ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: العولمة ثقافةً

كتب حسن نعيم
لم تحظ ظاهرة فكرية بمثل ما حظيت به ظاهرة العولمة من اهتمام الكتّاب والمفكرين والمتخصصين في شتى المجالات وعلى كثرة ما كتب في "العولمة" ويكتب فيها وخاصة في جوانبها الاقتصادية والسياسية, بقي ذلك الجانب المتعلق بهوية الشعوب وتراثها يستحق المزيد من الدراسات والاهتمام لأنها أعمق أثراً وأكثر التصاقاً بالحياة اليومية للناس, تلك الحياة المحكومة بعمارات شامخة من المنظومات القيمية والسلوكية.
ونكاد نتفق على أن هذه القيم تتعرض للانتهاك عبر محاولات إلغاء تراثها وذكرياتها, بما يشي باستخفاف واستهانة لا حد لهما بمشاعر الانسان وروحه وتسليمه وجعل همه الأوحد منحصراً في الحصول على المال, وكيفية الحصول عليه بأقصر الطرق. لقد تم تأليه المال عبر اتخاذه معياراً للقيم الاخلاقية والجمالية وناظماً للعلاقات الاجتماعية والسياسية.
ولعل الاستغراق في الكلام عن حجم أرقام الأعمال من قبيل أن 500 شركة تسيطر على 80% من انتاج العالم و75% من تجارته يقول شيئاً ولا يقول أشياء أخرى هي أكثر إلحاحاً والتصاقاً بحضارة الشعوب وهويتها.
فعولمة الداخل الإنساني هي أخطر من عولمة الظواهر الخارجية، وربما كان هذا الداخل أسرع في التأثير و"التعولم" من الخارج, فالمشكلة ليست في "ديزني" و "والماكدونالد" و "الكوكا" بقدر ما هي في داخلنا الذي بات يتلقى الأنماط السلوكية الوافدة ويصافحها بحرارة مخلفاً وراء ظهره كنوزاً من العادات والتقاليد والأنظمة الغذائية والمآكل الوضعية تحت حجج وذرائع مفادها أن التراث روح ووجدان وسكون تعوزه المواكبة والمعاصرة.
إذا كان في ما يقال بعض الصحة فماذا تراه يحمل مفهوم الاستهلاك؟ هل يمكنه بأي حال انتاج وعي بالذات وبالآخر وبالذات قبل الآخر.
هذا الاستهلاك الذي ينسجم مع رؤى المنتجين العالميين ماذا أضاف للانسان غير الامراض الفتاكة والتلوث والاوبئة, وأي قيمة للانسان الذي "يعمل ويأكل ويتسلى ..." في نظرهم.
ثمة ما هو أخطر, فمشروع العولمة الاستعلائي الذي يسعى إلى تعميم النموذج الاميركي من دون أي احترام للثقافات المختلفة يقتضي إزالة النزعة الوطنية عند الشعوب كخطوة تمهيدية لنقلهم من وضعية معرفية إلى أخرى, من وضعية المواطنين إلى وضعية المستهلكين.
ضمن التوجه الآنف تسعى العولمة إلى محو الهويات الوطنية عند الشعوب وتتناغم آلياتها في هذا السياق الاستبدالي الذي ينفي كل ما قبله وينادي بصناعة الانسان الجديد.
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008
لم تحظ ظاهرة فكرية بمثل ما حظيت به ظاهرة العولمة من اهتمام الكتّاب والمفكرين والمتخصصين في شتى المجالات وعلى كثرة ما كتب في "العولمة" ويكتب فيها وخاصة في جوانبها الاقتصادية والسياسية, بقي ذلك الجانب المتعلق بهوية الشعوب وتراثها يستحق المزيد من الدراسات والاهتمام لأنها أعمق أثراً وأكثر التصاقاً بالحياة اليومية للناس, تلك الحياة المحكومة بعمارات شامخة من المنظومات القيمية والسلوكية.
ونكاد نتفق على أن هذه القيم تتعرض للانتهاك عبر محاولات إلغاء تراثها وذكرياتها, بما يشي باستخفاف واستهانة لا حد لهما بمشاعر الانسان وروحه وتسليمه وجعل همه الأوحد منحصراً في الحصول على المال, وكيفية الحصول عليه بأقصر الطرق. لقد تم تأليه المال عبر اتخاذه معياراً للقيم الاخلاقية والجمالية وناظماً للعلاقات الاجتماعية والسياسية.
ولعل الاستغراق في الكلام عن حجم أرقام الأعمال من قبيل أن 500 شركة تسيطر على 80% من انتاج العالم و75% من تجارته يقول شيئاً ولا يقول أشياء أخرى هي أكثر إلحاحاً والتصاقاً بحضارة الشعوب وهويتها.
فعولمة الداخل الإنساني هي أخطر من عولمة الظواهر الخارجية، وربما كان هذا الداخل أسرع في التأثير و"التعولم" من الخارج, فالمشكلة ليست في "ديزني" و "والماكدونالد" و "الكوكا" بقدر ما هي في داخلنا الذي بات يتلقى الأنماط السلوكية الوافدة ويصافحها بحرارة مخلفاً وراء ظهره كنوزاً من العادات والتقاليد والأنظمة الغذائية والمآكل الوضعية تحت حجج وذرائع مفادها أن التراث روح ووجدان وسكون تعوزه المواكبة والمعاصرة.
إذا كان في ما يقال بعض الصحة فماذا تراه يحمل مفهوم الاستهلاك؟ هل يمكنه بأي حال انتاج وعي بالذات وبالآخر وبالذات قبل الآخر.
هذا الاستهلاك الذي ينسجم مع رؤى المنتجين العالميين ماذا أضاف للانسان غير الامراض الفتاكة والتلوث والاوبئة, وأي قيمة للانسان الذي "يعمل ويأكل ويتسلى ..." في نظرهم.
ثمة ما هو أخطر, فمشروع العولمة الاستعلائي الذي يسعى إلى تعميم النموذج الاميركي من دون أي احترام للثقافات المختلفة يقتضي إزالة النزعة الوطنية عند الشعوب كخطوة تمهيدية لنقلهم من وضعية معرفية إلى أخرى, من وضعية المواطنين إلى وضعية المستهلكين.
ضمن التوجه الآنف تسعى العولمة إلى محو الهويات الوطنية عند الشعوب وتتناغم آلياتها في هذا السياق الاستبدالي الذي ينفي كل ما قبله وينادي بصناعة الانسان الجديد.
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008