ارشيف من :أخبار عالمية

عقدة كركوك.. الاختلافات أكبر من التوافقات

عقدة كركوك..  الاختلافات أكبر من التوافقات
بغداد - عادل الجبوري
كما كان متوقعا فإن جلسة مجلس النواب العراقي الاستثنائية يوم الأحد، الثالث من شهر اب - اغسطس الجاري، لم تحسم امر الخلاف على مدينة كركوك، وبقيت الازمة تراوح مكانها.
واذا كانت المادة 24 من قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي تم التصويت عليه الاسبوع الماضي، قد اظهرت مدى الخلافات والاختلافات بين الفرقاء السياسيين بشأن مصير مدينة كركوك الغنية بالنفط، فإن تداعيات الوقائع التي اعقبت التصويت السري المثير للجدل على القانون اشارت في مجملها الى ان الازمة سائرة في طريق وعر وشائك وغير واضح المعالم والاتجاهات، وان هناك حاجة إلى جهد كبير ووقت طويل للتوصل إلى حلول ومعالجات واقعية وعملية ومقبولة من قبل كل الأطراف المعنية.
ماذا حصل بعد الاقتراع السري على المادة 24 من قانون الانتخابات؟
- نقض القانون من قبل هيئة رئاسة الجمهورية، الرئيس جلال الطالباني، ونائبه عادل عبد المهدي، وقد ورد في رسالة النقض إلى البرلمان، خمس مسائل كانت وراء اتخاذ قرار النقض، من بينها - أو أهمها - عدم دستورية التصويت السري على المادة 24 لأنه يتقاطع مع مضامين وجوهر النظام الداخلي لمجلس النواب.
- قيام تظاهرات جماهيرية للاكراد في مدينة كركوك ضد القانون، شهدت وقوع عملية انتحارية راح ضحيتها عدد من الاشخاص، لتندلع بعدها اعمال عنف بعضها مسلحة بين الاكراد والتركمان في المدينة.
- تشكيل لجنة للنظر في نقض رئاسة الجمهورية مؤلفة من اعضاء من لجنة المحافظات والاقاليم، واللجنة القانونية في مجلس النواب، الى جانب ممثلين عن الكيانات غير الممثلة في اللجنتين الانفتي الذكر.
- طرح مبادرة، او مقترح، من قبل السيد ستيفان دي مستورا ممثل الامين العام للامم المتحدة في بغداد، يعد بمثابة حل وسط وتسوية للازمة، تتضمن تأجيل الانتخابات في كركوك، وادارة المدينة بصورة مشتركة بين مكوناتها، وتهيئة الاجواء والمناخات الملائمة لاجراء الانتخابات في اقرب وقت ممكن.   
- قيام المزيد من التظاهرات في اربيل والسليمانية ضد القانون، قابلتها تظاهرات مؤيدة له في كركوك.
- عقد اجتماعات متواصلة لكبار القادة السياسيين، من الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني، للتوصل الى مخرج للازمة.
- تصويت مجلس محافظة كركوك ذي الاغلبية الكردية على انضمام المدينة لاقليم كردستان.
- فشل اللجنة المشكلة في احراز أي نجاح يذكر، وهذا ما ورد على لسان اكثر من نائب برلماني من كتل برلمانية قبل موعد انعقاد جلسة الاحد الاستثنائية.
ولعل بعض ما قيل في هذا السياق هو أن "عدم التوصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية بشأن مقترحات ممثل الأمم المتحدة حول قضية تنظيم الانتخابات في كركوك يعود إلى إصرار الجانبين العربي والكردي على إدخال تعديلات جوهرية على هذه المقترحات".
اين تكمن الاختلافات في المواقف بين الفرقاء؟
لا شك ان المادة 24 المختلف عليها كشفت نقاط الاختلاف بدرجة كافية.
فالاكراد الذين يمسكون بالمفاصل الرئيسية والمهمة في المدينة يعتبرون ان المحور الرئيسي لحل ازمة كركوك يتمثل في المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، والتي شكلت لجنة برلمانية لتنفيذ مراحلها المتمثلة بالتطبيع والاحصاء والاستفتاء.
وهم يعتقدون ان اجراء الانتخابات في كركوك في ظل الواقع القائم يشكل مكسبا لهما، ومن هذا المنطلق رفضوا بشدة المادة 24 من قانون انتخابات مجلس المحافظات، لانها تقضي بتشكيل لجنة بنسبة متساوية من اعضاء يمثلون الاكراد والعرب والتركمان، الى جانب اعضاء من مجلس النواب يمثلون المكونات الثلاثة، وتكون لهذه اللجنة صلاحيات سياسية وادارية وامنية وعسكرية واسعة، بحيث يتم تقاسم مختلف المواقع الحكومية في المدينة بين المكونات الثلاثة، وفي غضون ذلك تقوم اللجنة بتهيئة الظروف المناسبة لاجراء الانتخابات في المدينة.
وترجم الاكراد رفضهم لمثل تلك التوجهات بمقاطعتهم التصويت على هذه المادة تحديدا من القانون، والتي صوت عليها النواب العرب في جبهة التوافق العراقية، والكتلة العربية للحوار الوطني، وقسم من الائتلاف العراقي الموحد، والكتلة الصدرية وكتلة الفضيلة.
وتصويت النواب العرب والتركمان واصرارهم على إمرار القانون، وكذلك تأييدهم بدرجة اكبر لمقترحات دي مستورا، يوضح ان المكونين (العربي والتركماني) في كركوك يسعيان الى تغيير حقائق الواقع السياسي الحالي في كركوك عبر السياقات الدستورية والتوافقية بصورة تضمن لهم حقوقهم، وتعيد التوازن السياسي في المدينة.
وبما ان مقترح دي مستورا مثل المنطلق والاساس للتوصل الى حل، فإن الاختلافات بشأنه عبرت في جانب كبير منها عن جوهر التناقضات في المواقف بالاطار العام والشامل.
فالتحالف الكردستاني طلب وبإصرار تضمين مقترحات دي مستورا فقرة تنص على تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بتطبيق الأوضاع في كركوك وغيرها من المدن المتنازع عليها، وهذا المطلب رفض من الطرفين العربي والتركماني على حد سواء.
في ذات الوقت طالب الطرفان العربي والتركماني بوضع ضمانات في قانون انتخابات مجالس المحافظات تؤكد على تنفيذ مقترحات دي مستورا في المدينة بشكل واضح لا لبس فيه، وهو ما رفضه الاكراد.
وتشير اوساط مطلعة على جانب من وقائع اجتماعات لجنة دراسة نقض مجلس الرئاسة لقانون انتخابات مجالس المحافظات، الى ان معظم النقاشات تبدو عقيمة ولا تعدو كونها سجالا وجدلا يدور في حلقة مفرغة، واذا كان هناك حل فلا بد ان يأتي من مكان وموقع اخر.
ماذا يعني كل ذلك؟
يعني ان عقدة كركوك لن تحل خلال وقت قريب، وليس امام مجلس النواب والكتل السياسية، الا خياران، اما الابقاء على جلسة المجلس الاستثنائية مفتوحة لحين التوصل الى مخرج للازمة، او تركها الى الفصل التشريعي المقبل، الامر الذي يعني تأخير اجراء الانتخابات الى وقت غير معلوم، وربما طويل.
الانتقاد/ العدد 1287 ـ 5 آب/ أغسطس 2008
2008-08-04