ارشيف من :آراء وتحليلات

الموالاة تجدد شرعيتها والمعارضة مشروعيتها: الستاتيكو سيد المرحلة.. وموجبات الدوحة تفرض نفسها

الموالاة تجدد شرعيتها والمعارضة مشروعيتها: الستاتيكو سيد المرحلة.. وموجبات الدوحة تفرض نفسها
كتب المحرر السياسي
ذهبت "سكرة" الانتخابات وجاءت "فكرة" القراءة الهادئة لنتائجها السياسية ولمرحلة ما بعدها، التي لا يمكن فصلها عن هذه القراءة بأي حالٍ من الأحوال.
تستطيع الموالاة القول انها خرجت فائزة على صعيد احتفاظها بالأكثرية النيابية، والفوز هنا لا يتجاوز هذا الحد، أي الثبات في المواقع إياها، لأنه لم يكسر المعادلة القائمة أساساً.
بكلمة أخرى إن فوز الموالاة هو فوز سلبي، لأنه لا يعني أكثر من منع المعارضة من الحصول على الأكثرية في المجلس النيابي. بهذا المعنى تستطيع المعارضة القول انها لم تخسر، لأنها احتفظت بمواقعها أيضاً، ولم تتراجع قيد أنملة الى الخلف، وإن لم تتمكن من إنجاز طموحها بالحصول على الأكثرية النسبية التي كانت ترى أنها في متناول الأيدي. الخلاصة الأكيدة لهذه النتيجة هي استمرار الستاتيكو الذي كان قائماً من قبل.
نعم، ثمة نقطة معنوية هي لمصلحة الموالاة التي تمكنت من جلب الفوز لجمهورها الذي كان يخشى الخسارة، في حين ان جمهور المعارضة أصيب بلا شك بصدمة نفسية ومعنوية جرّاء التأكيدات الحاسمة بالفوز التي قدمت له من قبل قيادات المعارضة. ولعل هنا تحديداً تكمن الحاجة الى تقديم كشف حساب دقيق لما جرى فعلياً، ولماذا حصل ما حصل. خارج هذا المعطى المباشر لا تبدو القراءة هي لمصلحة الأكثرية لجملة اعتبارات أبرزها:
أولاً: ان استمرار المعادلة الانتخابية على ما هي عليه لا يكفي، ولا يمكن الموالاة من ترجمة أكثريتها الى وقائع سياسية تتجاوز ما هو قائم حالياً، وإن كان هذا لن يمنعها من المحاولة، خصوصاً في ما يتعلق بحجب الثلث الضامن عن المعارضة، أو بتجاوز اتفاق الدوحة نهائيا، لأن هذا سيعني حتماً اعادة الأمور الى مرحلة ما قبل هذا الاتفاق بكل شوائبها وتوتراتها، وهذا ما لا تريده هذه الموالاة، وما لا ينسجم بطبيعة الحال مع احتياجات ومتطلبات المرحلة الاقليمية والدولية التي تتقاطع عند كلمة سر واحدة هي التهدئة. وفي هذا الاطار ستحاول الموالاة اعتماد تكتيكات مفضوحة: منح المعارضة رئاسة المجلس النيابي بشخص الرئيس بري، العمل على الإيقاع بين المعارضة عموماً ورئيس الجمهورية عبر وضع الثلث الضامن في يد رئيس الجمهورية شكلاً، اصطناع تضارب بين أركان المعارضة، خصوصاً بين عون وكل من أمل وحزب الله، من خلال اغرائهما بما لا يستطيعان رفضه، في مقابل منح عون حصة لا تتناسب ووزنه النيابي، اصطناع تناقض بين عون ورئيس الجمهورية من خلال التنافس على التمثيل المسيحي، معززاً بورقة مسيحيي الرابع عشر من شباط، توفير كل الضمانات اللازمة التي تهم حزب الله، خصوصاً في ما يتعلق بسلاح المقاومة، مقابل تجاوزه للثلث الضامن والابتعاد ولو خطوة عن عون.
هذه التكتيكات والمناورات هي في غالبيتها من قبيل بيع المعارضة من كيسها، ومحاولة التصرف من موقع قوة غير واقعي: فلا منافس أصلاً لبري، وأي محاولة لتجاوزه هي بمثابة اللعب بنارٍ لا تستطيع الموالاة تحمل حرارتها. كما أن المقاومة تخطت فعلياً الحاجة الى ضمانات خارجية يقدمها لها فريق الموالاة المشكوك في صدقيته أصلاً، فالمقاومة اليوم وفرت شروط حمايتها الذاتية من خلال نجاحها في تأكيد قوة حاضنتها الجماهيرية المتصلة ببيئتها المباشرة، والمتصلة أيضاً ببيئتها السياسية العامة داخل باقي مكونات المجتمع اللبناني، وكذلك بالمعادلة الدولية ـ الاقليمية التي تظلل المنطقة اليوم. يضاف اليها مكوّن قوتها الذاتية.
ثم ان المعارضة تدرك اليوم أكثر مما فات، حاجتها الى التماسك، بل والى تطويره عبر مراجعة ذاتية تلحظ احتياجات ومتطلبات المرحلة الحالية. وأما رئيس الجمهورية وبالنظر الى أخطائه التكتيكية الكبيرة التي اقترفها مؤخراً في تجربته الانتخابية، والتي لم تقده الى الحصول على الكتلة الوسطية التي كانت ستشكل نقطة ارتكازه للعب دور بيضة القبان، إلا أن فقدان هذه الكتلة سيعني حتماً أن الخيار المتاح أمامه هو العودة الى دوره الذي على أساسه جرى انتخابه، أي الدور التوفيقي.
ثانياً: صحيح أن انتخابات السابع من حزيران لم تغلب المعادلة لمصلحة المعارضة، إلا أن هذا لا يلغي السياق العام الذي أفضى الى السابع من أيار، وبالتالي ليس صحيحاً القول ان التاسع من حزيران يلغي السابع من أيار، بل هو يؤكده ويدعو الى  استئناف العمل به، أي العمل بموجبات اتفاق الدوحة باعتباره الاتفاق الوحيد الكفيل بتجاوز مرحلة السابع من أيار والسياق المفضي اليه، لأن أي ضمانات أخرى ـ كما علمتنا التجارب ـ لن تكون كافية، بما فيها البيان الوزاري.
ثالثاً: إن احتفاظ الموالاة بالأكثرية النسبية لم يحصل في إطار تغييرات داخلية وإقليمية لمصلحتها، بل على العكس، كل هذه التغييرات ما زالت تعمل لمصلحة المعارضة. وأكثر من ذلك، فعندما كانت الموالاة تملك الأكثرية وسط هجوم أميركي وإسرائيلي شامل في المنطقة، لم تتمكن من انجاز ما كان مطلوباً منها، فهل ستتمكن الآن من انجاز المطلوب وسط متغيرات مختلفة، وتوازنات لغير مصلحتها اقليمياً ودولياً؟
رابعاً: صحيح أن الموالاة حصلت على الأكثرية النيابية، لكن تستطيع المعارضة استنادا الى الأرقام، القول بقوة انها هي من يملك الأكثرية الشعبية، ما سيضعنا مجدداً في أتون صراع بين الشرعية والمشروعية، شرعية الموالاة ومشروعية المعارضة، ومن دون اجراء مطابقة أو جسر العلاقة بين الاثنين، فإن ذلك سيبقى الباب مفتوحاً أمام توترات تبدأ ولا تنتهي، خصوصاً في ظل مناخات الاحتقان المذهبي التي ما زالت تعمل بكل طاقاتها المحركة.
خامساً: ثمة حاجة ماسة للموالاة لإشراك المعارضة في الحكومة المقبلة، وثمة حاجة ماسة لها للتهدئة أيضاً، وذلك لـ:
أ ـ توفير مظلة واسعة لملاقاة عملية التسوية، وإذا كان اعتراض فليكن من داخل الحكومة بدلاً من ترجمته في الشارع.
ب ـ طموح النائب الحريري لترؤس الحكومة الذي يفرض عليه توفير كل مستلزمات النجاح، التي منها ايجاد كل عوامل التهدئة والاستقرار التي لا يمكن تحققها فعلياً من دون مشاركة المعارضة.
سادساً: ان التوجه الدولي عموماً والأميركي تحديداً، هو نحو تهدئة الأمور باعتبارها شرطا ضروريا لإمرار السياسة الاميركية الأوبامية القاضية بتحريك التسوية والتفاوض مع ايران وسوريا، ومعالجة الأزمة الاقتصادية البنيوية داخل أميركا نفسها.
بكلمة أخرى، ان المنطقة عموماً في مرحلة تحضير مكثفة للتفاوض على أكثر من مسار، ما يستلزم تجنب سياسة الاستفزاز التي قد تؤدي الى اعادة تحريك وكر الدبابير في وجهها، وبالتالي إفشالها مجدداً.
كل ما تقدم يشير الى أننا سنكون أمام مرحلة تفاوض صعبة ومعقدة في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، ولن نكون بمعزل عن تفاوض اقليمي ودولي أصعب، ستحدد خلاصته شكل الحكومة وتركيبتها، وإن كان المقدر أن لا شيء سيتغير جوهرياً، إذا ما أريد بالفعل عدم الوقوع في أزمة فراغ حكومي تمدد عملياً لعمل الحكومة الحالية أشهرا تكون كفيلة بفحص امكانات واتجاهات المرحلة المقبلة التي في ضوئها ستقرر لاحقاً شكل الحكومة وتركيبتها.
الانتقاد/ العدد 1350 ـ 12 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-12