ارشيف من :آراء وتحليلات

المعارضة تنتظر عرض الموالاة بشأن الحكومة.. ولكنها حددت سلفاً شروطاً ثلاثة

المعارضة تنتظر عرض الموالاة بشأن الحكومة.. ولكنها حددت سلفاً شروطاً ثلاثة
كتب إبراهيم صالح
على الرغم من أن زعيم الأكثرية النيابية سعد الحريري حرص بعد وقت قصير على تيقنه من فوز فريقه بالأكثرية، على إطلاق جملة رسائل تهدئة وانفتاح ومرونة تجاه الفريق الآخر، لكنها انطوت على مؤشرات عدة أبرزها أنه لا يرغب بأن يبدأ مرحلة ما بعد طي صفحة الانتخابات، بالغرق في "اندلاع" التناقضات والخلافات بين الموالاة والمعارضة، استتباعاً لما كان قبل الانتخابات.

وعلى الرغم من ان الحريري حرص أيضاً على تأكيد أمرين أساسيين هما أحد العناوين العريضة للتباين الحاصل بين المعارضة والموالاة في لبنان، أي ضمان مسألة سلاح المقاومة ورفضه العودة الى شعار المطالبة بنزعه او اعتباره مادة خلافية، وتأكيد ضرورة ان تكون المعارضة جزءاً لا يتجزأ من الحكومة المقبلة، فإن الامور بقيت عند حدود اعلان حسن النوايا، واستطراداً بقيت مفتوحة على احتمالي إمرار تأليف الحكومة من دون المرور بالأزمة حول شكل هذه الحكومة العتيدة وحصة كل فريق فيها، واحتمال الصعود الى هاوية المأزق.

وبمعنى آخر حرص الحريري على عدم اعطاء جواب حازم وجازم حيال شكل مشاركة المعارضة في هذه الحكومة وحقها فيها، وهل ستعود الى الإمساك بالثلث الضامن الذي كان لها في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الحالية بعد اجراء الانتخابات، لذا فإن ثمة رموزا من فريقه السياسي استغلوا مواقفه "الضبابية" ورفضه الخوض في هذه المسألة التي يدرك الجميع انها لب القضية و"بيت القصيد"، وشرعوا في رسم سقوف سياسية معينة جوهرها اعلان الرفض المسبق والقاطع لمطلب إعطاء الثلث الضامن للأقلية.

وفيما غادر الحريري الى الرياض، كبرت التساؤلات في الاوساط السياسية حول مغازي اطلاق حلفائه لهذه المواقف، وهل هي تندرج في خانة توزيع الأدوار ام ان الامر يعود فقط الى رغبة دفينة لدى هؤلاء الحلفاء، لكي يقطعوا الطريق سلفاً على أي صيغة تسووية حول الحكومة المقبلة تؤمن لهذه الحكومة انطلاقة مريحة، وعلى نحو يقود الأمور الى خلاف ما انقادت اليه في أعقاب تأليف حكومة السنيورة الأولى في أعقاب انتخابات عام 2005.

بعض المراقبين السياسيين يرى ان مفتاح الامر كله هو في كيفية انتخاب رئيس مجلس النواب، وهل سيكون مسار الامور كما هو متوقع، اي انتخاب الرئيس نبيه بري للمرة الخامسة بسلاسة حسب المعادلات النيابية، ام ان الامر سيخضع كما يشاء البعض للمناورات والمقايضات!

والجلي ان هذا السؤال قد كبُر وأخذ حيزاً بعدما انطلقت ألسنة بعض رموز فريق 14 آذار تطالب بشروط معينة لإعادة انتخاب بري مجدداً للمنصب الذي يتولاه منذ عام 1992، ولا سيما شرط تعديل النظام الداخلي للمجلس.

في مقابل ذلك بقيت المعارضة عند ما أعلنته منذ البداية، من ان الكرة باتت عند الأكثرية، وتحديداً زعيمها الذي يتعين عليه، وهو المعلن صراحة رغبته بولادة مميزة وسلسة للحكومة الأولى التي سيرأسها ولا ريب، وليست ولادة متعثرة تأخذ من رصيده، ان يقدم عرضه الاخير والواضح لشكل مشاركة المعارضة، ولطريقة ادارة اللعبة الحكومية مستقبلاً.

وفي انتظار ان تبلغ قيادة المعارضة رسمياً خريطة الطريق لبلوغ هذا الوضع، وبالتالي لتبني على الشيء مقتضاه، فإن الثابت ان المعارضة نفسها لم تبقَ مكتوفة الأيدي، فهي أبلغت الى من يعنيهم الامر في الفريق الآخر بشكل مباشر وغير مباشر، ان لها شروطاً ثلاثة هي بمثابة خطوط حمراء لا يمكن التنازل عنها، وهي:

1 - ان لا مجال اطلاقاً لأن يفكر فريق الموالاة في استبعاد مكون من مكونات المعارضة، ولا سيما "التيار الوطني الحر". فالمعارضة اما تشارك بكل أطيافها او لا تشارك. وهي بذا قطعت الطريق العام أمام اي تفكير لدى الفريق الأكثري لتكرار اللعبة الحكومية التي جرت بعد انتخابات عام 2005، وأدت الى استبعاد تيار العماد ميشال عون عن المشاركة في الحكومة، برغم انه كان يرأس الكتلة النيابية المسيحية الكبرى.

2 - ان لا مجال اطلاقاً لمشاركة المعارضة في الحكومة من دون الحصول على الثلث الضامن، وهو ما سبق أن أعلنته المعارضة على لسان احد أركانها، رئيس كتلة "المردة" النيابية النائب سليمان فرنجية.

والجديد في الامر هو ان المعارضة منفتحة على بحث الصيغ المتعددة المطروحة لمسألة الثلث الضامن، اي انها لم تطرح حتى الآن صيغة واحدة تتمسك بها.
3 - تأكيد مسألة ادراج موضوع سلاح المقاومة في البيان الوزاري على النحو الذي أدرج فيه في السابق.

وفي هذا الإطار أبلغت المعارضة من يتعين إبلاغهم انها لن تتجاوب مع ما يلمح اليه البعض عن "ضمانات شفهية" تعطى لسلاح المقاومة، على ان لا تدرج في البيان الوزاري.

اما حول ما يتردد في بعض الأوساط السياسية، فذلك الأمر مرتبط بتجربة سابقة لم تنجح، إذ عاد فريق 14 آذار حينها الى عدم الالتزام بالتعهد الشفوي، خصوصاً بعد حرب تموز عام 2006.

اما بالنسبة للموضوع الذي فتح أبوابه رئيس الجمهورية ميشال سليمان حول إمكان ان يكون هو شخصياً "ضامناً" لمطالب المعارضة، فلا يبدو مشجعاً.

فإضافة الى الكثير من الملاحظات المتعددة التي بحوزة المعارضة حول أداء الرئيس سليمان في فترة الانتخابات، فإن المعارضة تحتاج الى كثير من "الضمانات"، وتحتاج الى تفكير عميق قبل ان تصدر إشارة الرضا عن هذه الفكرة وتحسم موقفها منها.

وإجمالا، وبرغم ان ثمة فرصة للتشاور والأخذ والرد بدأها فريق الأكثرية، وبرغم ما يقال عن اتصالات تجري بعيداً من الأنظار لترتيب العلاقات بين المعارضة والموالاة، وبرغم لهجة التهدئة وخطاب المرونة اللذين أطلقهما النائب الحريري، فإن ذلك لا يعني ان المعارضة تنام على حرير الوعود الحريرية، فهي حددت توجهاتها للحكومة المقبلة، وبالتالي حددت الخيارات البديلة اذا تيقنت ان ثمة في فريق الأكثرية من يخطط لتأليف حكومة من لون سياسي واحد، وبالتالي نسف نظرية الشراكة والمشاركة.

وحتى إشعار آخر، لا يبدو ان فريق الموالاة راغب بوضع الأمور نحو هذا النحو، لأنه يدرك الأثمان الباهظة او التداعيات البالغة السلبية لهذا الواقع.. فهل يجرؤ؟!

الانتقاد/ العدد 1351 ـ 18 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-18