ارشيف من :أخبار عالمية

"الساركوزية" تعيدإحياء "الديغولية"

"الساركوزية" تعيدإحياء "الديغولية"
كتب محمد علي طالب
إذاً, صادق البرلمان الفرنسي على المشروع الإصلاحي للمؤسسات الذي تبناه الرئيس نيكولا ساركوزي, وقد صوت النواب بغالبية الثلاثة أخماس من مجمل الأصوات.
لكن هذه النتيجة أثارت دهشة كبيرة لدى إعلانها خلال الجلسة التي عقدت في جناح من قصر فرساي غرب باريس قبل أن يقف أعضاء الأكثرية ويصفقوا لنهج "الساركوزية"  الجديد، والذي أعرب مطلقه (الرئيس الفرنسي) عن سعادته بانتصار الديمقراطية, مضيفا أن الأمر ليس فوز معسكر على آخر، لا بل أن معسكر الحركة والتغيير والحداثة هو الذي فاز على معسكر الجمود والتصلب والتعصب.
وهنا لا بد من توضيح مسألتين مهمتين على الصعيدين الخارجي والداخلي لمشروع "الساركوزية" الجديد:
الأولى: على المستوى الخارجي ان التغييرات في النظام الفرنسي بعد مضي أربعة وعشرين عاما على الجمهورية الخامسة التي كانت تتبنى بوضوح مبدأ أوحد منصوصاً عليه في البند الرابع من المادة الثانية من الدستور، والمستقاة مباشرة من أبراهام لنكولن: "حكومة الشعب من الشعب ومن أجل الشعب" انعكست سلبا على تصريحات الرئيس ساركوزي بعد التصويت على المشروع من ان حالة الجمود والتصلب والتعصب مسيطرة على الحكومات السابقة, ويبدو ان السياسة الاميركية في عهد الرئيس "الديغولي" السابق شيراك كان لها التأثير الواضح على التبعية في السياسة الخارجية الفرنسية بدليل ان الهيمنة على الديمقراطية اضعفت الدور الفرنسي انذاك, بينما يحاول ساركوزي مشاكسة السياسة الاميركية أيضاً على مستوى الشرق الأوسط، فمشروعه "الاتحاد من أجل المتوسط" بغض النظر عن سلبياته أو إيجابياته، جاء مناهضاً تماماً لمشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي، بل هو رصاصة الرحمة لهذا المشروع السيئ الصيت.
اما على المستوى الداخلي فطرح ساركوزي الاصلاحات الدستورية التي تعزز من سلطات الرئيس والإدارة على حساب سلطة البرلمان، وهذا واحد من أهم عناصر الديغولية. ‏ ويعد هذا المشروع احياءً لروح "الديغولية" من جديد في الدستور الفرنسي بعدما طمسها سلفه, وهذا ليس غريبا قياسا للطموحات الأساسية لـ"الساركوزية" التي دعت إلى "رئيس يحكم" والى رئيس وزراء ينفذ، ما شكل قطيعة مع خطاب أسلافه الذين اكتفوا رسميا بأداء دور الحكم.
ولم يحدد أولويات في الإصلاحات الضرورية التي وعد بها ولم يركز ديناميته عليها، وبالتالي كان من الطبيعي ألا يتحقق أي منها. استراتيجيته التي قامت على تناول هذه الإصلاحات كرزمة واحدة في خطاب متكرر بغية إحراج المعارضة وتيئيسها، أدت إلى تيئيس الناخبين أمام غياب أي إصلاح ولو طفيفاً، فصوتوا لخصومه في الانتخابات البلدية.
وبعد عام على "الساركوزية" لم تتغير فرنسا، بل أضحت أكثر مديونية وتشاؤماً وقلقاً من العولمة، وعجزاً في الميزانية وتباطؤاً في النمو وتراجعاً في سوق العمل, فضلاً عن سقوطه المريع في استطلاعات الرأي في بعض وسائل الإعلام الفرنسية... الخ.
بالإضافة إلى كل ذلك, لا غرابة بأن بعض وزرائه أو المقربين منه باتوا لا يترددون في انتقاده أو تصحيح بعض عباراته علانية، هذا ناهيك عن الخلافات التي بدأت تظهر للعلن مع رئيس الوزراء فرانسوا فيلون الذي يتكلم قليلا ويعمل كثيراً، على عكس الرئيس.
وخلاصة القول أن مشروع إصلاح المؤسسات فعلا في خطر, إذ أن هندسة النظام الفرنسي أصبحت قابلة للتغير، بعدما كان الدستور الفرنسي لا يخرق بهذا الشكل منذ سنوات طويلة, حيث ضمن التفوق لرئيس الدولة من الآن وصاعدا.
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008
2008-07-31