ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: الموالاة ليست رابحة بالضرورة

حدث في مقالة: الموالاة ليست رابحة بالضرورة

كتب ابراهيم صالح

مما لا ريب فيه ان قوى المعارضة شرعت بعد وقت قصير على ظهور نتائج الانتخابات النيابية، في رحلة بحث وتقص معمقة عن الاسباب والعوامل التي حالت دون تحقيق حساباتها التي كانت تتوقع كسب المزيد من المقاعد النيابية مما يتيح لها ان تشكل الاكثرية النيابية للسنوات الاربع المقبلة.

وفي انتظار ان تخرج المعارضة من "رحلتها" هذه بدراسة شاملة ودقيقة، تشخص الثغرات وتدرك يقيناً مكان القوة ونقاط الضعف تمهيداً للمرحلة المقبلة، فإن جردة الحسابات العجلى والاولوية التي اجرتها قوى المعارضة لمسار المعركة الانتخابية ونتائج ما افرزته صناديق الاقتراع، عند اقفالها تفيد بأن الامر ليس "كارثياً" كما يصوره البعض وخصوصاً في قوى الموالاة، وبالتالي ثمة نتيجة ثابتة هي:

ان الموالاة حافظت على اكثريتها النيابية ولكن ليس صحيحاً، انه بالنسبة السابقة نفسها، فهي حصلت على 71 مقعداً اي بانخفاض مقعد واحد عما حصلت عليه في انتخابات عام 2005، قبل ان تتآكل هذه الاكثرية تباعاً لتصل في خاتمة المطاف الى 68 مقعداً.
اضافة الى ذلك فإن بين المقاعد الـ71، 4 مقاعد ليست من صلب قوى 14 آذار وان كانت خاضت المعركة على لوائح هذا الفريق وهم: الرئيس نجيب ميقاتي والنواب أحمد كرامي وقاسم عبد العزيز وميشال المر.

الثابت الذي لا يمكن لأحد ان يشكك فيه هو ان الدوائر الانتخابية ذات الغالبية الشيعية زادت نسبة التصويت فيها لمرشحي المعارضة بشكل غير مسبوق.
ظهر جلياً عجز قوى الموالاة عن تأليف لوائح منافسة جدية ومتماسكة، اما اللائحة الوحيدة التي حاولت قوى الموالاة جمع شتاتها في دائرة مرجعيون- حاصبيا وفي دائرة بعلبك – الهرمل فقد منيت بهزيمة شنعاء.
وهكذا سقطت سقوطاً ذريعاً تحت أقدام المعارضة والمقاومة الفكرة التي عملت لتحقيقها دوائر اميركية بالاشتراك مع دوائر الموالاة والتي دفعت من أجلها اموالاً ضخمة، وهي فكرة اظهار ان ثمة جمهوراً في معاقل جمهور المقاومة قد بدأ ينفك من حول "حزب الله" والمقاومة، وبدأ يعطي أصواته لمعارضيهما.

فلم يعد خافياً على الاطلاق ان الذين عملوا على دعم اللوائح "المضادة" للمعارضة في بعض الدوائر الجنوبية والبقاعية كانوا يدركون سلفاً انه لا حظ لها بالخرق او النجاح، ولكنهم كانوا يريدون ان تنال نسبة معينة من الاصوات لكي يقولوا لمن يعنيهم الامر ان ثمة نسبة "يعتد بها" من الاصوات تجاهر بمعاداتها للمقاومة.

وفي المقابل فإن الوقائع والاحصاءات الاولية اظهرت ان المعارضة خاضت مواجهات شرسة في كل لبنان، وشكلت لوائح متماسكة في الدوائر الـ26، وحققت نسبة قاربت حد النجاح في دائرة البقاع الغربي راشيا، ونسبة "ممتازة" تارة ويُعتد بها في دوائر بيروت الثالثة والاولى، وفي طرابلس والضنية – المنية وعكار والشوف وعاليه والبترون وبشري.
وهذا الواقع الذي لا يمكن لأحد نكرانه او تجاهله، يتعين البناء عليه استعداداً للمرحلة المقبلة.

ولم يعد سراً ان بإمكان قوى المعارضة في بعض هذه الدوائر ولا سيما في طرابلس وعكار والبقاع الغربي – راشيا عقد مقارنة واضحة لإظهار النسبة المرتفعة قياساً بالدورة السابقة التي نالها مرشحو المعارضة فيها لا سيما في الاقلام السنية، التي صور البعض زوراً وبهتاناً انها مجمعة في معاداتها لمرشحي المعارضة، وهذا يشكل بحد ذاته اختراقاً  واضحاً لواقع شاءه البعض ان يكون عبارة عن "غيتو" مقفل على توجه واحد ومنعزل الا عن رؤية واحدة.

ولا شك ان لهذا الواقع المستجد ارتداداته وتبعاته في المستقبل المنظور والبعيد وفي المعادلات السياسية.

عملت قوى الموالاة ولا سيما منها القوى المسيحية بكل جهدها للنيل من وهج الانتصار المدوي الذي حققته لوائح تكتل التغيير والاصلاح برئاسة النائب العماد ميشال عون في كسروان وجبيل والمتن وبعبدا، والتي كانت عبارة عن عمليات اكتساح شاملة للواح الموالاة من خلال الزعم والادعاء بأن المرشحين على لوائح التكتل نالوا اصواتاً اقل من نسبة الاصوات التي نالوها في دورة الانتخابات الفائتة (اي عام 2005) لا بل ان بعض اجهزة الاعلام الدائرة في فلك الموالاة والناطقة بلسانها سارعت الى عقد مقارنات رقمية للوصول الى نتيجة عنوانها العريض "تراجع شعبية عون في الشارع المسيحي".
والمفارقة في الامر ان الجهات عينها رددت هذه "النغمة"، وتمسكت بها، هي نفسها التي سارعت الى ابداء الاعتراض على ما قالته المعارضة بأنها حصلت وفق النتائج والارقام على الاكثرية الشعبية، بعدما نالت لوائحها مجتمعة في كل لبنان 820 الف صوت من أصل مليون ونصف مليون مقترع.

وعليه فإن المقاييس والمعايير التي يعتمدها هذا الفريق السياسي للنظر الى النتائج معايير ومقاييس مزدوجة، وهو من عادتها ودأبها.

وفي كل الاحوال اظهرت نتائج الانتخابات في الدوائر الاربعة الاساسية في جبل لبنان ان العماد عون ما برح يتبوأ مركز الزعيم السياسي المسيحي الاول، وزعيم ثاني اكبر كتلة نيابية على مستوى لبنان وزعيم اكبر كتلة مسيحية برغم ان كتلته تضم نواباً من طوائف مختلفة.

ربما اظهرت بعض الارقام في بعض الدوائر ذات الغالبية المسيحية ان ثمة تراجعاً في نسبة الاصوات التي نالها مرشحو لوائح التغيير والاصلاح، وبالطبع لهذا الامر اسبابه ومعطياته التي يعكف "التيار الوطني الحر" على مراجعتها والتدقيق في مضامينها والغوص في أعماقها، ولكن القراءة الاولية للأرقام والوقائع في هذه الدوائر تظهر حقيقة اخرة ترفض "أبواق" و"اقلام" فريق الموالاة الاقرار بها وهي ان "التيار الوطني الحر" بات تياراً سياسياً حقيقياً اكتسى "لحماً ودماً" وحضوراً متجذراً على المستوى التنظيمي، واكتسب فكراً ورؤية شاملة على المستوى النظري تحدد نظرتها لكل القضايا وترسم علاقتها بالاخر.

وبمعنى اخر لم يعد هذا الاطار السياسي كما كان في السابق مجرد حالة عاطفية تتجسد كرد فعل على "اضطهاد" من طرف او سلطة، او "خوفاً" من الاخر.

واستطراداً لم يعد "التيار الوطني الحر" عبارة عن "تظاهرة" او حالة "فضفاضة" تتأثر بأول هبة ريح او تأتي من هذه الجهة او تلك، صار الانتساب او الانتماء لهذا التيار انتساباً واعياً، وانتماءاً متجذراً واصيلاً.

وعلى اساس هذا التحليل فإن ثمة من الخبراء في الشأن الانتخابي او السياسي يرون الآتي:

ان ما حصل عليه مرشحو لوائح "الاصلاح والتغير" هم جمهور التيار الحقيقي الذي اكتسب وعياً خلال الاعوام الاربعة الماضية لا يجعله عرضة للتأثيرات الخارجية من مرجع ديني او من خلال شائعة تسري في هذه المنطقة او تلك.
ان محازبي التيار وانصاره ظهروا خلال الانتخابات النيابية وقبلها وذلك من خلال نشاطهم واندفاعهم وتفانيهم انهم ابناء قضية حقيقية يسعون لتحقيقها بنفس طويل وبدأب ادراكاً منهم ان الالتزام والانتماء ورحلة الاصلاح والتغيير لن تكون بين عشية وضحاها، بل تحتاج لنضال تراكمي.
ان وتيرة الضغط المادي والمعنوي والاعلامي والسياسي وحملة الاتهامات والشائعات التي تعرض التيار الوطني الحر لها خلال الاعوام الماضية، بلغت درجة غير مسبوقة، واستخدمت فيها كل الوسائل والاسلحة غير النبيلة وكان آخرها "النداء" البالغ اللؤم الذي وجهه البطريرك الماروني قبل اقل من 24 ساعة على توجه الناخب الى صناديق الاقتراع في محاولة بينة للتأثير على مسار المعركة الانتخابية خصوصاً في الوسط الماروني.
ومع ذلك فإن النتائج جاءت مخيبة لآمال الكثيرين، وافلحت اللوائح المدعومة من التيار على الفوز في االدوائر الاربعة ذات الغالبة المسيحية.

ان اصحاب هذه الحملة الشرسة التي وصفها التيار بأنها حرب كونية ضد العماد عون لم يكن المقصود منها فقط خفض منسوب التصويت للوائح التيار بل الحاق هزيمة ساحقة بلوائحه وهو امر اخفق بالكامل.
اخفقت كل محالات الترهيب والترغيب التي بذلتها الموالاة، للتأثير على الارمن ودفعهم للنزوح من صفوف المعارضة الى صفوف الموالاة، وهذا ما ظهر جلياً في نتئج الاقتراع في الاقلام الارمنية في المتن وبيروت الاولى والثالثة وفي زحلة.
ان جردة الحساب الضمنية الاولية التي اجرتها المعارضة لمسار المعركة الانتخابية اظهرت بأن "الثغرة" الاساسية التي ادت الى خسارة المعارضة هي في دائرة زحلة بالدرجة الاولى وفي بيروت الاولى في الدرجة الثانية.
فالمعارضة كانت تجاهر بالاساس وقبل فترة من العملية الانتخابية بأن ربحها سيكون ربحاً بفارق ضئيل اي بنحو 65 او 66 مقعداً كحد وسطي، مبنية على الاحتفاظ بنحو 5 مقاعد في دائرة زحلة وبالحصول على مقعدين في دائرة بيروت الاولى وعلى مقعدين في دائرة الكورة والبترون، فيما كانت حسابات المعارضة الداخلية تعتبر ان ثمة فرصة لخرق واحد او اثنين في دائرة البقاع الغربي وراشيا، بعد الجهد الضخم الذي بذله مرشحو المعارضة هناك.

ومع ذلك فإن الخسارة الكبرى كانت في دائرة زحلة، اذ نجحت كل الجهود الضخمة التي بذلت هناك في محاصرة الزعامة التاريخية المعروفة بنبلها وفروسيتها، وهي زعامة آل سكاف، وبالتالي اسقاطها.

ومع اعلان المعارضة بكل اطيافها، تقبلها لنتائج الانتخابات بروح رياضية، فإن هذا الفريق بات مطمئناً الى وضعه في المرحلة المقبلة من خلال واقع ثابت لا يمكن لأحد التأثير عليه وهو انه لا يمكن لفريق الموالاة اطلاقاً ان "يتصرف" بما يعتبره "نصراً" تحقق لديه من خلال الغاء المعارضة او تهميشها او الحكم من دونها، والا فهو كمن يعود الى سيرته الاولى اي سيرة الاعوام الاربعة الماضية، التي يفترض ان تكون حصادها المر وتجربتها الصعبة التي لم يمر عليها الزمن قد علمته دروساً وعبر وخلاصات يتعين ان يكون قد اتعظ منها.. فالشراكة في الحكم اساس، ولعبة الانفراد بالسلطة وإعادة صياغتها لعبة بالغة الخطورة، والاتكاء على "امدادات" وتعليمات الخارج عملية غير ذات جدوى.

.. وفي المحصلة فالواضح بجلاء ان المعارضة حافظت على مواقعها المتجذرة.. وبالتالي فهي لن تغادر الساحة وتخليها للآخرين.
الانتقاد/ العدد 1350 ـ 12 حزيران/ يونيو 2009

2009-06-12