ارشيف من :أخبار لبنانية

سلاح المقاومة بين التزام عون وغدر الفريق الشباطي

سلاح المقاومة بين التزام عون وغدر الفريق الشباطي
كتب إبراهيم صالح

في المؤتمر الصحافي الذي عقده إثر ترؤسه اجتماع تكتل الاصلاح والتغيير النيابي نهار الاثنين الماضي أطلق العماد ميشال عون ثلاثة مواقف وطنية كبيرة هي:
ـ ان سلاح المقاومة يجب أن يبقى ويستمر فهو ورقة قوة لمنعة لبنان وسيادته.
ـ ان هذا السلاح المقاوم يتعين أن يظل مشرّعا حتى ايجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على نحو يحول دون فرض مؤامرة توطينهم حيث هم.
ـ ان للسلاح المقاوم وقائده السيد حسن نصر الله مكانة سامية يجب صونها، لأنه رفع رأس لبنان والعرب والأمة الاسلامية.
ليست المرة الأولى التي يقف فيها هذا الزعيم الوطني، مثل هذا الموقف الوطني والمشرف، الذي يعلن فيه انحيازه إلى جانب الحق الوطني، فلطالما تحمل أعباء كبرى نتيجة التزامه المعلن والمضمر بالخيار الذي اتخذه لحظة وقّع وثيقة التفاهم التي أبرمت مع "حزب الله" في 5 شباط عام 2006، ولطالما أثبت الرجل التزامه هذا إبان العدوان الإسرائيلي في تموز ذلك العام، وما تلاه ، ولطالما رفض الإغراءات التي قدمت له على طبق من ذهب للتحلل من موجبات هذا التفاهم والخروج من التزاماته، ولطالما استخف العماد عون بأعمال الترهيب و"الحصار" الذي مورس ضده وضد انصاره في الداخل والخارج من عواصم وجهات "ترهيباً" له بغية الخروج من ضفة التزامه إلى ضفة أخرى.
لكن الذي بات ثابتاً أن العماد عون يرسي مجدداً نهجاً آخر مختلفاً في اللعبة السياسية اللبنانية، قوامه عدم الحنث بالتعهدات والوعود، التأسيس للعبة سياسية أخرى مدماكها الأول النزاهة والشفافية وعدم النكوص والتراجع عند أول سانحة أول اغراء وإغواء، وتمجيد واحترام كل ما هو عمل وطني.
الأمر ليس بجديد على هذا الرجل فهو في اللحظة التي كان فيها "قادة" فريق 14 شباط "يفاخرون" فيها بمغادرتهم "الحلف الرباعي" الذي أمن لهم الأكثرية النيابية وساهم في امساكهم بمقاليد الحكم، ويعتبرون "الخيانة" و"الغدر" ضرباً من "الذكاء" و"التشاطر"، كان العماد عون ينسج تفاهمه الوثيق العرى مع "حزب الله"، ويمضي واعياً في هذا الخيار، غاسلاً بذلك كل عار أوساخ السياسة اللبنانية التقليدية التي نبتت على "الانقلاب" على التحالفات والتفاهمات والعمل على الغاء كل ما هو عمل وطني، وهو ما أفضى دوماً إلى وقوع البلاد في براثن الأزمات وبؤر المآزق التي أعاقت تطورها وانتقالها من حال المزرعة إلى حال الوطن الذي يتعاطى مع انسان هذه البلاد على أساس المواطنية الحقة وليس شيء آخر.
وبالأمس القريب وفيما كان "الشباطيون" أنفسهم يقدمون "مثالاً" آخر في الخسة والنذالة  السياسية من خلال سعيهم الجلي إلى اسقاط المقاومة كلمةً ومصطلحاً أو فكرةً من البيان الوزاري إلى هامشه، وفيما كان هؤلاء يبذلون كل ما ملكت أيمانهم في سبيل استكمال حلقات حصارهم للمقاومة عبر إظهارها وكأنها محور المشاكل، وكأن سلاحها هو أسس التناقضات ومبعث التباينات بين اللبنانيين، وفيما كان الفريق الشباطي إياه يبذل أقصى جهوده ويستخدم عصارة "عقول" منظّريه لإلحاق المزيد من الأذى والتشويه بصورة هذه المقاومة التي ما برحت واللبنانيين والعرب والمسلمين جميعاً تحتفي بنصر مبين هو نصر استعادة الأسرى ورفات المقاومين، والنصر المتأتي عن مشهد الخزي والعار الذي يلحق بالقادة الصهاينة، وفيما كان الفريق عينه ينجز كل أوراق "طلاقه" لفكرة المقاومة ولفكرة الالتزام بالقضية الوطنية والقومية، كان العماد عون ينطق بكلمة الحق الجلية بحق المقاومة وقائدها ويضعها في الموضع الذي يتعين ان توضع فيه، ويعلن في الوقت عينه تجديد التزامه بكل مضامين اتفاقه مع "حزب الله" بعدما راود كثيرون من أصحاب النوايا الخبيثة ان العماد عون ربما غيرته الحصة الوزارية المعتبرة التي نالها أخيراً من الباحثين عن مرفأ آخر وفضاء آخر ينزح منه من خياراته وتفاهماته السابقة.
لذا، فإن العماد عون بهذه الوقفة المتجددة مع المقاومة في موسم الهجمة الشرسة عليها ممن كان يفترض ان يكونوا من الذين يشدون أزرها ويشدون على يديها شاكرينها على الانجاز الوطني الرائع الذي حققته قبل أيام قليلة، انما يكرس جملة معطيات دفعة واحدة:
الأول أن هذا الزعيم ما برح عند خياراته والتزاماته، وليس في وارد التخلي عنها مع اقتراب ما يتعامل معه الكثيرون على أنه  موسم "البيع والشراء" الذي يتعين قطاف ثماره.
الثاني: أن الرجل يتعاطى مع المقاومة وسلاحها ونضارتها على أساس أنها أمر جوهري يجب أن يظل ثابتاً في الوجدان والتاريخ اللبناني، وليس أمراً عرضياً يجب التفلت من تبعاته.
الثالث: أن مفهوم الرجل للسياسة والالتزام بالتفاهمات والمواثيق هو مفهوم مبني على أساس السعي لبناء تجربة سياسية ناصعة، وتقاليد سياسية تساهم في انهاض الوطن من عثراته وأزماته المتلاحقة.
الرابع: أن المعارضة ككل ما برحت قوة واحدة تسعى لتحقيق هدف واحد، ولم تصر "أيدي سبأ" كحال القوة الشباطية التي لم يعد همها سوى أن تحافظ على البقية الباقية من حضورها ولو كان ثمن ذلك دفع البلاد والعباد إلى ضفة الخشية والقلق، وتبديد كل معالم الاستقرار التي بدأت تتكون بعد اعلان تأليف حكومة الوحدة الوطنية.
في الأيام القليلة الماضية كان سعيهم أن يوجهوا البوصلة باتجاه المقاومة محملين اياها تبعة اخفاقاتهم ومشاريعهم الخائبة، لكن العماد عون صوب هذه البوصلة في الاتجاه الصحيح عندما قال بالفم الملآن المقاومة ورقة عزة لهذا الوطن، ومن هنا تبدأ خارطة الطريق، وان هذه المقاومة ليست معزولة عن ضمائر الشرفاء ووجدانهم.
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008
2008-07-31