهلي على حاله، وبسط حال من التعبئة المذهبية والطائفية غير مسبوقة.
ثاني عشر: لا شك أيضاً، أن نجاح الموالاة يريح اميركا والكيان الاسرائيلي والسعودية والنظام المصري، خصوصاً في مواجهة سوريا وايران.
ثالث عشر: ان نجاح الموالاة في صيدا وزحلة له رمزيته الخاصة لجهة الموقع الجغرافي للمدنيين، حيث الأولى تتحكم بمدخل الجنوب، والثانية بمدخل البقاع، وكلاهما المعني بهما مباشرة الثقل الشيعي للمقاومة والمعارضة عموماً.
رابع عشر: ان بقاء الستاتيكو الانتخابي ـ السياسي على حاله يكشف بأن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة، حيث ان الخيارات المفتوحة حكومياً وسياسياً ستكون موضع تجاذب شديد، ما يفتح البلاد على حال من عدم الاستقرار المفتوح بدوره على أوضاع دقيقة تمر بها المنطقة.
في الخلاصة يمكن القول، وخارج الفائز والخاسر انتخابياً، ان لبنان محكوم بحال من الجمود والتوازن السلبي، ولن يكون سهلاً تحديد وجهة الأمور داخلياً بمعزل عن الوظيفة المطلوب أداؤها اميركياً في سياق الاستعدادات الاميركية الشاملة سواء للتفاوض مع ايران وسوريا، أم في سياق التحضير لملف التسوية.
الانتقاد/ العدد 1350 ـ 12 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-12