ارشيف من :آراء وتحليلات
افتعال التجاذب حول المقاومة في البيان الوزاري: التآمر.. بالكلمات

كتب مصطفى الحاج علي
الثابت الوحيد في سياسة التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي ومن يدور في فلكه من عرب وقوى محلية معروفة الصفة والاسم، هو استهداف المقاومة موقعاً ودوراً. وليس استحضار كلمة السلاح إلا لما تثيره من معانٍٍ سلبية تتصل بذكريات الحرب الأهلية سيئة الذكر. ولذا كي يكتمل نسج هذا الفضاء المعنوي السلبي، لا بد من إسقاط صفة المقاومة عنه واستبدال الصفة الميليشيوية به. لا يقف السيناريو عند هذه النقطة، وليأخذ كامل أبعاده لا بد من استحضار نوع من التضاد بين منطق الدولة ومنطق المقاومة. لكن هؤلاء يدركون أن هذا النوع من التضاد لا يستقيم، وحتى يستقيم يجب استبدال سلاح المقاومة بمفردة السلاح الميليشياوي.. لكن كيف يمكن تبرير وتسويغ هذا الاستبدال؟ طبعاً ان تاريخ عمل المقاومة لا يحتوي ما يسوغ هذا الاستبدال، بل العكس هو الصحيح، فإن هذا التاريخ يرسخ المقاومة موقعاً ودوراً، لأن هذا التاريخ بقدر ما يثبت جدوائية المقاومة فهو يثبتها كأحد أهم مكونات قوته وقدراته الاستراتيجية. من هنا يلجأ اللسان الأميركي في لبنان إلى مسوغات من خارج هذا التاريخ العام، يحاول أن يحول الاستثنائي والظرفي إلى تاريخ قائم بذاته، يحاول أن يضع الطارئ واللحظوي في مقابل ما هو تاريخ مديد، وكأن الاستثناء يلغي القاعدة لا أنه يؤكدها. وفي هذا الإطار يجري استحضار أحداث بيروت والجبل، كما تُنشر افتراءات توزع شمالاً ويميناً لا هم لها سوى إسقاط مفردة المقاومة واستبدال مفردة الميليشيا بها. وحتى تكتمل دائرة الإسقاط هذه يقوم الفريق الأميركي بتقديم الصراع في لبنان بوصفه صراعاً مذهبياً لا صراعاً سياسياً. والمذهبية هنا ضرورية لانتزاع الصفة الوطنية الجامعة عنها.. هذا الانتزاع في بلدٍ كلبنان يضع سلاح المقاومة ليس على حدود الكيان الإسرائيلي، بل يسهل وضعه على حدود المكوّنات الطائفية الأخرى، وبالتالي يسهل تخويف باقي الطوائف منه ووضعه عند حواشي الحروب الداخلية، حتى عندما يقيم هذا الفريق الناطق بالنوايا واللسان الأميركيين، حتى لا نقول أكثر من ذلك، بين إجراء الانتخابات النيابية وسلاح المقاومة ويعلق إجراءها على نزع هذا السلاح، فهو لا يستهدف الضغط على المعارضة، لأنه يدرك أن هذا الضغط لا معنى سياسيا له، ولا أثر سياسياً له، لكن ما يستهدفه هو إقامة تضاد كامل بين سلاح المقاومة وأهم مؤسسة شرعية في الدولة، بل مع أم الشرعية لكل المؤسسات الأخرى، عنيت بها المجلس النيابي. ما يريده هؤلاء هو إقامة تضاد بين شرعيتين لإسقاط شرعية المقاومة بشرعية المجلس النيابي.
في موازاة هذا السيناريو القائم على قاموس تآمري كامل يوظف اللغة وإمكاناتها إلى أقصى الحدود، يجري اسناده بمواقف من خارجه تدعو بإلحاح مريب إلى التمسك بالقرارات الدولية، وبذريعة أنه لا يمكننا أن نسقط من اعتبارنا الشرعية الدولية والدعم الدولي، هذا الاستدعاء هو توظيفي بالكامل، إنه استقواء موارب بالخارج على الداخل، ومحاولة لاستدعاء منطق عفا عليه الزمن، اسمه منطق الشرعية الدولية والاستقواء به على منطق وطني داخلي. المقاومة ركيزة منطقها وفلسفتها تقوم على صيرورة وطنية داخلية تستمد معناها من طبيعة الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومع كل ما يهدد تراب الوطن وسيادته واستقلاله وحريته. أما المنطق الآخر فهو منطق تتقاطع عنده مصالح الكبار، بل وأقوى هؤلاء الكبار، وهو منطق نفعي إسقاطي، بمعنى أنه يُفرض من فوق. كل دول العالم التي تحترم نفسها وتضع مصالحها الوطنية بنداً أولاً على أجندة عملها، تحاول أن تكيف أي قرار دولي مع مقتضيات مصالحها الوطنية، لا العكس.
خلاصة القول هنا أننا لسنا أمام لعبة تسويات لغوية فارغة من أي معنى، بل نحن أمام لعبة تغيير في الوعي وفي الواقع معاً، حيث ان الكلمات تعيد صياغة الوعي السياسي الداخلي وتقولبه وفق مقتضيات المشاريع السياسية المتصارعة، وكتأسيس موضوعي لإحداث تغيير في أرض الواقع. عندما يصعب صياغة معادلات قوة أو توازن بالقوة، يُلجأ إلى الكلمات، هنا تصبح الكلمة تعادل دور السلاح وكل مفردات القوة الأخرى، ويصبح للكلمات أهمية قصوى عندما يراد لها أن تشكل في محطات كتلك التي تعيش، نقاط ارتكاز لمراحل قادمة. وبناءً على ذلك فإن الصراع الذي نشهده حول البيان الوزاري ليس شكلياً كما قد يتصور البعض أو يحاول البعض الآخر تصويره، إنه يتعدى الخلاف حول كلمة هنا أو كلمة هناك، إنه المحطة الفاصلة التي من شأنها أن تنطق بطبيعة المرحلة وتوازناتها، وتشي بما هو آتٍ.
لا يختلف اثنان في أنه لا إمكان موضوعيا لنزع سلاح المقاومة، كما لا إمكان موضوعيا بتسريح أو انتزاع موافقة من المعارضة على تسريح هذا السلاح الآن. ولأن المعارضة ارتأت عدم حسم الصراع جذرياً مع النسخة اللبنانية للمشروع الأميركي، وارتأت بالتالي التساكن ولو الاضطراري معه، ما يعني بقاء المشروعين المتصارعين جنبا الى جنب تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية. وهذه الحكومة بتركيبتها وتوازناتها هي بمثابة استاتيكو متوتر.. إننا أمام حكومة هي أقرب إلى خليط غير متجانس من الماء والزيت، حيث يبقى كل منهما مكانه، ويتلاقى مع الآخر تلاقي ملامسة لا اختلاط.
النتيجة المنطقية والطبيعية لهذه الخلطة هو أن يأتي البيان الوزاري على شاكلتها، أي أن يضم في طياته ما يحفظ لكل طرف مكانه وموقعه، ولا يختلط مع الآخر إلا بحدود التجاوز اللغوي أو النصي.
اذن، لماذا كل هذا التضييع في الوقت ما دامت النتيجة معروفة مسبقاً في مقدماتها؟ لا معنى لكل ما يقوم به الفريق الأميركي في الحكومة إلا أنه نوع من التشاطر والتذاكي لتحسين الشروط عندما يحين موعد الانطلاق في مرحلة التساكن الصعب القائم على التجاوز إلى مرحلة التسويات الممكنة، أو محاولة لقطع الطريق على ترجمة التوازنات الحالية لغير مصلحته، هذا اذا حذفنا الرهانات المضمرة التي تعوّدناها من الحسابات البائسة لهذا الفريق.
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008
ما يريده هؤلاء هو إقامة تضاد بين شرعيتين لإسقاط شرعية المقاومة بشرعية المجلس النيابي |
المعارضة ارتأت عدم حسم الصراع جذرياً مع النسخة اللبنانية للمشروع الأميركي |
خلاصة القول هنا أننا لسنا أمام لعبة تسويات لغوية فارغة من أي معنى، بل نحن أمام لعبة تغيير في الوعي وفي الواقع معاً، حيث ان الكلمات تعيد صياغة الوعي السياسي الداخلي وتقولبه وفق مقتضيات المشاريع السياسية المتصارعة، وكتأسيس موضوعي لإحداث تغيير في أرض الواقع. عندما يصعب صياغة معادلات قوة أو توازن بالقوة، يُلجأ إلى الكلمات، هنا تصبح الكلمة تعادل دور السلاح وكل مفردات القوة الأخرى، ويصبح للكلمات أهمية قصوى عندما يراد لها أن تشكل في محطات كتلك التي تعيش، نقاط ارتكاز لمراحل قادمة. وبناءً على ذلك فإن الصراع الذي نشهده حول البيان الوزاري ليس شكلياً كما قد يتصور البعض أو يحاول البعض الآخر تصويره، إنه يتعدى الخلاف حول كلمة هنا أو كلمة هناك، إنه المحطة الفاصلة التي من شأنها أن تنطق بطبيعة المرحلة وتوازناتها، وتشي بما هو آتٍ.
لا يختلف اثنان في أنه لا إمكان موضوعيا لنزع سلاح المقاومة، كما لا إمكان موضوعيا بتسريح أو انتزاع موافقة من المعارضة على تسريح هذا السلاح الآن. ولأن المعارضة ارتأت عدم حسم الصراع جذرياً مع النسخة اللبنانية للمشروع الأميركي، وارتأت بالتالي التساكن ولو الاضطراري معه، ما يعني بقاء المشروعين المتصارعين جنبا الى جنب تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية. وهذه الحكومة بتركيبتها وتوازناتها هي بمثابة استاتيكو متوتر.. إننا أمام حكومة هي أقرب إلى خليط غير متجانس من الماء والزيت، حيث يبقى كل منهما مكانه، ويتلاقى مع الآخر تلاقي ملامسة لا اختلاط.
النتيجة المنطقية والطبيعية لهذه الخلطة هو أن يأتي البيان الوزاري على شاكلتها، أي أن يضم في طياته ما يحفظ لكل طرف مكانه وموقعه، ولا يختلط مع الآخر إلا بحدود التجاوز اللغوي أو النصي.
اذن، لماذا كل هذا التضييع في الوقت ما دامت النتيجة معروفة مسبقاً في مقدماتها؟ لا معنى لكل ما يقوم به الفريق الأميركي في الحكومة إلا أنه نوع من التشاطر والتذاكي لتحسين الشروط عندما يحين موعد الانطلاق في مرحلة التساكن الصعب القائم على التجاوز إلى مرحلة التسويات الممكنة، أو محاولة لقطع الطريق على ترجمة التوازنات الحالية لغير مصلحته، هذا اذا حذفنا الرهانات المضمرة التي تعوّدناها من الحسابات البائسة لهذا الفريق.
الانتقاد/ العدد1286 ـ 1 آب/ أغسطس 2008