ارشيف من :أخبار لبنانية

لماذا تردد العدو في القيام بعملية برية واسعة خلال حرب تموز؟

لماذا تردد العدو في القيام بعملية برية واسعة خلال حرب تموز؟
كتب جهاد حيدر
لم يتمكن جيش العدو، في النصف الاول من ايام حرب تموز 2006، من تحقيق أي انجاز عسكري حقيقي، سواء كان يتعلق بالقضاء على القدرات القتالية والصاروخية لحزب الله، أو باستهداف قيادات الصف الأول فيه، أو دفعه إلى الانهيار أو إيقاف استمرار قصفه الصاروخي للعمق الإسرائيلي...
ونتيجة لهذا الفشل، وجدت قيادته العسكرية والسياسية، نفسها مضطرة لاتخاذ قرار ما يغير صورة المعركة ومسارها، وإلا فعليها وقف الحرب، وهذا ما لم تكن الولايات المتحدة تسمح به في ذلك الحين. ولذلك اتخذ المجلس الوزاري في السابع والعشرين من تموز قرارا باستدعاء ثلاث فرق احتياط تمهيدا لعملية برية واسعة يحاول من خلالها تحقيق ما عجز عنه منذ بداية الحرب.
وقد كان واضحا أن تأخر استدعاء الاحتياط خلال الـ15 يوما من بدء الحرب، برغم الفشل الذريع الذي مني به الجيش في كافة المجالات لم يكن إلا نتيجة لإصرار القيادة الإسرائيلية على ضرورة تجنب القيام بعملية برية واسعة، وهو امر اكده تقرير فينوغراد عندما افاد لدى اتخاذ قرار استدعاء الاحتياط كان هناك رهان لدى القيادتين السياسية والعسكرية على توقف القتال قبل الاضطرار إلى استخدام هذه القوات.
ولم يكن خافيا ان اسباب الخوف لدى قيادة العدو تعود الى الخوف من الغرق في المستنقع اللبناني الذي كان ما زال حيا في الذاكرة الاسرائيلية، فضلا عن تقدير الاستخبارات العسكرية بأن حزب الله قد استعد جيدا لمواجهة عملية كهذه، الامر الذي سيؤدي الى سقوط خسائر بشرية كبيرة جدا في صفوف الجيش. وهو امر اعترف به رئيس الوزراء ايهود اولمرت، عندما برر تردده وامتناعه عن مثل هذه العملية بالخوف من دفع "الثمن الوطني الكبير". وتعزز هذا التقدير لدى قيادات العدو بعدما شهدوا ما شهدوه في معارك بنت جبيل والبلدات والقرى الجنوبية الأخرى. 
واللافت ان تقرير فينوغراد، برغم تأكيده على انه كان ينبغي منذ الأيام الأولى اتخاذ قرار إما بوقف الحرب أو القيام بعملية برية واسعة، أكد في الوقت نفسه على انه كان "من غير الممكن أن نتوقع على نحو اليقين ما ستكون نتائج الاستعداد الإسرائيلي لمسار بري واسع في بداية الحرب، والخروج إلى عملية برية كهذه". بل ذهب ايضا الى انه "برؤية تشاؤمية من المحتمل أن عملية برية واسعة كانت ستؤدي إلى خسائر كبيرة، وان انجازاتها العسكرية والسياسية لا تبررها". وقدر التقرير ان يكون من نتائج هذه العملية "المس بقدرة الردع الإسرائيلي وليس تعزيزها". وفسر تردد القيادة في اتخاذ قرار حاسم بأنه كان نتيجة لحالة "اللا يقين" إزاء نتائج مثل هذه العملية.
وانعكس تردد اولمرت في البدء بتنفيذ العملية البرية برغم استنفاد الجيش لكافة خياراته العسكرية من دون تحقيق الحد الأدنى من النتائج المؤملة، بتأخيره لها، بعدما اتخذ قرارا بها في التاسع من شهر آب. وهو ما دفع الجيش، مكرهاً، في الأيام الأخيرة، إلى الضغط على اولمرت للبدء الفوري بهذه العملية. وكانت خلفية الجيش في هذا المجال هي فشله حتى اليوم الأخير في إيقاف إطلاق الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي، فضلا عن خشيته من توقف الحرب دون تحقيق أي انجازات عسكرية ذات أهمية، إضافة إلى تقديره لتداعيات الصورة التي ستطبع في أذهان الرأي العام اللبناني والعربي والإسرائيلي، إزاء النظرة إلى إمكانية إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي. ويكفي في هذا الإطار استحضار الجزء العلني من تقرير فينوغراد الذي اعتبر ان ما تضمنه يسعد أعداء إسرائيل ويحزن أصدقاءها وحلفاءها، فكيف بالجزء السري منه.
في كل الأحوال انضمت العملية البرية الواسعة، التي كانت الورقة الأخيرة بيد كيان العدو، إلى سلسلة الهزائم التي واجهها خلال الحرب. ولتقويم نتائج الحرب يكفي ما اورده تقرير فينوغراد بأن "ثبات صحة مقولة "لا يوجد حل عسكري" للأخطار التي تواجهها اسرائيل يعني انها لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة، ولن تستطيع الاستمرار فيها بسلام او هدوء، من دون أن تعتقد هي نفسها، فضلا عن محيطها، بأن الجيش يمكن ان ينتصر، وانه يوجد لدى اسرائيل قيادة سياسية وعسكرية، وقدرات عسكرية ومناعة اجتماعية تسمح لها بالردع، وأنها، لدى الحاجة، قادرة على إلحاق الهزيمة بجيرانها الذين يريدون تصفيتها، ومنعهم ـ حتى بالقوة ـ من النجاح في تحقيق رغبتهم".
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008   
2008-07-31